164

Diraasaad ka ku Saabsan Muqaddimah Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Noocyada

يعود ابن خلدون إلى هذه المسألة في فصل آخر، هو الفصل الذي يتكلم فيه عن «وفور العمران في آخر الدولة، وما يقع فيها من كثرة الموتان والمجاعات» (ص301). إذ يقول في هذا الفصل: «إن الدولة في أول أمرها لا بد لها من الرفق في ملكتها، والاعتدال في أيالتها.» «وإذا كانت الملكة رفيقة محسنة؛ انبسطت آمال الرعايا، وانتشطوا للعمران وأسبابه؛ فتوفر ويكثر التناسل» (ص301).

وأما في أواخر الدول فتكثر المجاعات والموتان، تكثر المجاعات «لقبض الناس أيديهم عن الفلح في الأكثر؛ بسبب ما يقع في آخر الدولة من العدوان في الأموال والجبايات، أو الفتن الواقعة في انتقاض الرعايا، وكثرة الخوارج لهرم الدولة.»

كما يكثر الموتان لأسباب عديدة من جملتها؛ «كثرة المجاعات أو كثرة الفتن لاختلال الدولة»، و«كثرة الهرج والقتل»، أو «وقوع الوباء» (ص302). •••

بعد هذه التفاصيل والمقارنات، أنا لا أتردد في القول بأنه لا بد لكل باحث منصف أن ينحني احتراما وإجلالا لعبقرية ابن خلدون الذي سما على عبقرية مونتسكيو في هذه المسائل والأبحاث، على الرغم من قدم العصر الذي عاش فيه، وعلى الرغم من انحطاط البيئة التي نشأ فيها. (3) التاريخ والطبيعة (1)

يعزو مونتسكيو أهمية كبرى إلى تأثير الطبيعة والإقليم في سجايا الأمم ووقائع التاريخ، ويخصص نحو ثمانين فصلا من فصول روح القوانين لشرح هذه التأثيرات.

إنه يستهل أبحاثه في هذا المضمار بتقرير المبدأ التالي: «إن أوصاف العقل وانفعالات القلب تختلف كثيرا باختلاف الأقاليم، فمن الطبيعي أن تختلف القوانين أيضا باختلاف الأقاليم.»

وبعد ذلك يأخذ في شرح آرائه في هذا الصدد بتفصيل وإسهاب، ونحن نستطيع أن نلخص هذه الآراء - من حيث الأساس - بما يلي: (أ)

إن شدة الحرارة تقلل القوة وتزيل النشاط؛ ولذلك تصل قوة الإنسان إلى أقصى درجاتها في البلاد الباردة، وتنزل إلى أدنى دركاتها في البلاد الحارة. (ب)

إن التأثير الذي يحصل بهذه الصورة يسري إلى القوى المعنوية والفكرية أيضا؛ ولهذا السبب يكون سكان البلاد الباردة أكثر ثقة بأنفسهم، وأشد شعورا بتفوقهم بالنسبة إلى سكنة البلاد الحارة، وهذا يجعلهم أكثر نشاطا منهم وأكبر شجاعة، كما يجعلهم أقل ميلا للاحتيال، وأقل رغبة في الانتقام. (ج)

إذا وضعنا رجلا في محل حار محصور، رأينا أنه يشعر بهبوط في قوة قلبه، وذلك قد يوصله إلى حالة قريبة من الإغماء، وفي هذه الحالة إذا طلب منه عمل لا يشعر بقابلية للقيام به؛ ولذلك نجد دائما «أن سكان البلاد الحارة يكونون جبناء مثل الشيوخ، في حين أن سكان البلاد الباردة يكونون شجعان مثل الشبان.» (د)

Bog aan la aqoon