Diiwaanka Mazini
ديوان المازني
Noocyada
بنات وطاء على خد الليل
لا يشتكين عنتا ما أنضين
وكقول الآخر:
جارية من ضبة بن أد
كأنها في درعها المنعط
وبعض هذه القوافي - كما تراها - قريبة مخارج الروي، وبعضها تتباعد مخارجه، ولكنهم كانوا على حالة من البداوة والفطرة لا تسمح لغير الشعر الغنائي بالظهور والانتشار، وكانوا لا يعانون مشقة في صوغ هذه الأشعار في قوالبهم، فلم يلجئوا إلى إطلاق القافية، ولا سيما في شعر يعتمد في تأثيره على رنته الموسيقية، وجاء العروضيون فعدوا ذلك عيبا، وسموه تارة بالإكفاء، وتارة بالإجازة أو الإجارة؛ لقلة ما وجدوا منه في شعر العرب، فلما انتقلت اللغة العربية إلى أقوام سلائقهم وحالهم أميل إلى ضروب الشعر الأخرى، اعتسروا القوافي على أداء أغراضهم، ولم تشعر آذانهم بهذا الذي عده العروضيون عيبا في القافية، فاحتملت لغتهم المحرفة وقوافيهم المتقاربة ما لم تحتمله أوزان الجاهلية وقوافيها.
على أن مراعاة القافية والنغمة الموسيقية - في غير الشعر المعروف عند الإفرنج بشعر الغناء - فضول وتقيد لا فائدة منه، ولا بد أن ينقسم الشعر إلى أقسام، يكون الشعر في بعضها أكثر من الموسيقى، ومن بقايا الموسيقى الأولى في الشعر هذه القيود اللفظية، وقد ذهب سبنسر في مقاله عن الرقي إلى أن الشعر والموسيقى والرقص، كانت كلها أصلا واحدا، ثم انشق كل منها فنا على حدته، ومن قوله في ذلك: «إن الروي في الكلام ، والروي في الصوت، والروي في الحركة، كانت في مبدئها أجزاء من شيء واحد، ثم انشعبت واستقلت بعد توالي الزمن، ولا تزال ثلاثتها مرتبطة عند بعض القبائل الوحشية؛ فالرقص عند المتوحشين يصحبه دائما غناء من نغم واحد، وتصفيق بالأيدي، وقرع على الطبول، فهناك حركات موزونة، وكلمات موزونة، وأنغام موزونة ... وفي الكتب العبرية أنهم كانوا يرتلون القصيدة التي نظمها موسى بعد قهر المصريين، وهم يرقصون على نقر الدفوف، وكان الإسرائيليون يرقصون ويتغنون بالشعر في وقت معا عند الاحتفال بالعجل الذهبي ...
على أن الشعر وإن لم ينفصل بعد عن الموسيقى، إلا أنهما قد انفصل كلاهما عن الرقص، فقد كانت قصائد الإغريق الدينية القديمة ترتل ولا تتلى تلاوة، وكان ترتيل الشاعر مقرونا برقص السامعين، فلما انقسم الشعر أخيرا إلى شعر غنائي، وشعر قصصي، وأصبحوا يتلون الشعر القصصي، ولا يرتلون إلا الشعر الغنائي، ولد الشعر المحض، وأصبح فنا مستقلا.»
ونحن لا نريد أن نفصل الشعر عن النغمة الموسيقية بتاتا، ولكنا نريد أن يكون نصيب الشعر المحض في غير شعر الغناء أكبر من نصيب النغم، وأن نبقي أثر دقة الرجل - ونعني به القافية - في الشعر الذي كانوا يدقون الأرض بأرجلهم عند إنشاده، أي شعر النزوات النفسية، والعواطف المهتاجة.
والآن وقد أتينا على طرف من رأينا في تأثير العصر على أنساق الشعر وأغراضه نرى من تمام الكلام أن نقول كلمة عن تأثيره في روح الشعر، ونفوس الشعراء فنقول:
Bog aan la aqoon