144

Diraasaad ka ku Saabsan Muqaddimah Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Noocyada

وأما تاريخ القرون الوسطى فهو أيضا يؤيد - على زعم فيكو - نظرياته هذه؛ ففي أوائل القرون الوسطى عاد الإنسان إلى بربرية جديدة شبيهة بالبربرية الأولى، كما أنه اجتاز دورا إلهيا جديدا، هو الدور الذي تولى فيه الملوك الرتب الدينية، ووقفوا ذواتهم الملكية إلى خدمة الله. وقد أعقب هذا الدور الإلهي الثاني دور بطولي جديد، عندما نشأت الفروسية ونشبت الحروب الصليبية، وأما دور الحضارة الثانية الذي كان مستمرا في عهد فيكو، فلم يبدأ إلا بعد انقضاء الدور البطولي الآنف الذكر.

4 (1)

إن الآراء والنظريات التي لخصناها آنفا تدل دلالة واضحة على أن فيكو لم يتبع في أبحاثه طريقة استقراء الحادثات، ولم يتقيد في تفكيره بقيود الواقعات.

إن ذلك نتيجة طبيعية للخطة التي وضعها، والطريقة التي قررها، والنظرية التي قال بها في شأن طبيعة الحوادث الاجتماعية.

من الحقائق الثابتة التي لا مجال للشك فيها - على زعم فيكو - «أن العالم الاجتماعي من صنع الإنسان»، فمن الممكن، بل من الضروري البحث في أصول التطورات التي تحدث في عالم الاجتماع، بالنظر إلى ما يحدث في النفس البشرية، «فيجب أن نعجب كل العجب، من الفلاسفة الذين يحاولون بكل جد أن يعرفوا عالم الطبيعة، ثم هم يهملون التأمل في عالم الاجتماع، إنهم يحاولون أن يعرفوا عالم الطبيعة، مع أنه من صنع الله، ومع أن الله خص علم ذلك العالم بنفسه الصمدانية، ويهملون التأمل في عالم الاجتماع مع أنه في استطاعة الإنسان أن يعرف هذا العالم؛ لأنه من صنعه» (ص67).

ولهذا نجد أن فيكو يبحث في أصول العلم الجديد من غير أن يتقيد بكتب التاريخ، حتى إنه يقرر - أوليات التاريخ في مصر والشرق - «استنادا إلى حكم العقل وحده، من غير أن يرجع إلى الأخبار الواردة في هذا الشأن» (ص273).

وذلك لأنه يعتقد أن «من يتأمل في العلم الجديد، يكون قد خلق موضوع بحثه بنفسه، فيستطيع أن يعرف حقيقة ذلك الموضوع بصورة مضبوطة تماما.»

إن «العلم الجديد» ينحو نحو الهندسة من جميع الوجوه؛ من المعلوم أن المفكر الرياضي - في أبحاثه الهندسية - يتصور عالم الأبعاد والأشكال، ويتأمل فيه في الوقت نفسه، وبتعبير آخر إنه يخلق ذلك العالم، ويبحث فيه في وقت واحد. إن عمل المفكر في العلم الجديد لا يختلف عن ذلك أبدا.

ولهذا السبب يخصص فيكو فصلا كبيرا من فصول كتابه الأول لسرد «الحقائق الأولية والبديهية» التي يستند إليها «العلم الجديد»، أسوة بما يفعله الرياضيون في كتب الهندسة. (2)

إن عدد الحقائق الأولية التي يذكرها فيكو - ويطلب التسليم بها مقدما - تبلغ أربع عشرة ومائة.

Bog aan la aqoon