فكان كل ما ختم به حديثهما هو لفظة: «ليلة سعيدة»، ولم ترجع الفتاة إلى غرفة الاستقبال حيث كانا، ولكن أصعدت في السلم إلى حجرتها الخاصة.
وجعلت تتمشى في أنحاء الحجرة إقبالا وإدبارا، فهي تسائل نفسها: «تراه يحفل بي ويكترث؟ بودي لو أعرف حقيقة شعوره نحوي؟ من لي بمن يقنعني أنه يهتم بي ويأبه لي؟ إن هذا الشك والريب قاتلي لا محالة! وهب بعد كل ذلك أنه لا يبالي بي ولا يعنى!»
إلا أنها لتميد وتترنح من نشوة الحزن والأسى، ثم تلقي ذراعيها ممدوتين على صفة الموقد، وتركز عليهما رأسها المتعب المدنف.
وتناجي نفسها وهي على هذه الحال، وتلوح على شفتيها ابتسامة ضعيفة ساخرة: «وهذا إذن هو الحب! هذا الكرب والوجد، وهذا الألم واللوعة، وهذا السقام والضنى! ما هو والله إلا السم الزعاف يصب في الأحشاء!»
لبثت إيزابلا طوال اليوم التالي طريحة الفراش صغراء صامتة، وبها من شدة الجهد والنصب ما منعها حتى الإجابة على تهكمات أختها وتنديداتها.
فلما كان وقت الغداء وإيزابلا وأختها وزوجها جالسين على الخوان، أخبر الزوج امرأته أنه قد مل سكنى الساحل، وكانوا يسكنون دارا على شاطئ البحر للمصيف والنزهة، وأنه قد عزم على مهاجرة المكان في ظرف أسبوع، فلما سمعت ذلك إيزابلا لاحت على وجنتيها بقعة حمراء قانية، وانداحت حدقة عينها جزعا وذعرا.
ثم غضت جفنيها، وزالت البقعة الحمراء من وجنتيها، وبقيت صامته لم تنبس ببنت شفة، ولما انتهى الغداء استأذنت في الذهاب، وانصرفت وحدها إلى غرفتها.
فلما صارت هنالك نزعت ثياب الخوان وخلعت حذاءيها، ولبست حلة الخروج. وكان بيديها من الرعشة والارتجاف، ما صعب عليها عقد إزرة قميصها فوق صدرها المفعم الخفاق.
ولكن عزمها قد أبرم، لقد علمت أنهم راحلون في ظرف أسبوع، وكانت تعرف من قبل ذلك أن إصطفيان راحل غدا ثم لن يعود إلا بعد أسبوعين، فلا بد من لقائها إياه الليلة.
فلما أكملت لبس ثيابها، وقفت لحظة لتسيغ ما شرق به حلقها إذ ذاك من غصة الكرب الحازب، وشجا الوجد الأليم.
Bog aan la aqoon