Diraasaad ku Saabsan Mad-hababka Suugaaneed iyo Bulsho
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Noocyada
وقد كان أثر الإسلام فيمن دانوا به معجزة لا نظير لها بين معجزات التاريخ.
إنه حفظ لهم قوة من قوى المقاومة لم تنهزم أمام الدول العاتية المستعدة لإخضاع من يقاومها بالمال والعلم والسلاح، وعجب الباحثون من أين جاءت أبناء الإسلام هذه القوة بعد ضياع المجد والسلطان؟! بل بعد ضياع العلم والثقافة والتجرد من كل سلاح أمام المستعمر المزود بكل سلاح؟!
ولم يشأ أولئك الباحثون أن يلتفتوا إلى مصدر تلك القوة - وهو منهم قريب - مصدرها العقيدة الإسلامية!
وسر الغلبة في العقيدة الإسلامية أنها انفردت بمزية لم تكن لدين آخر ولا لثقافة أخرى.
وتلك المزية هي أنها عقيدة شاملة تأخذ الإنسان كله ولا تقتطع منه جزءا تسميه جانب الروح أو جانب الآخرة، وتترك ما عداه من الجوانب للجسد أو للدنيا.
فهي عقيدة ونظرة إلى الدنيا ونظام معيشة وآداب وسلوك، وهي لهذا لا تدع للإنسان جزءا يسلمه للحاكم الأجنبي وجزءا يتجه به إلى الله ... وقد وجدت عبادات تسمح للمرأة أن تسلم جسدها لبعل على غير عقيدتها، وتسمح للمحكوم أن يسلم زمامه لسيد من غير قومه وغير ملته، وتسمح للمتدين بها أن يعيش في وطن لا معالم فيه لقواعد إيمانه؛ لأنه إيمان ينفصل عن الدنيا ويرتبط بالحياة الأخرى على غير طريقها، ولكن النفس الإسلامية لم تعرف قط هذه التجزئة في كيان الإنسان فردا أو جماعة، فهي لا تخضع للمتسلط عليها إلا وهي شاعرة بمذلة هذا الخضوع متربصة بمن يخضعها إلى حين.
ذلك هو سر القوة التي استفادها المسلمون من عقيدتهم، فحافظوا بها على وجودهم واستطاعوا بها حين آلت الحضارة إلى غيرهم أن يصمدوا لسيطرتها حتى تعود إليهم، وليس أقوى من عقيدة تصون للنفس وحدتها وتعصمها أن تتمزق بددا أو تتفرق شعاعا كلما زالت الدولة وتغيرت طوابع الزمن بين سعوده ونحوسه وإقباله وإدباره، وتلك هي عقيدة الإسلام.
ويزيد في هذه القوة أنها لا تقاوم الحضارة إذا جاءت من جانب غير جانبها، فهي موافقة لتقدم الحضارات وليست عائقا معترضا في سبيلها، وهي مالكة لأسباب التجديد كلما وجب التقدم من طور قديم إلى طور جديد، وكأنها - وقد وحدت نفس الإنسان - قد وحدت تاريخ الإنسان، فلا انقطاع فيه بين ماضيه وآتيه إلى آخر الزمان، ولا داعية للتخلف عن ركب الحضارة في عهد من العهود كائنا من كان رائدها على تعاقب الأجيال، وإذا آمن المسلم بطلب العلم «ولو في الصين» فإنما يؤمن بطلبه وإن تمادى به البعد في الزمن المقبل، ولا يقصر البعد على موقعه حيث كان.
ولسنا نعمد إلى نكتة من نكت الجناس حين نقول: إن التوحيد في الإسلام هو مصدر قوته بجميع معانيه: «توحيد الإله»، وتوحيد النفس الإنسانية، وتوحيد العالمين عالم الأرواح وعالم الأجساد.
إنها حقيقة الحضارة الإسلامية، أو العقيدة الإسلامية مصدر تلك الحضارة، وليست جناسا في اللفظ تستدعيه كلمة التوحيد.
Bog aan la aqoon