Doroos Al-Sheikh Hassan Abu Al-Ashbal
دروس الشيخ حسن أبو الأشبال
Noocyada
تعنت بني إسرائيل مع أنبيائهم وسبب عدم قبولهم مبدئيًا تملك طالوت عليهم
قال وهب بن منبه عليه رحمة الله: كانت بنو إسرائيل فترة من الزمان على الطريق المستقيم، وعلى تعاليم موسى ﵇، حتى فعلوا فعلتهم المنكرة -ولم يذكر أي فعلة منكرة، وفعالهم المنكرة لا تكاد تقع تحت حصر، ولكنهم لعلهم ارتكبوا فعلة عظيمة أعظم من كل ما يمكن أن نتصوره-، فضرب الله ﷿ عليهم الذلة والهوان، وكانوا من قبل لا يحاربون جيشًا إلا غلبوهم وانتصروا عليهم، ولكنهم لما فعلوا فعلتهم، ما قام عليهم أحد إلا قتلهم، حتى شردهم ملك ظالم من ملوك المشركين في الأرض شرقًا وغربًا، ثم اجتمعوا في أرض فلسطين.
قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ﴾ [البقرة:٢٤٦] من هو هذا النبي؟ قيل: هو يوشع بن نون، وليس كذلك، فإن يوشع كان بعد موسى ﵇ وهارون مباشرة، وإنما كانت القصة في زمن داود ﵇، ولم يكن يوحى إليه بعد، والمعروف عند أهل السير والتاريخ أن بين داود وموسى ﵇ أكثر من ألف عام، فداود إنما أرسل بعد موسى بأكثر من ألف عام، فالقصة متأخرة جدًا في بني إسرائيل، ولذلك قال وهب بن منبه: لما كانت النبوة في سبط لاوي بن يعقوب، والملك في سبط يهودا، نظر اليهود -وهم أتباع موسى- في سبط لاوي بن يعقوب فلم يجدوا منهم أحدًا إلا امرأة حاملًا، فأخذوها وحبسوها في بيت حتى تلد رجاء أن ترزق بولد أو غلام يبايعه بنو إسرائيل على النبوة كأنها بيعة، وكانت تدعو الله ﷿ أن يرزقها بغلام، وأن ينبته نباتًا حسنًا، فاستجاب الله ﷿ دعاءها وولدت غلامًا وسمته شمعون، وفي رواية: سمته شمويل، فلما بلغ شمعون أو شمويل سن النبوة، وهو في الغالب سن الأربعين، أوحى الله ﷿ إليه، فاجتمعت عنده بنو إسرائيل، وقالوا: يا نبي الله، ألا ترى ما نحن فيه من ذل وهوان، فعين لنا ملكًا نقاتل معه في سبيل الله، فنظر هذا النبي بعين البصير ببني إسرائيل على جهة الخصوص، وبالناس عامة، فرأى أن الحماس وحده لا يكفي، ولكن هذا الشعب الطويل المترامي الأطراف أصر على أن يعين لهم شمويل ملكًا يقاتلون معه أهل الظلم والطغيان، وكانوا هم أتباع موسى ﵇، فعين لهم هذا النبي طالوت ملكًا، ولكنه قبل أن يعينه قال لهم: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ [البقرة:٢٤٦] هل أنتم على يقين لو كتب وفرض عليكم القتال أنكم ستقاتلون حقًا؟ والمعلوم أنهم قوم بهت وظلم وطغيان وردة، وأنهم لا يفون بوعد ولا عهد، فهو قال لهم: هل أنتم على يقين مما توعدون به الآن؟ ﴿قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا﴾ [البقرة:٢٤٦] فهم حددوا الهدف الذي لأجله يقاتلون بقولهم: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [البقرة:٢٤٦] يعني: هذا القتال إنما هو لإعلاء راية الله ﷿.
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ [البقرة:٢٤٧]، وهذا هو الفصل الثاني، وإن شئت فقل: هو المطلب الثاني.
﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ [البقرة:٢٤٧] يعني: كيف يكون لهذا الصعلوك الملك علينا، وإنما الملك فينا يعرف في سبط يهودا، وليس طالوت من سبط يهودا، وهم أصحاب الملك في بني إسرائيل، ولا هو من سبط لاوي بن يعقوب وهم أهل نبوة، كما أنه كذلك لم يؤت سعة من المال فهو فقير، والملك يحتاج لغني ينفق من ماله على المملكة؟! فكيف أيها النبي تعين علينا رجلًا بغير مؤهلات؟ كيف تملك علينا رجلًا لم يتخرج من مملكة يهودا، ولا من سبط لاوي بن يعقوب؟! وهذا شبه ما يحصل الآن عندنا: كيف يتعين الدعاة ولم يتخرجوا من جامعة الأزهر، وليس معهم إجازة بحمل العلم الشرعي من الأزهر؟ كأن هذا تخصص لم يأذن الله ﷿ إلا به، وأما من تعلم العلم في غير الأزهر ولو كان من الأنبياء مشافهة، فإنه لا يصلح في هذا الزمان للدعوة إلى الله ﷿، ما لم يكن خريجًا من الأزهر! ما أشبه اليوم بالبارحة، وصرنا نقول الآن كلامًا قالته بنو إسرائيل من قبل: ﴿قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ﴾ [البقرة:٢٤٧].
يعني: هذا رجل فقير، ثم إنه يعمل سقاء بعد الفجر ودباغ بعد الظهر، أو بعد العصر، يعمل في مهن حقيرة، فكيف يكون ملكًا علينا؟ فرد عليهم نبيهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة:٢٤٧]، إذا كنتم حقًا وتؤمنون بالله ﷿ وتصدقون نبوتي، فأنا ما عينته من عندي، ول
13 / 3