Ilmooyinka Bilyatsho
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
Noocyada
قال بسرعة: بل قولي يجب أن تزيلوه.
التفتت إلى الشحاذ المتسمر في مكانه وتذكرت أنها لم تعطه شيئا، وسألت زوجها عن فكة، فبحث في جيوبه ولم يجد سوى قرش واحد، قال لها وهو ما يزال ينظر للتمثال: الزعيم أولى به.
لم تضحك كما كان ينتظر فكتم ضحكته. خلص ذراعه من ذراعها وأمسكت يده بيدها وشدها؛ كي تجري ليلحقا بالأوتوبيس، كانت لا تزال تنظر إلى الشحاذ وتتلفت في كل لحظة لتقارن بين تمثاله الحي وبين صورته التي تقفز نحوها من الماضي البعيد، توقفت وقائلة يائسة: سعيد، الدنيا زحمة، تعال نأخذ تاكسي.
أسرع سعيد يقول: على كيفك يا حبيبتي.
وفي لحظة كان صوته القوي المرح ينادي على التاكسي، وفي لحظة كان قد انطلق بهما وعبر الميدان في طريقه إلى شارع رمسيس.
مضى الأستاذ سعيد يتحدث بغير انقطاع، وكان صوته الممتلئ الوديع يتدفق في أذنيها فتحس بالاطمئنان الذي يكاد يبعث فيها الرغبة في النوم.
وراحت تنظر إليه بين حين وحين وذهنها شارد عنه، ربما لتثبت له أنها تتابع كلامه الذي يتنقل بسرعة من التمثال إلى رخص الأوكازيون إلى مشكلة المواصلات إلى الحرب في فيتنام، ولاحظت بارتياح أن السائق التقط الخيط منه، واستغرق معه في حديث خطير عن غلاء المعيشة والخنافس وواجب استعمال العصا في المدارس، أما هي فلم تعرف في أي شيء تفكر على وجه التحديد، كانت صورة الشحاذ المتشنج اليدين تصدم وجهها باستمرار، بل إن وجهه المجدور الذابل كان كثيرا ما يتداخل مع وجه زوجها الأبيض الناعم، والعينان المغمضتان تهتزان أمامها وتقفزان من زجاج النافذة ومصابيح الشارع ورءوس الأشجار وأعمدة البيوت، وكما تتداخل صور المرئيات مع صورة الشحاذ المتصلب المسكين، تداخلت الأفكار وراحت تتشكل لها وجوه وعيون وألسنة طويلة وأيد تمسك برقبتها أو تصفعها على خديها، حاولت أن تبعدها بالتفكير في مشكلة الزحام وطاف بعقلها دون سبب اسم مالتس ونظريته التي أخذتها في الجامعة ولم تحاول الآن عبثا أن تتذكر صيغتها التي كانت تحفظها عن ظهر قلب، وهمت أن تسأل زوجها لولا أن وجدت صورة الشحاذ تصدم وجهها بشدة فرفعت يديها تغطيه بسرعة وخوف؛ مما جعل زوجها يلتفت ويسألها جزعا عن حالها فأجابت في هدوء: لا شيء يا حبيبي، مجرد صداع.
كانت تراه في كل صباح، هناك منذ عشر سنوات أو تزيد، على محطة الأوتوبيس الذي كانت تركبه إلى الجامعة، لم يعد لديها شك في ذلك، لم يعد لديها أدنى شك فيه، بالطبع لم تسأل نفسها عنه في الأيام ولا الأشهر الأولى، ولا حاولت أن تفكر لحظة واحدة فيه، كان يقف بقامته القصيرة، وهيئته الرثة، وشعر رأسه المهوش الذي يسقط على أنيه وينعقد كأكوام من الطين المتناثر على رأسه وقفاه، ولم يكن يسترعي انتباهها منه في البداية سوى كومة الأوراق التي كان يحملها تحت إبطه في معظم الأحيان، لم يكن منظره منظر طالب، ولا كانت هيئته أو سنه أو حتى مجموعة اللفائف التي في يده تسمح بهذا الظن، ولا بد أنها كانت تبتسم في سرها لمنظره، وربما تعلمت مع الزمن أن تتعجب لقذارته المزمنة (التي لم تكن فيما يبدو متعمدة، بل عن بؤس أكيد)، وترثى لحاله في النهاية، وتسأل نفسها إن كان له أهل في هذه الدنيا، وأين يأكل وينام ويعيش، ويظهر أن بائعة الجرائد العجوز لاحظت أن اهتمامها به يتزايد مع مرور الأيام، فكان أن غمزت لها بعينيها وهي تشتري منها إحدى المجلات النسائية قائلة: أصله شاعر.
سألتها باستخفاف: قرأت له؟
قالت البائعة وهي تشوح بذراعها: الله يسترك، ما ناقص إلا الشعر.
Bog aan la aqoon