Diraasooyin Falsafadeed: Falsafadda Reer Galbeedka Casriga ah iyo Casrigan
دراسات فلسفية (الجزء الثاني): في الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة
Noocyada
6 (6)
هل نحن جيل العلم، يعيش عصر العلم، ويقوم بدور العلم؟ كانت الدعوة إلى العلم مثل الدعوة إلى العقل والتنوير قاسما مشتركا بين الاتجاهات الرئيسية الثلاثة في حياتنا المعاصرة. وكان العلم هو العلم الطبيعي الذي قدم إنجازات رائعة في الغرب في اكتشافه قوانين الطبيعة والسيطرة عليها والتنبؤ بحوادثها. كان العلم في الإصلاح الديني نسقا للعقل، وتصورا للطبيعة، وتحكما في قوانينها وتسخيرها لصالح الإنسان. وكان في التيار العلماني العلم الطبيعي المادي خاصة علوم الحياة ونظرية النشوء والارتقاء. وكان في الفكر الوطني القومي العلم الاجتماعي الذي يدرس الحياة الاجتماعية والسياسية. ومنذ أكثر من أربعة أجيال، منذ رؤية علماء الأزهر للتجارب العلمية التي أجراها علماء الثورة الفرنسية في حملة نابليون على مصر، والدعوة ما زالت قائمة، ولم تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات علمية، ولم يحدث لدينا أي تصور علمي للعالم باستثناء لحظات فريدة في تاريخنا مثل حرب أكتوبر، ودفعا لعار الهزيمة. وما زالت الدعوة مجتثة الجذور لا صلة لها بتصور العلم في تراثنا القديم وتعبيره عن التوحيد كشرط لحصول تصور علمي للطبيعة. هي دعوة مقلدة للغرب بعد انتصارات العلم الطبيعي في القرن الماضي ودون معرفة بأزمة العلم في هذا القرن. كما أنها تخلط بين العلم كقانون طبيعي أو كاكتشاف علمي وبين التصور العلمي للعالم واستعماله المنهج العلمي، فقد يحدث تطبيق لمنجزات العلم في مجتمع تسوده الخرافة ولا يتحول المجتمع بذلك من مجتمع خرافي إلى مجتمع علمي. بل إنه قد ينظر إلى العلم على أنه خرافة أو سحر قادر على فعل المعجزات. والعلم لا ينشأ في فراغ بل هو حركة نضال طويل محفوف بالمخاطر ضد السلطة؛ سلطة رجال الدين وسلطة العقائد الموروثة بل والسلطة السياسية في نظم التسلط والطغيان. وغالبا ما يقوم بهذه الدعوة العلمانيون المسيحيون حيث يصعب عليهم الدعوة إلى الإصلاح الديني، ويسهل عليهم الاقتباس من الغرب المسيحي الذي ينتمون إليه بالولاء، مما جعل الدعوة محدودة الأثر، تصطدم بتراث الأمة، وتهددها بنزع هويتها واستلابها لصالح الغرب. ومع ذلك لم تستمر هذه الدعوة طويلا. فسرعان ما اقترن بها الإيمان في جيلنا؛ وبالتالي الوقوع في ازدواجية المعرفة: «العلم والإيمان». والإيمان أصيل والعلم أجنبي مما يجعل الدعوة إلى الأصالة تشجب العلم وتنفر منه. فقل الجانب العلمي في حياتنا، وازداد الجانب الإيماني. وتصورنا العلم مفتاحا سحريا نهزم به الأعداء، ونعمر به الصحراء، ونحل به المشاكل المستعصية. وأصبح غياب العلم شماعة نعلق عليها جميع الأخطاء. ثم تحول العلم إلى أسطورة خاصة بإنجازاته في التكنولوجيا الحديثة في مجتمع لم يتم فيه بعد القضاء على الأساطير حتى أصبح شعار «العلم والتكنولوجيا» أضحوكة يتندر بها الناس. إن مهمة جيلنا هو الإعداد للعلم والتمهيد له وذلك بإحكام عمل العقل وتوجيهه نحو الطبيعة واكتشاف الصلة الضرورية بين العلة والمعلول، وتصوير عالم يحكمه القانون.
7 (7)
هل نحن جيل التصنيع، نعيش عصر الصناعة، ومهمتنا تحويل مجتمعاتنا الزراعية إلى مجتمعات صناعية؟ فقد اقترنت دعوة العلم بدعوة أخرى للتصنيع أي لمنجزات العلم وآثاره. فالتصنيع هو القادر على تحديث المجتمعات والانتقال بها من عقلية الريف إلى عقلية الحضر، من حضارة الزراعة إلى حضارة الصناعة؛ وبالتالي ترك القدرية إلى الفعل الحر، والسكون إلى الحركة، والخلود إلى الزمان. فالمجتمع الصناعي يفرض قيمه، ويفرز ثقافته، وإن كل دعوات الإحياء والإصلاح والنهضة والعقل والتنوير والعلم لهي دعوات مثالية فوقية لا تحدث أي أثر في الواقع. وإن كان لهذه الدعوة ما يبررها حتى يتحول المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي لزيادة الدخل القومي واكتساب عادات جديدة إلا أنها محددة الأفق تقوم على تقليد الغرب الصناعي، وما حدث في المجتمع الغربي في القرن الماضي. كما أنها تقوم على افتراض خاطئ في علم الاجتماع الغربي وهو أن قيم الريف أقل شأنا وتطورا من قيم الحضر، وأن التطور الطبيعي للمجتمعات ومسار تقدمها هو الانتقال من الأولى للثانية. فالقيم الزراعية لا تعبر بالضرورة عن التخلف. وهناك مجتمعات زراعية متقدمة مثل المجتمعات الصينية والمصرية القديمة ونهضة فيتنام والصين الحالية، وثورات الفلاحين في أمريكا اللاتينية. كما أن القيم الصناعية لا تعني التقدم بالضرورة. فبالإضافة إلى قيم الزمان والوقت والإيقاع والضبط والدقة والعمل والإنتاج والوفرة هناك أيضا قيم الآلة وضياع الإنسان وفقدان الترابط الاجتماعي والاستهلاك والاستغلال والاحتكار وكل مظاهر الفساد والرشوة والتهرب من الضرائب والمنافسة والقتل والاغتيال. كما أن تحول المجتمع من نمط الإنتاج الزراعي إلى نمط الإنتاج الصناعي لا يؤدي بالضرورة إلى تغير في نسق القيم، فقد يتم التصنيع بعقلية الزراعة، وقد تقام الزراعة بعقلية الصناعة. ومع ذلك وبعد محاولة التصنيع الأخيرة لمجتمعاتنا ضاعت منجزاتها ولم تستمر مكاسبها؛ فقد أخذ العمال حقوقهم دون نضال كاف، كهبة من الدولة، ودون وعي عمالي، ودون تصور للعمل الدقيق. كما تمت إدارة المصانع بالعقلية البيروقراطية وليس بعقلية التصنيع والاكتفاء الذاتي وسرعة المبادرة. وأحيانا يسوء الإنتاج نظرا لغياب قيم الصناعة مثل الدقة والضبط. إذ قامت الصناعة على القيم التقليدية والعادات الموروثة مثل الإهمال والتكاسل والتهرب والاحتيال والنهب والسلب وحرق المخازن وسرقة المواد الخام. ولما كان التصنيع قرارا من السلطة السياسية وليس تطورا طبيعيا للمجتمع سرعان ما ضاعت الصناعات الوطنية أو توقفت، عاد الاستيراد من المنتجات الأجنبية فتوقف التصنيع. إن جيلنا هو الجيل الممهد للصناعة الوطنية وذلك بتنمية روح الانتماء للوطن، وببث التصور العلمي للعالم، وبالوعي بالطبيعة والأرض والاستثمار، وبالعمل المنتج. فلا صناعة بدون شروطها في الوعي القومي.
8 (8)
هل نحن جيل التغير الاجتماعي، نعيش عصر التغيير الاجتماعي؛ وبالتالي يكون دورنا هو المساهمة في صياغة عمليات التغير وتحقيقها؟ وهي آخر الدعوات التي قام بها جيلنا والتي قام بتحقيقها بالفعل والمساهمة فيها. وقد سادت حياتنا في الثلث قرن الأخير لإحداث تغيرات هيكلية في مجتمعاتنا، وبث أفكار جديدة تعبر عن واقعنا وتحقق مصالح غالبية الأمة؛ لذلك يعتبر البعض منا نفسه جيل التحولات الاجتماعية وأحيانا جيل الثورة. ففي هذا الجيل تم القضاء على الملكية والاستعمار والفساد، كما تم تحقيق الاستقلال الوطني للبلاد ومناصرة جميع قضايا التحرر العربي والإفريقي والعالمي. وصدرت قوانين الإصلاح الزراعي والتأميم لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية ووضع حد لنهاية الإقطاع ورأس المال، وتذويب الفوارق بين الطبقات. كما بعثت الروح القومية وتمت أول محاولات الوحدة العربية، وأنشئت حركات عدم الانحياز، وتم اكتشاف الدوائر الحضارية الجديدة للشعوب المستقلة مثل باندونج. كما تم تصنيع البلاد، وتحولت من الإنتاج الزراعي إلى الإنتاج الصناعي. وتأسس القطاع العام، وسيطر الشعب على وسائل الإنتاج. ومع ذلك فقد كانت المخاسر كبيرة. فقد حدثت تغيرات هيكلية في بناء المجتمعات دون أن توازيها تغيرات جوهرية في الأبنية الفوقية، أي المقولات والتصورات والمفاهيم والأبنية النفسية وأنساق القيم. فسرعان ما حدثت الانتكاسات والردة بغيات القيادة السياسية الثورية، وسيادة المفاهيم التقليدية التي تضرب بجذورها في التاريخ. ولقد تم استعمال هذه المحافظة التقليدية لتدعيم النظام الجديد وإيقاف التحولات الاجتماعية والهجوم على المعارضة السياسية التي تبغي مزيدا من التقدم ومزيدا من التأصيل. كان الفكر الحامل لهذه التغيرات الاجتماعية شعارات سطحية خطابية مجتثة الجذور عن ثقافة الشعب، وبينها وبين الواقع مسافة شاسعة جعلتها صعبة التصديق. كما غابت حرية الرأي والمعارضة، واصطدمت الشعارات الجديدة بالتيارات الأصيلة الدينية والعلمانية في المجتمع. وتشخصت الزعامة، وغابت المؤسسات، وتهرأت التنظيمات الشعبية. صحيح أن بعض الأفراد كان على مستوى الثورية ولكن الكوادر ونظم الدولة كانت محافظة مما أدى إلى نهاية التجربة بنهاية الأفراد. بل إن هذه المكتسبات الأولى قد ضاعت، فضاع الاستقلال الوطني للبلاد، ووقعت في التبعية، وتحالفت مع القوى الاستعمارية، وقام الحكام بدور الملوك والأباطرة الجدد، واستشرى الفساد في الحزب الحاكم دون معارضة أو نقد، وزادت الفروق بين الطبقات، واحتجبت مصر عن الوطن العربي، وتقطعت أوصاله، وانتهى التصنيع، وبدأ الاستيراد. كان يمكن لجيلنا أن يكون جيل التحولات الاجتماعية لولا عزلته وعدم مشاركته وحسرته وألمه وأحزانه وضياعه وبكاؤه على الماضي وضياع حريته.
9 (9)
هل نحن جيل الثورة الشاملة، نعيش عصر الثورة، ومهمتنا ممارسة الثورة نظرا وعملا، فكرا وتنظيما؟ لا تعني الثورة هنا مجرد تغيير الهياكل الاجتماعية والأنظمة السياسية علنا أو سرا. فقد تم ذلك في الدعوة السابقة دون أن تحدث ثورة، ولكن هذه الدعوة تعني الثورة الشاملة التي تضم إنجازات الإحياء والإصلاح والنهضة والعقلانية والتنوير والعلم والتصنيع والتغير الاجتماعي. تبدأ بتنوير المفاهيم والتصورات والقوالب الذهنية والأبنية النفسية، أي إحداث ثورة في الأذهان وفي العقول وفي النفوس وفي المشاعر، ثورة في الحياة اليومية وفي أساليب السلوك. فالثورة ليست منجزاتها بل مقدماتها، وليست نتائجها بل شروطها. ليست الثورة الفرنسية هي اقتحام الجماهير سجن الباستيل في 14 يوليو 1789م، بل إعداد الوعي القومي لذلك بفضل جهود مفكري الثورة الفرنسية وفلاسفة التنوير في القرن الثامن عشر. فلا شيء يتغير في الواقع ما لم يتغير في الوعي أولا. لا شأن لهذه الثورة الشاملة بتغيير النظم السياسية القائمة. ولا تقوم على استعمال العنف بل تعتمد على إعمال العقل، وتحليل الواقع، والتعبير عن الرأي، ومقارنة الحجة بالحجة، ومقابلة البرهان بالبرهان. وهو الطريق الذي سلكه الأنبياء في محاجة أقوامهم. فالثورة الشاملة هي ثورة الأنبياء، يقوم بها علماء الأمة، فالعلماء ورثة الأنبياء. وتمتاز هذه الثورة بأنها الأبقى والأدوم، والأرسخ والأعمق، والآمن والأسلم دون ردة أو نكوص، ودون تغيرات على السطح، ودون مخاطر ومخاسر. يستمر فيها تاريخ البلاد، وترث حركات التجديد، وتتسم بالأصالة، وتربط الماضي بالحاضر فلا يحدث انقطاع أو تغريب. تبدأ بالجذور، في الأذهان قبل الأعيان. فالوقائع هي تصورات متحققة، والتصورات وقائع ممكنة. تجري حوارا شاملا بين كل الآراء والاتجاهات، وتحقق الوحدة الوطنية دون أن تكفر أو أن تخون أحدا. لا شأن لها بتنظيم الحكم ولا تقوم إلا على النصيحة والرأي، والتعبير الصادق عنه، ودون عنف، ودون استعمال للقوة. ليست موجهة ضد أحد بل تهدف إلى دفع حركة التاريخ إلى الأمام. فقد أثرت أفكار دون سلطة ولم تؤثر سلطة دون أفكار. ترعى مصالح الأمة، وتحقق مطالب الأغلبية الصامتة. تهدف إلى التغيير والإصلاح وتحقيق التقدم وتنحو إلى ما هو أفضل على طريق النبوة وبهدى الوحي. ولا يعاب عليها أنها مثالية، تبدأ بالفكر، فهذه المثالية لدى شعوبنا هي الواقعية، وحصيلة التجارب الطويلة لأجيالنا المتلاحقة. لا تنقل مراحل الغرب بل تشخص مهام أجيالنا. وتحدد مهمة جيلنا بتحليل مباشر للواقع وبوصف لمكاسب الأجيال ومخاسرها. ليست تصورا آليا للتطور لأنه يمكن القيام بهذه المهام كلها في آن واحد مع تغلب مرحلة على مرحلة طبقا لروح العصر. ولا خوف من هز العادات والتقاليد في النفوس، فالهدف هو رعاية مصالح الأمة، والأبنية الفوقية ذاتها إنما هي تراكم طويل لخبرات السنين يؤولها كل جيل من أجل تحقيق هذه المصالح. تلك مهمة جيلنا التي يمكن من خلالها القضاء على الحيرة في الحاضر حتى يمكن كشفه والإعداد للمستقبل.
10
خامسا: حساب الماضي، وأزمة الحاضر،
Bog aan la aqoon