دعوى تأثر عقيدة السلف بالأحداث التاريخية وأسبابها
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مشاهدينا الكرام! أهلًا ومرحبًا بكم في حلقة جديدة من برنامجكم: حراسة العقيدة.
إن دعاوى المناوئين لعقيدة السلف تحتاج منا وقفة جادة، نرى العقلانيين يلقون التهم جزافًا على عقيدة السلف مثلًا، وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى نحاول أن نجيب على عدد من دعاوى العقلانيين لعقيدة السلف أهل السنة والجماعة.
فهل عقيدة السلف عبارة عن ردود أفعال ونتيجة صراعات تاريخية؟ هل السلف يتساهلون في تكفير المخالفين؟ وهل تراث السلف ظلاميًا كما يدّعون ويكرسون ثقافة الكراهية والعدائية؟ ما موقف السلف من أهل البيت؟ وما حقيقة وصفهم بالناصبة والجبرية مثلًا؟ (دعاوى الاتجاهات العقلانية المعاصرة حول عقيدة السلف الصالح) هو موضوعنا لهذه الليلة مع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
مرحبًا بكم شيخ ناصر.
الشيخ: أهلًا بك أستاذ تركي وبالمشاهدين.
المقدم: كما أرحب بكم مشاهدينا الكرام مرة أخرى، وأسعد بتواصلكم وأسئلتكم على أرقام البرنامج.
شيخ ناصر كما ذكرنا في مقدمة الموضوع أن هناك دعاوى، وفي الحلقات السابقة تحدثنا أيضًا عن دعاوى أخرى اتهم بها المناوئون وبالأخص العقلانيون عقيدة السلف أهل السنة والجماعة.
فهناك أحداث تاريخية مرت على الأمة منذ عهد النبي ﵊ إلى هذا العصر، وهذه الأحداث التاريخية منهم من قال: إن عقيدة السلف تأثرت بهذه الأحداث التاريخية التي تتابعت على الأمة، هل هذه الدعوى صحيحة؟ الشيخ: على أي حال هذه دعوى ليست جديدة، بل هي امتداد لدعاوى المنافقين في عهد النبي ﷺ الذين كانوا يشكون في مصادر الدين، وفي مصداقية الدين، بل كانوا يشكون أيضًا في عز الإسلام ونصره، وكانوا يشككون بالنبي ﷺ ويسخرون منه وبالمؤمنين، لكن تختلف المصطلحات وتختلف الشعارات من عصر إلى عصر، فكثير من أصحاب الاتجاهات العقلانية والنزعات العلمانية والليبرالية وغيرهم في هذا العصر يثيرون قضايا كبرى على عقيدة السلف، ومنها ما تفضلت به: من أن كثيرًا من عقيدة السلف كانت نتيجة صراعات وردود أفعال وانطباعات عن أحداث تاريخية ونحو ذلك، وهذه كلها دعاوى عارية من الصحة، ولا تصمد أمام البحث العلمي الصحيح لعدة اعتبارات: أولًا: عقيدة السلف ليست من صنع أحد منهم ولا من غيرهم، عقيدة السلف إنما هي امتداد للوحي المعصوم من كلام الله وكلام رسوله ﷺ، وسبيل المؤمنين الذين ضمن الله لهم بقاء الإجماع: (لا تجتمع أُمتي على ضلالة) ولعل مثل هذا يتضح بالأمثلة على وجه سريع.
فمثلًا: اعتبر العقلانيون ما قرره السلف من حقوق الصحابة ومراتبهم وآل البيت وحقوقهم من الإضافات، ثم اعتبروا اعتقاد شرعية خلافة معاوية ﵁ من الإضافات، وهذا نوع من الخنوع والخضوع والعمالة للسلاطين، ثم اعتبروا أيضًا شرعية خلافة بني أمية، وأيضًا بني العباس بعدهم من جهة السمع والطاعة لهم بالمعروف اعتبروا هذه الأمور من الإضافات، واعتبروها أيضًا نوعًا من الخنوع وما يسمى بالمجاملة أو المداهنة أحيانًا للسلاطين، ثم أضافوا أيضًا أشياء في صميم العقيدة، فزعموا مثلًا: أن ما وقفه السلف في منهجهم تجاه المخالف وتجاه البدع والأهواء أنه نوع من ردود أفعال، وأنهم أضافوه إلى الدين وليس من الدين، في حين أنه من ثوابت الدين، كذلك على سبيل التمثيل في المسائل العقدية: زعموا أن القول بأن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق من الإضافات، وزعموا أيضًا أن ما نسميه بالتزام منهج السلف واحترام سبيل المؤمنين أنه نوع من الإضافات، والسنة والجماعة التي هي مسمى أهل الحق الذين بقوا على أصل الدين، زعموا أن هذه من الإضافات وهكذا.
المقدم: يبدو أن هناك إشكالًا عندهم ما بين التفصيل في هذه المسائل والتعمق فيها، ورد الشبهات على المخالفين، وبين أصل المسألة، وأن هذه المسألة أصلًا نابعة من قول الله تعالى أو من قول النبي ﵊؟ الشيخ: على أي حال هي إشكالات متعددة، قد يكون ما ذكرته، وقد تكون هذه الأمور نوعًا من الهروب من التزام الحق الذي لا محيد عنه، وأيضًا هو أسلوب الانتقائية الذي يزعمون أنهم يعيبون خصومهم عليه، فالانتقائية في اختيار الجوانب ملبسة على اعتبار أنها منهج السلف، مع أن هذه الجوانب في حقيقتها ليست ملبسة، لكن هم يجهلون أصول تقرير الحق، فلعل المنزع الأساسي عندهم يأتي من جهتين: النزعة الأولى: من جهة الجهل وهو الغالب، فهم عندما يقرءون يجدون مثلًا: أن السلف ما تكلموا بأن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق إلا في القرن الثاني والثالث، وظنوا أن هذه إضافة وهي ليست إضافة، بل هي تقرير لحق موجود في الكتاب والسنة (قواطع النصوص)، وإنما جاء الكلام فيه وظهر عندما ظهر المعارض.
وأيضًا عندما تكلموا في شرعية خلافة
6 / 2