Diraasaad ku Saabsan Mad-hababka Suugaaneed iyo Bulsho
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Noocyada
الفصل الثامن
معراج الشعر
سألني محرر أدبي صديق عن رأيي في مقام شوقي وحافظ من شعراء العرب وشعراء العالم، وهل غير الزمن من رأيي في الشاعرين؟ وجواب هذا السؤال يرجع بي إلى أول رأي كتبته في شعر شوقي وحافظ قبل نيف وثلاثين سنة، وهو مثبت في كتيب صغير لي طبعته في سنة 1912، ودونت آراءه وملاحظاته قبل ذلك بسنوات، وأسميته «خلاصة اليومية».
كان من عاداتي - وأنا دون العشرين - أن أدون مذكراتي اليومية في «نوطة» صغيرة لا تفارقني، وكان كل هذه المذكرات يدور على الخواطر التي أفكر فيها، والموضوعات التي أنوي كتابتها أو مراجعتها، ومن ذاك ما كتبته عن تعريف الشاعر كما كنت أفهمه يومئذ، وذاك أن اسم الشاعر بلغتنا «يشير إلى تعريفه»، ولعل معجما من معاجم اللغات لا يتضمن اسما للشاعر أدل على مسماه من اسمه في اللغة العربية ... فقد عرفنا أن وزن الأعاريض غير قرض الشعر، ولكن من هو الشاعر؟ أهو المقصد الذي لا يعجز عن ترصيع قصائده بما يبهر ويخلب من الخواطر البراقة والمعاني الخطابية المتلألئة؟ كلا؛ هذا شاعر يذكرني بصاحب ذوق مبهرج يريد أن يزين غرفته بالرسوم فيرصص سجوفها وحوائطها بالإطارات والكفافات، حتى لا يبرز منها قرن أو تظهر فيها زاوية، أو بذاك المصور الذي يصبع رسمه ببهي النقوش وبهيج الألوان ليبهر بها أبصار الناظرين، أو بتلك القروية التي تحلي يديها فتدس عشر أصابعها في أنابيب من مختلف الخواتم والفصوص، فليس الشاعر من يزن التفاعيل؛ ذلك ناظم أو غير ناثر، وليس الشاعر بصاحب الكلام الفخم واللفظ الجزل؛ ذلك ليس بشاعر أكثر مما هو كاتب أو خطيب؛ وليس الشاعر من يأتي برائع المجازات وبعد التصورات؛ ذلك رجل ثاقب الذهن حديد الخيال، إنما الشاعر من يشعر ويشعر ...
ولقد ضاع الشعر العربي بين قوم صرفوه في تجنيس الألفاظ، وقوم صرفوه في تزويق المعاني، فما كان شعرا بالمعنى الحقيقي إلا في أيام الجاهليين والمخضرمين على ضيق دائرة المعاني عندهم، وسيعود كذلك في هذه الأيام على أيدي أفاضل شعراء العصر.
وقد فسرت معنى الشاعر بالشعور في لغتنا كما قلت؛ لأن بعض الباحثين يردون الكلمة إلى مادة الغناء في بعض اللغات السامية.
كذلك كان مقياس الشاعر في اعتقادي قبل نيف وثلاثين سنة، وبهذا المقياس كنت أقيس شوقيا وحافظا حين كتبت عنهما ما كتبته في «خلاصة اليومية»، فقلت عن حافظ: «يعجبني منه ذاك الجلال» وإن كنت أعتقد أن الجلال الظاهر لا يتطلب من شعرائه سموا في المشاعر أو أفضلية لها على شعراء الجمال، فعندي أن إدراك الجمال ينبغي له تهذيب في النفس ودقة في الذوق لا تكتسبان إلا مع العلم ومعاينة ثمرات الفنون؛ ذلك لي استقامة الفطرة وسلامة الطبع، وليس كذلك الجلال، فإنه لقوته الضاغطة على الحواس يضطر النفس إلى الشعور به قسرا ما دامت على استعداد له، ويندر أن تعرى نفس عن استعداد للشعور بالجلال ... وأما فيما عدا ذلك فشعر حافظ، كما قال فيه الدكتور شميل - ولم يرد أن يطريه - كالبنيان المرصوص متين لا تجد فيه متهدما: «فهو يعتمد في تعبيره على متانة التركيب وجودة الأسلوب أكثر من اعتماده على الابتداع أو الخيال.»
وكنت أعيب «رسميات» شوقي دائما أو تقليدياته؛ فكتبت أعقب على رثائه لبطرس غالي باشا بعد انقضاء سنة على وفاته، وفيه يقول:
القوم حولك يا ابن غالي خشع
يقضون حقا واجبا وذماما
Bog aan la aqoon