Diraasaad ka ku Saabsan Muqaddimah Ibn Khaldun
دراسات عن مقدمة ابن خلدون
Noocyada
غير أنني أجد في الطبعة المصرية أمرا أهم من كل ذلك، من حيث الدلالة على تاريخ كتابة أبحاث المقدمة المختلفة:
لقد كتب الهوريني في ذيل كلمة الإتحاف تعليقا يقع في ثمانية عشر سطرا (ص7-8)، قال فيه: «وجد في نسخة بخط بعض فضلاء المغاربة زيادة قبل قوله: «أتحفت»، وبعد قوله: «أدرت سياجه»»، ثم نقل نص هذه الزيادة التي تدل على إتحاف النسخة إلى خزانة «الخليفة أمير المؤمنين المتوكل على رب العالمين، أبو العباس أحمد، من سلالة أبي الحفص والفاروق »، وفي الأخير ختم التعليق المذكور بقوله: «إلا أنه لم يقيد الإمامة بالفارسية»، لكن النسخة المذكورة مختصرة عن هذه النسخة المنقولة من خزانة الكتب الفاسية، ولم يقل فيها: «ثم كانت الرحلة إلى المشرق.»
إنني أعتقد أن النسخة التونسية التي أشار إليها الهوريني في تعليقه هذا بصورة عرضية، ذات أهمية خاصة بالنسبة إلى تاريخ المقدمة؛ لأن كل شيء يدل على أنها أقدم النسخ المعلومة على الإطلاق.
إن الشيخ نصر الهوريني لم يقدر أهمية هذه النسخة؛ لأنه لم ينتبه إلى اختلاف التواريخ التي تدل عليها كلمات الإتحاف، كما أنه لم يلاحظ المعنى الذي ينطوي عليه وجود أو عدم وجود فقرة «ثم كانت الرحلة إلى المشرق»؛ ولهذا السبب ظن أن النسخة المذكورة مختصرة عن النسخة الفارسية، فأهملها إهمالا كليا.
غير أن ملاحظة تواريخ سلطنة هذين الملكين تكفي للبرهنة على أن النسخة التونسية أقدم من النسخة الفاسية نحو أربعة عشر عاما، كما أن عدم وجود فقرة «كانت الرحلة إلى المشرق» في النسخة المذكورة يؤيد دلالة الإتحاف، ويبرهن على أن أصل النسخة المذكورة كان كتب قبل هجرة ابن خلدون إلى مصر.
هذا وإذا راجعنا التعريف الذي كتبه ابن خلدون عن سيرة حياته علمنا منه بأنه كان قدم أول نسخة من كتاب العبر إلى السلطان «أبو العباس الحفصي» سنة 784 / 1382، فاستطعنا أن نجزم - بناء على ذلك - بأن أصل النسخة التي تحمل كلمة الإتحاف الآنف الذكر كتب في التاريخ المذكور.
فالزعم الذي ذهب إليه الهوريني من أن النسخة التونسية مختصرة عن النسخة الفاسية، يكون بمثابة قلب الأمور رأسا على عقب؛ لأن الحقائق التي سردناها آنفا تدل دلالة قطعية على أن الأمر على العكس من ذلك تماما، فيجب أن يقال إن النسخة الفاسية موسعة عن النسخة التونسية، لا أن يزعم بأن النسخة التونسية مختصرة عن النسخة الفاسية.
ولهذه الأسباب إني أعزو إلى النسخة التونسية التي تشير إليها الطبعة المصرية أهمية كبيرة جدا؛ لأننا نستطيع أن نحصل بواسطة هذه النسخة على فكرة تامة وواضحة عن الطور الذي كانت وصلت إليه المقدمة ، قبيل هجرة ابن خلدون إلى مصر، كما أننا نستطيع أن نطلع على التعديلات والتوسيعات التي أدخلها المؤلف على المقدمة بعد هجرته إلى مصر خلال أربعة عشر عاما، عن طريق مقارنة النسخة المذكورة بالنسخة المطبوعة والمتداولة. فلا أرى مجالا للشك في أن هذه المقارنة إذا ما تمت بانتباه واهتمام تساعدنا على حل القسم الأعظم من المسائل التي سردناها آنفا، وتفتح أمامنا مجالا واسعا لتعيين التطورات التي حدثت في أسلوب ابن خلدون وعقليته، ولتبرير التغيرات التي حدثت في معلوماته ونزعاته خلال هذه المدة، تحت تأثير حياته الجديدة وبيئته الجديدة.
غير أني أتأسف كل الأسف على أنني لم أكن الآن في وضع يمكنني من الحصول على النسخة المذكورة، أو الوصول إليها؛ لأتولى درسها ومقارنتها بنفسي.
ولذلك أراني مضطرا للاكتفاء بتسجيل رأيي في أهمية هذه النسخة وخطورة هذه المقارنة، وأدعو الباحثين الذين يهتمون بأمر ابن خلدون ومقدمة ابن خلدون إلى القيام بهذه المهمة على ضوء الملاحظات التي سردتها آنفا.
Bog aan la aqoon