142

Diraasaad ka ku Saabsan Muqaddimah Ibn Khaldun

دراسات عن مقدمة ابن خلدون

Noocyada

غير أن هذه التطورات لم تشمل جميع أبناء البشر في وقت واحد، عندما كان بعض العمالقة - وهم الذين كانوا على الجبال - يلجئون إلى المغارات، ويتطورون التطورات التي شرحناها آنفا، بقي القسم الآخر منهم - وهم الذين كانوا يهيمون في السهول - على ما كانوا عليه من التشرد مدة أخرى.

ولكن هذا القسم من أبناء البشر عندما شاهدوا النتائج التي حصل عليها أفراد القسم الأول، أخذوا يلتجئون إليهم، ويعرضون خدماتهم عليهم؛ فصاروا ينضمون إلى جماعة العائلة بصفة خدام وموال. فتوسع بذلك نطاق العائلات، وأصبحت كل واحدة منها مؤلفة من الأب والأم والأولاد، مع عدد من الخدم والموالي الملتجئين إليها.

إن هؤلاء الخدام الملتجئين صاروا يشتركون في زراعة الأرض من غير أن يمتلكوها، ويخضعون لسلطة الأب المطلقة، مثل أفراد العائلة الأصلية. وبذلك توسعت سلطة الآباء، وأخذت تشمل جماعة من الناس ، علاوة على الأم والأولاد، فأصبح الآباء بمثابة رؤساء بكل معنى الكلمة؛ ولذلك سموا باسم الأبساء.

1 (6)

إن نظرية «توسع العائلة» على هذا الوجه بانضمام الخدم الملتجئين إليها لمن الأمور التي يهتم بها فيكو اهتماما خاصا، إنه يعتبرها من أهم الحقائق التي اهتدى إليها في علمه الجديد، ويحاول أن يستنتج منها سلسلة طويلة من النتائج والوقائع الهامة.

إن هؤلاء اللاجئين قاموا بالخدمة المطلوبة منهم - في بادئ الأمر - عن طيبة خاطر؛ لما وجدوا في هذه الحياة الجديدة من الراحة والطمأنينة بالنسبة إلى حالتهم السابقة، ولما اعتقدوا بأن الأبساء لم يكونوا من طينة اعتيادية.

غير أنهم بعد ذلك بدءوا يتذمرون من وضعهم، وأخذوا يحاولون العصيان على أسيادهم؛ عندئذ اضطر الأبساء إلى الاتفاق فيما بينهم ليتمكنوا من مقاومة مطاليب الخدم، وتكونت بذلك «الجماعات السياسية» التي تتألف من عدة عائلات؛ ألف الأبساء فيها طبقة النبلاء، وألف الخدم طبقة العوام. فتحددت عندئذ سلطة كل أبيس من الأبساء بسلطة مجلس النبلاء، وتأسس «الحكم الأرستقراطي» على هذا المنوال.

ولكن هذا التدبير - تدبير اتفاق الأبساء فيما بينهم - أصبح غير كاف لكبح جماح الخدم بمرور الزمن؛ إذ إن هؤلاء الخدم أيضا اتفقوا فيما بينهم، وأخذوا يتقدمون ببعض المطاليب، ويضطرون النبلاء إلى إجابة طلباتهم من حين إلى حين. وفي الأخير حينما قوي ساعدهم شاركوا النبلاء في الحكم، فتأسس بذلك «الحكم الديمقراطي».

إن اشتراك الخدم والعوام في الحكم - على هذا المنوال - أدى إلى تفشي الفوضى بعد مدة من الزمن، عندئذ ظهر رجل قوي شديد البأس، وقبض على زمام الأمور، وأعلن نفسه ملكا، وصار يسود على العوام والنبلاء على حد سواء، فتأسس بذلك «الحكم الفردي»، أو «الحكم الملكي». (7)

يسرد فيكو ويشرح هذه الآراء والنظريات المختلفة في عدة محلات من كتابه، بتعبيرات وأساليب متنوعة، ويقدم لبعضها أمثلة وأدلة مختلفة، كلها مستقاة من أساطير اليونان ومن تاريخ اليونان والرومان.

Bog aan la aqoon