المجلد الأول: ()
كتاب العقائد
)</span>
مقدمة
...
تقريظات الكتاب
1-
تقريظ الشيخ: محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده، لإبراز الحق وإبدائه، والكشف عن مكنون عقود اللآلي بعد خفائه، وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وآله وأصحابه، السالكين على طريق الحق، المخالفين لأعدائه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإني نظرت في هذا المجموع، الفائق، الرائق، الذي جمعه ورتبه الابن: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، فرأيته قد جمع علوما مهمة، ومسائل كثيرة جمة، مما أوضحه علماء أهل هذه الدعوة الإسلامية، في مسائلهم، ورسائلهم، الساطعة أنوارها، الواضحة أسرارها، لمن أراد الله هدايته.
فإنهم رحمهم الله، حرروا هذه المسائل والرسائل، تحريرا بالغا، مشتملا على مستنداته، من البرهان والحجة، وعلى طريق الهداية، إلى واضح السبيل والمحجة، لا سيما ما تضمنه من العقائد، والردود، والنصائح، التي لا تظفر
Bogga 5
بأكثرها في مجموع سواه.
وقد رتبها الترتيب الموافق، وتابع بينها التتابع المطابق، لا سيما المسائل الفقهية، التي رتبها على حسب أبواب الفقه، وفرقها فيها من غير إخلال بشيء من المقصود، فكان هذا المجموع هو الدرة المفقودة، والضالة المنشودة.
فجزاه الله خيرا، وشكر سعيه على هذا الصنيع، الذي هو للعين قرة، وللمستبصر مسرة، والحمد لله حمدا كثيرا، كما ينبغي لكرم وجهه وعظيم سلطانه.
حرره الفقير إلى عفو ربه وإحسانه، محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم –
21 ذي القعدة - سنة 1351ه.
Bogga 6
2-
تقريظ العلامة الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بإحسانه سدد من شاء من عباده، وبامتنانه وفق من أسعفه بإسعاده، وبعنايته أعلى همة من خصه بجعل جمع العلوم الدينية غاية مراده. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مخلص لله في قوله وعمله واعتقاده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه، الذين جاهدوا في الله حق جهاده.
وبعد: فقد سمعت هذا المجموع الفائق مرتين ، وبعضه أكثر من ذلك، بقراءة جامعه ومرتبه: الأخ الفاضل عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، فوجدته وفقه الله تعالى، لم يأل جهدا في جمع رسائل أئمتنا، أئمة هذه الدعوة، وأجوبتهم، وتتبعها من مظانها، ولم يترك - وفقه الله تعالى - شيئا مما ظفر به إلا أشياء غير محررة، أو أشياء غير مقطوع بها عمن نسبت إليه، مع بذله الطاقة في التصحيح، ومقابلة ما ظفر به منها، على ما يمكنه الوقوف عليه من نسخها، مع أنها لم تخل من تغيير.
وقد أجاد ترتيبها بما يسهل على المستفيد طريق ما
Bogga 7
تمهيد
بقلم جامعه: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خص بالهداية في زمن الفترات، من شاء من عباده، نعمة منه وفضلا، وألهمهم الحكمة مع ما جبلهم عليه من الفطرة، فتفجرت ينابيعها على ألسنتهم، فنطقوا بالصواب عقلا ونقلا. وفتح بصائرهم، وهداهم إلى الصراط المستقيم، علما، وعملا، وهجرة، وجهادا؛ فأعادوا نشأة الإسلام في الصدر الأول. ويسر لهم من معالم الدين، ومواهب اليقين، ما فضلهم واصطفاهم به على المعاصرين، فحاكوا السلف المفضل، وفتح لهم من حقائق المعارف ومعارف الحقائق، ما امتازوا به على غيرهم، عند من سبر وتأمل. ساروا على المنهج السوي، وشمروا إلى علم الهدى، حتى لحقوا بالرعيل الأول.
فسبحان من وفق من شاء من الخلائق لتأصيل الأصول، وتحقيق الحقائق، وجمع له مواهب الخيرات الجلائل والدقائق. أحمده سبحانه على ما من به علينا،
Bogga 8
وهدانا إليه من بين سائر الخلائق.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة مخلص لله صادق. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي أكمل الله به الدين، وجعل شريعته أكمل الطرائق. صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه، نجوم الهداية للسابق واللاحق، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن الله - وله الحمد والمنة - بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فأكمل به الدين وأتم به النعمة، فدخل الناس في دين الله أفواجا، وأشرقت الأرض بنور النبوة، واهتزت طربا وابتهاجا ، حتى تركهم صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها. ودرج على هذا المنهج القويم خلفاؤه الراشدون، وصحبه المهديون، والأفاضل بعدهم المرضيون.
ثم إنه خلفت بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، وهذا مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم. ولكن الله سبحانه من فضله ضمن لهذه الأمة بقاء دينها وحفظه عليها، وهذا إنما يحصل بإقامة من يقيمه الله تبارك وتعالى من أفاضل خليقته، وخواص بريته، وهم حملة الشريعة المطهرة، وأنصار الملة المؤيدة، الذابون عن دينه، المصادمون لأهل البدع والأهواء، المجاهدون من رام انحلال عرى كلمة التقوى، الذين هم في الأمة المحمدية كالأنبياء في الأمم
Bogga 9
الخالية؛ فأظهر في كل طبقة من فقهائها أئمة يقتدى بها، وينتهى إلى رأيها، مهد بهم قواعد الإسلام، وأوضح بهم مشكلات الأحكام، تحيا القلوب بأخبارهم، وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم; فحفظ الله لهم دينهم حفظا لم يحفظ به دينا سواه.
وذلك أن نبي هذه الأمة، هو خاتم النبيين، لا نبي بعده، يجدد ما دثر من دينها، كما كان دين من قبلنا من الأنبياء، كلما دثر دين نبي جدده نبي آخر يأتي بعده، فتكفل الله بحفظ هذا الدين، وأقام له في كل عصر حملة ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتمويه الزائغين، ميزوا ما دخل فيه من الكذب والوهم والغلط، وضبطوا ذلك غاية الضبط، وحفظوه أشد الحفظ.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم بعث بجوامع الكلم، حتى إنه ليتكلم بالكلمة الجامعة العامة، التي هي قضية كلية، وقاعدة عامة، تتناول أنواعا كثيرة، وتلك الأنواع تتناول أعيانا لا تحصى، والنصوص بهذا الوجه محيطة بأحكام أفعال العباد، اقتضت حكمة الله تعالى أن نصب للناس أئمة هدى من أهل الدين والإيمان، والتحقيق والعرفان، يخلفون النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون أمته ما قاله، ويفهمونهم مراده، بحسب اجتهادهم واستطاعتهم; وأعلمهم وأفضلهم: أشدهم تمسكا بما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وأفهمهم لمراده، فصار الناس كلهم يعولون في الفتاوى عليهم،
Bogga 10
يقصد من الفائدة ويريد، لا سيما المسائل الفرعية ، التي هي من كتاب الطهارة، إلى كتاب الإقرار، حيث رتبها على حسب ترتيب فقهائنا الحنابلة، رحمهم الله تعالى; فإنه جاء في ذلك بالمقصود، فصارت متيسرة التناول، قريبة الوجود، مع عدم الإخلال بشيء من المراد، ولا تقصير فيما ينبغي أن يطلب منه ويراد. فجزاه الله خيرا، ونظمه في سلك الدعاة إلى دينه، الذابين عما بعث به رسوله، وجزى بالخير من سعى في نشره، وتعميم المنفعة به.
أملاه الفقير إلى عفو ربه: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ،
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. 20 ذي القعدة سنة 1351ه.
Bogga 11
3-
تقريظ الشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري، قاضي المجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي غرس لهذا الدين من كل خلف عدوله، ووفق من شاء لتأصيل قواعده وتحرير أصوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها الخلاص من كرب يوم القيامة، وشدائده المهولة; وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، الذين شمروا في نصرة دين ربهم واتباع رسوله.
أما بعد: فإني قد أشرفت على ما جمعه الابن الفاضل: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم من رسائل وجوابات أئمتنا، أئمة هذه الدعوة الإسلامية، الذين تأخر عصرهم، وتقدم فخرهم، حتى ألحقوا بالسلف الصالح، وامتازوا على غيرهم بإقامة القسطاس الراجح، فإذا هو مشتمل على عقائد سلفية، وردود على أهل مذاهب غوية، وفتاوى مقرونة بأدلتها الشرعية.
وقد أجاد وفقه الله في ترتيبها، وجمع متشتتها وتبويبها، لا سيما المسائل الفقهية، والفتاوى الفروعية; فإنه رتبها على
Bogga 12
تبويب متأخري الفقهاء من أصحابنا - رحمهم الله - فأبرز مخبآت خرائدها، واقتنص ما تشتت من شواردها، حتى تيسر للطلاب اجتناء دررها، والتلذذ بالنظر إلى محيا غررها.
فإنها كانت قبل متفرقة في رسائل شتى، لا تكاد تحصل القليل منها، فضلا عن الكثير، فجاءت - ولله الحمد - عديمة النظير. وصلى الله على عبده ورسوله محمد، خاتم المرسلين، وأفضل الأولين والآخرين.
قال ذلك ممليه، الفقير إلى الله عز شأنه: عبد الله بن عبد العزيز العنقري.
وصلى الله على محمد وسلم. 13 ذي الحجة سنة 1351ه.
Bogga 13
ويرجعون في معرفة الأحكام إليهم، وأقام الله من يضبط مذاهبهم ويحرر قواعدهم.
وقد اختص الله منهم نفرا أعلى قدرهم ومناصبهم، وأبقى ذكرهم ومذاهبهم، فعلى أقوالهم مدار الأحكام، وبمذاهبهم يفتي فقهاء الإسلام.
وكان أبو عبد الله: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه أوفاهم فضيلة، وأقربهم إلى الله وسيلة، وأوسعهم معرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمهم به، وأتبعهم له، وأكثرهم تتبعا لمذاهب الصحابة والتابعين، وأزهدهم في الدنيا، وأطوعهم لربه، ومذهبه مؤيد بالأدلة.
قال أبو الفرج: نظرنا في أدلة الشرع، وأصول الفقه، وسبرنا أحوال الأعلام المجتهدين، فرأينا أحمد - رحمه الله - أوفرهم حظا من تلك العلوم، كان إذا سئل عن مسألة كأن علم الدنيا بين يديه.
وقال إبراهيم الحربي: رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف. وصدق فإنه رحمه الله كان شديد العناية بالقرآن وفهمه وعلومه، وعلمه بالسنة اشتهر وذاع، ووقع عليه الوفاق والإجماع، وهو حامل لواء السنة والحديث، وأعلم الناس في زمانه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين.
واختص عن أقرانه بسعة الحفظ، وكثرته، حتى قيل
Bogga 14
إنه يحفظ ثلاثمائة ألف حديث; وبمعرفة صحيحه من سقيمه، وكان إليه المنتهى في علم الجرح والتعديل، وبمعرفة فقه الحديث وفهمه، وحلاله وحرامه ومعانيه. ورؤي من فهمه ما يقضى منه العجب، بل لم تكن مسألة سبق للصحابة والتابعين ومن بعدهم فيها، كلام إلا وقد علمه وأحاط علمه به، وكذا كلام عامة فقهاء الأمصار والبلدان.
ومعلوم أن من فهم هذه العلوم وبرع فيها فأسهل شيء عنده معرفة الحوادث، والجواب عنها، على وفق تلك الأصول. ومن نظر بالتتبع والاستقراء، علم أن علم الإمام أحمد، ومن سلك سبيله من الأئمة، أعلى علوم الأمة وأجلها وأعلاها، وإن فيه كفاية لمن هداه الله.
حفه الله بجهابذة فحول، تلقوه عنه بالقبول، حرروه وهذبوه، وبنوا منه الفروع على الأصول، من أولاده ومعاصريه، ينيفون على خمسمائة فقيه، وطبقات بعده أئمة جهابذة، كانوا للسنة الغراء ناصرين، وعن حمى السمحاء محامين، كما كان عليه سائر إخوانهم الموفقين، من أتباع بقية الأربعة المهديين، مع كثرة خصومهم في تلك الأعصار، وتوافر أضدادهم في سائر الأمصار، واعتكار ليل الشرك والفساد، وتلاطم أمواج بحر البدع والعناد.
إلى أن أقام الله تعالى العالم الرباني، مفتي الأمة، بحر العلوم، شيخ الإسلام: أحمد بن تيمية، المجتهد
Bogga 15
المطلق، المجمع على فضله، وإمامته، الذي جمع الله العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد. جدد الله به الدين بعد دروسه، وأحيا به هدي سيد المرسلين بعد أفول شموسه، وأدحض به جميع بدع المبتدعين، وانبلج الحق واليقين. وقام بعده تلامذته المحققون، وأتباعهم ممن لا يحصون.
وبعدهم انتقضت عرى الإسلام، وعبدت الكواكب والنجوم، وعظمت القبور، وبنيت عليها المساجد، وعبدت تلك الضرائح والمشاهد، واعتمد عليها في المهمات، دون الصمد الواحد، ولكن في الحديث: " إن الله تبارك وتعالى يبعث لهذه الأمة، على رأس كل قرن، من يجدد لها أمر الدين " 1، ويبين المحجة بواضحات البراهين.
فبعث في القرن الثاني عشر، عند من خبر الأمور وسبر، ووقف على ما قرره أهل العلم والأثر، الآية الباهرة، والحجة الظاهرة، شيخ الإسلام والمسلمين، المعدود من أكابر السلف الماضين، المجدد لما درس من أصول الملة والدين، السلفي الأول، وإن تأخر زمنه عند من خبر وتأمل، بحر العلوم، أوحد المجتهدين، الشيخ: محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وأسكنه الجنة بغير حساب.
فشمر عن ساعد جده واجتهاده; وأعلن بالنصح لله
Bogga 16
ولكتابه ورسوله، وسائر عباده، دعا إلى ما دعت إليه الرسل، من توحيد الله وعبادته، ونهاهم عن الشرك، ووسائله وذرائعه; فالحمد لله الذي جعل في كل زمان من يقول الحق، ويرشد إلى الهدى والصدق، وتندفع بعلمه حجج المبطلين، وتلبيس الجاهلين المفتونين.
والحمد لله الذي صدق وعده، وأورثه الرضى وحده، وأنجز وعده، واستجاب دعاءه، فصارت ذريته، وذرياتهم، وتلامذتهم نجوم هداية، وبحور دراية، ثبتوا على سبيل الكتاب والسنة، وناضلوا عنه أشد النضال، ولم يعدوا ما كان عليه الصحابة والسابقون، والأئمة الموثوق بهم ، كأبي حنيفة والسفيانينى،; ومالك والشافعي وأحمد وأمثالهم. ولم يثنهم عن عزمهم طلاقة لسان مخادع، ولا سفسطة متأول، ولا بهرجة ملحد، ولا زخرفة متفلسف، وكلما انقضت طبقة منهم، أنشأ الله طبقة بعدها على سبيل من قبلها، فهم الأبدال والأخيار والأنجاب.
وقد أخبر الصادق الأمين: " لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته " 1 وقال: " لا تزال طائفة من أمتي على أمر الله، لا يضرها من خالفها " 2. وقد أقام الله بهم السنة والفرض; فصاروا حجة على جميع أهل الأرض، وأشرقت بهم نجد على جزيرة العرب، ولله در القائل حيث قال:
Bogga 17
ففيها الهداة العارفون بربهم ... ذوو العلم والتحقيق أهل البصائر
محابرهم تعلو بها كل سنة ... مطهرة أنعم بها من محابر
مناقبهم في كل مصر شهيرة ... رسائلهم يغدو بها كل ماهر
وفيها من الطلاب للعلم عصبة ... إذا قيل من للمشكلات البوادر
ولا يعرف شعب دخل في جميع الأطوار، التي دخل فيها الإسلام في نشأته الأولى، غربة وجهادا وهجرة وقوة، غير هذا الشعب. فلقد ظهر هذا الشيخ المجدد المجتهد، في وقت كان أهله شرا من حال المشركين، وأهل الكتاب في زمن البعثة، من شرك وخرافات، وبدع وضلالات، وجهالة غالبة؛ فدعا إلى عبادة الله وحده، والرجوع إلى أصل الإسلام، فأعاد نشأة الإسلام كما كانت. وسارت ذريته وتلامذتهم سير السلف الصالح، وجرى عليهم ما جرى على تلك السادة.
وقد شهد لهم أهل العلم والفضل والتحقيق، من أهل القرى والأمصار، أنهم جددوا التوحيد، ودعوا إليه حتى استنار، حتى شهد لهم أعداؤهم بذلك، كما ستقف عليه:
مناقب شهد العدو بفضلها ... والفضل ما شهدت به الأعداء
ومن سبر حقيقة القوم، وعرف مآخذهم، انقاد لهم، وجعلهم أئمة هداة; ولقد صدق القائل:
أئمة حق والنصوص طريقهم ...
وأحمد خريت الطريق وهاديا
Bogga 18
على مذهب الحبر الإمام ابن حنبل ... عليهم من المولى سلام يوافيا
عقائدهم سنية أجمع الملا ... عليها خصوصا تابعا وصحابيا
وأسلمها عقدا وأعلمها هدى ... وأحكمها فاشدد عليها الأياديا
صرائح قرآن نصوص صريحة ... ومن ردها دارت عليه الدواهيا
كانوا على مذهب الحبر الرباني، والصديق الثاني، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه، لقوة علمه وفضله، تتبعوا دليله، واقتدوا به من غير تقليد له، يأخذون من الروايتين عنه فأكثر بما كان أقرب إلى الدليل، وربما اختاروا ما ليس منصوصا في المذهب، إذا ظهر وجه صوابه، وكان قد قال به أحد الأئمة المعتبرين. وليس ذلك خروجا عن المذهب، إذ قد تقرر عنه، وعن سائر الأئمة، رحمهم الله أنه إذا خالف قول أحدهم السنة، ترك قوله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبالجملة، فمن تأمل حالهم، واستقرأ مقالهم، عرف أنهم على صراط مستقيم، ومنهح واضح قويم; شمروا عن ساعد الجد والاجتهاد، وصرفوا عنايتهم في نصرة هذا الدين، الذي كان الأكثر في غاية من الجهالة بمبانيه العظام، ونهاية من الإعراض عن الاعتناء به والقيام، فشرعوا فيه للناس موارد، بعد أن كان في سالف الزمن طامسا خامدا، وعمروا لهم فيه معاهد، حتى صار طاهرا مستنيرا مشاهدا.
فنشروا شريعة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لجميع الخلائق،
Bogga 19
وكشفوا قناعها، وحققوا الحقائق، وأنشأوا المدارس وعمروها بالتعليم، وجاهدوا في الله كل طاغ أثيم، وصنفوا الكتب فأجادوا، وكشفوا الشبهات فأبادوا، وأجابوا السائل فأفادوا، فكشفوا عن الدين ما عراه، وأبدوا وأعادوا. فحق لقوم هذا شأنهم، أن يعتنى برسائلهم، وفتاويهم، وردودهم، وتجمع وتدون لكيلا تذهب، وترتب وتعنون لكيلا تصعب.
وقد اجتهد علماؤنا في جمعها، وحفظها; وحرصوا وحضوا على نشرها، وجمع شواردها. وكان أكثر من جمع، ما وجده شيخنا الفاضل: الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ: سليمان بن سحمان، والشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري، وغيرهم; إلا أنها غير مرتبة، فصار الطالب للمسألة لا يجدها إلا بعد تعب وعناء، ولا خفاء بما في ذلك من المشقة والنصب، وربما لا يجدها.
فأمرني من تجب طاعته علي أن أجمعها، وأرتبها حسب الطاقة، مع أني لست من أهل تلك البضاعة; فتمادت بي الأيام، أقدم رجلا وأؤخر أخرى، لكثرة الأشغال، ومعالجة المعاش والضيعة، وعدم الأهلية، إلى أن قويت العزيمة، وخلصت النية، وظهرت، ويسر الله الأمر وسهله، ووفق إليه، فحينئذ أمعنت النظر، وأنعمت الفكر، وجمعت ما أدركته. وأعانني عليه شيخنا الفاضل، الحبر الثقة، الشيخ: محمد بن الشيخ إبراهيم، وحرره وهذبه، أعدته وأبديته عليه
Bogga 20
فزها، فظهر آثار القبول عليه وأبهى; كررت الفقه عليه مرارا، والأصول وغيرها إمرارا.
وقرأت أكثره على شيخنا النبيل، الشيخ محمد بن الشيخ عبد اللطيف، وعلى الشيخ: سعد بن حمد بن عتيق، والشيخ: عبد الله بن عبد العزيز العنقري، فجاء - بحمد الله - جامعا جل رسائلهم وفتاويهم، بل كلها إلا قليلا.
وقد صنف العلماء في كل عصر ومصر، في الأصول، والفروع، وغيرها ما لا يحصى، حفظا للدين والشريعة، وأقوال أهل العلم، وليكون آخر الأمة كأولها في العلم والعمل، والتزام أحكام الشريعة، وإلزام الناس بها، لأن ضرورتهم إلى ذلك فوق كل ضرورة، ولولا ذلك، لجرى على ديننا ما جرى على الأديان قبله، فإن كل عصر لا يخلو من قائل بلا علم، ومتكلم بغير إصابة ولا فهم.
فوضح هؤلاء الأحبار الطريق إلى الله بالعلم، وأبرزوا مشكلات الحوادث بينابيع الفهم، بما يثلج الصدور، ويطرد الوهم، وصارت فتاويهم وأجوبتهم هي المعتبرة عند القضاة والمفتين، لرجحانها بالدليل، وموافقتها القواعد والتأصيل.
وها هو ذا يفصح عن نفسه، ويدل على عظيم نفعه، جامعا شاملا نافعا، فيه من الفوائد ما هو حقيق أن يعض عليه بالنواجذ، وتثنى عليه الخناصر، ويكب عليه أولو البصائر
Bogga 21
النوافذ. اشتمل على أصول أصيلة، ومباحث جليلة، لا تجدها في كثير من الكتب المصنفة، ولا الدواوين المؤلفة.
فإن أردت مقام الدعوة إلى الدين، وتوحيد رب العالمين، وجدته بأحسن أسلوب وأتم تبيين. وإن أردت حل مشكلات الفروع عن يقين، فخذها عليها النور المستبين، أو أردت حكم جهاد المفسدين، ألفيته على وفق سيرة سيد المرسلين، أو أردت حل أوهام الزائغين، وجدتها مجلوة بأوضح البراهين، أو استنباط آيات من كلام رب العالمين، أفادك ما لا يوجد في كلام أكثر المفسرين، أو نصائح شاملة في أمور الدين، لقيتها آية باهرة للمتأملين. ألفها فحول من هداة مهتدين، تهدى إليك ساطعة بالنور المستبين، تشتاق إليها نفوس الموحدين، وتطمئن بها قلوب المؤمنين، وتنشرح لها صدور الطالبين.
Bogga 22
وقد وقع هذا المجموع المبارك، في أحد عشر جزءا:
الأول: كتاب العقائد.
والثاني: كتاب التوحيد.
والثالث: كتاب الأسماء والصفات.
والرابع: كتاب العبادات من كتاب الطهارة إلى الأضاحي; وفي أوله فصلان:
الفصل الأول: في أصول مآخذهم.
والفصل الثاني: في أصول الفقه.
والخامس: كتاب المعاملات وما يتبعه إلى العتق.
والسادس: من كتاب النكاح إلى الإقرار.
والسابع: كتاب الجهاد.
والثامن: كتاب حكم المرتد.
والتاسع: مختصرات الردود، على ذوي الشبه، والزيغ، والجحود.
والعاشر: الاستنباط، وتفسير آيات من القرآن.
والحادي عشر: كتاب النصائح; وفي آخره تراجم أصحاب تلك الرسائل والأجوبة، تطلعك على كبر شأنهم، وعلو مرتبتهم، وعمق مآخذهم، وتشرح صدرك لقبول أجوبتهم.
Bogga 23
تنبيهات
التنبيه الأول: في كيفية ترتيب كل جزء من أجزاء هذا المجموع; فليعلم أن الجزء الأول، والثاني، والثالث، والثامن، والتاسع، والحادي عشر، قد أبقيت الرسائل والأجوبة فيها على ما هي عليه، ولم ترتب إلا على حسب وفيات مؤلفيها، فيذكر في كل واحد من هذه الأجزاء، أولا: رسائل الشيخ محمد رحمه الله، ثم من بعده، وهكذا، على حسب الوفيات، وقد يقدم الأشهر.
وأما الجزء الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، فهي على حسب ترتيب فقهائنا - رحمهم الله - في التبويب والمسائل، وإذا كان في المسألة جوابان فأكثر، ذكر السؤال أو بعضه أو ملخصه، إن لم يحتج إليه كله; ويبدأ بجواب الأقدم، ثم جواب من يليه من غير إعادة للسؤال، بل يكتفى بقول: وأجاب فلان، وهكذا مرتبا إلى أن تفرغ الأجوبة، التي في تلك المسألة.
وقد ينتقل من مسألة إلى مسألة أخرى من غير ذكر سؤال، فيقال: وأجاب فلان، اكتفاء بما في جواب التي قبلها، لما بينهما من الارتباط.
Bogga 24