Diraasaad ku Saabsan Mad-hababka Suugaaneed iyo Bulsho
دراسات في المذاهب الأدبية والاجتماعية
Noocyada
فإن الدعوات العالمية خليقة أن تجور على كيان القومية، وأن تؤول بها إلى فناء كفناء المغلوب في الغالب.
وإن شيوع الثقافة خليق أن يمسخها ويشوه معالمها؛ لأنه قد يضحي بالعمق والنفاسة في سبيل الضحالة والإسفاف.
وقد أخذت الدعوات العالمية تتستر وراء اسم الأدب الهادف لتتجه بالكتابة نظما ونثرا وقصة ودراسة إلى وجهة الدعاية المذهبية التي يروجها أعداء القومية والوطنية، وأعداء الثقافة الخالدة من كل تراث مأثور.
وأخذت هذه الدعوات وغيرها من دعوات الكسب والتجارة في التستر وراء اسم «الشعبية» لتسويغ الإسفاف السهل على الأدعياء، أو تسويغ القضاء على الشعب بالجهل الأبدي الذي يقصر مطالعاته على موضوعات لا تعلو بالقارئ عن طاقة «الأمية» وما يشبه الأمية من سقط المتاع.
وأخذت الدعوة إلى هدم قواعد الفنون تظهر حينا من جانب العاجزين عن التعبير الفني بقواعده الأصيلة، وحينا آخر من جانب المتواطئين على الهدم والمتعللين له كل يوم من وراء الستار بعلة جديدة.
وأخذت الشعوبية تحارب العروبة بمختلف الأسلحة أو مختلف الحيل والأحابيل.
ولكن حيوية اللغة - ومعها حيوية التاريخ العريق - هما الحارس القوي الأمين الذي تقاصرت عنه تلك الحيل وتلك الجهود، فبقيت النهضة على حصانتها المنيعة بين العاملين على هدمها وتعويقها عامدين لرغبتهم في الهدم أو غير عامدين لعجزهم عن النهوض بمطالب الفن الصحيح.
وحق لنا أن نقول: إن نهضة الأدب العربي في العصر الحديث قد أصبحت كما ينبغي عالميا في الصميم؛ لأن العالمية في صورتها الصحيحة هي وحدة إنسانية تقوم على التضامن بين الأمم، ولا تقوم على هدم هذه الأمة أو تلك في بلادها، وبناء العالم - المهدوم - من الأخلاط والفوضى التي لا تعرف القومية ولا تعرف الإنسانية على السواء.
وقد صارت النهضة بالأدب العربي إلى السعة العالمية بهذا المعنى الذي لا اختلاف عليه بين طلاب الثقافة الإنسانية، وإنما يكون الأدب عالميا إذا اتسع لكل موضوع من الموضوعات الإنسانية المشتركة كما يحسها أبناء كل أمة في الزمن الذي يعيشون فيه، وليس بالشرط اللازم في الأدب العالمي أن يكتب باللغة التي يستطيع أن يقرأها أبناء العالم أجمعين، فإن اللغة الصينية يتكلمها خمسمائة مليون ولا يقال عن آدابها الحاضرة أنها أجدر بوصف العالمية من آداب الأمة السويدية أو البلجيكية أو التشيكية، وإنما تكون عالمية بمقدار نصيبها من موضوعات الأدب التي تشترك فيها أمم الحضارة في العصر الحديث، وبخاصة تلك الموضوعات «التعبيرية» التي تصاحب الأمم الحية في كل زمن ولا تتوقف على نصيبها من المزايا العرضية بين حين وحين، فربما كثر عدد الفلاسفة والرياضيين في زمن من الأزمنة وقل في زمن آخر، والأمة هي الأمة في علاقاتها العالمية وتعبيراتها عما تكنه من الشعور، ولكن المعبرين عن ذلك الشعور من الشعراء والأدباء والفنانين يقلون، وتكون قلتهم دليلا على نقص الحيوية، ويكثرون وتكون كثرتهم دليلا على قوتها واندفاعها إلى إثبات وجودها والتعبير عن بواطنها.
ومن الأدلة على الصبغة العالمية في أدبنا الحديث أنه يمثل العوارض العالمية في نواحيها المتعددة بما يصيبها من نشاط وفتور أو من محافظة وتجديد، فكل ما هو شائع رائج من الفنون بين أمم الحضارة له مثل هذا النصيب من الشيوع والرواج بين المتكلمين بالعربية، وكل ما يقال عنه: إنه شيء في غير أوانه يعاد فيه هذا القول بيننا مع اختلاف العبارة كما ينبغي أن تعترف بين قوم وقوم يخالفونهم باللغة والتاريخ.
Bog aan la aqoon