Diin
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Noocyada
بقي الاعتراض بأنه لو كان منشأ الدين هو النظر إلى جمال الطبيعة وجلالها، لكان يجب أن يوجه التقديس أول كل شيء إلى القوى الكونية العظمى: إلى الشمس، والقمر، والبحر، والجبال، والرياح، وأشباه ذلك؛ لا إلى محقرات الأمور من أنواع النبات والحيوان، والمفروض أن عبادة هذه أقدم من تلك فيما يزعم المعترض.
لقد أشرنا من قبل إلى أن البحوث التاريخية والتنقيبات الأثرية في هذه المسألة قد أدت إلى نتائج متعارضة، لا يمكن الركون إلى واحدة منها بصفة نهائية، وأن المرحلة التي ظن هذا المعترض أنها أقدم ما يمكن الوصول إليه قد جاوزها كثير من الباحثين، واكتشف وراءها ظاهرة أسبق من كلتيهما، تكون ذات صبغة دينية مختلفة عنهما. أصبح الاعتماد على التاريخ والآثار هنا اعتمادا على جرف هار، عرضة للتغيير والتبديل دائما، كلما ظهر اكتشاف جديد، كما بينا أن حجج القائلين بأسبقية العقائد السليمة وأقدمية عبادة الخالق الأكبر، وإن كانت لا تصل إلى درجة اليقين العلمي الاستقرائي إلا أنها من الوجهة النظرية أقوى من مقابلتها.
فإن كنت لا تزال على ذكر مما سبق في تحديد معنى الدين، فسوف تأخذ على صيغة الاعتراض شيئا آخر وهو إسنادها العبادة إلى الطبيعيات نفسها إسنادا فيه كثير من التجوز؛ فقد قرر مؤرخو الأديان أن الماديات والحسيات، علوية كانت أو سفلية، لم تكن يوما ما هي المقصودة بالعبادة الحقيقية، وإنما كان تقديسها بطريق التبع والمجاورة: إما لأنها تعد مهبطا ومزارا لقوى خفية علوية، وإما لأنها تعتبر رمزا لتلك القوى، أو تصويرا مجسما لصفاتها وأفعالها.
والعجب أن صاحب النقد نفسه قرر هذا المعنى في غير موضع من كتابه، فوقوف العابد أمام هذه المواد هو أشبه شيء بوقوف العشاق على ديار الأحبة أو على أطلالها ورسومها، لا شغفا بالمكان، ولكن شوقا إلى السكان، وفي وسعنا أن نقول: إن الالتفات إلى أنواع من المخلوقات الصغيرة، باعتبارها مظهرا أو رمزا لهذه القوة العلوية، يتضمن الشعور بأثر تلك القوة في الجلائل بالأحرى، بل المعقول أن الاعتبار بالدقائق لا يظهر إلا في طور عقلي متأخر عن طور الالتفات إلى العظائم الكونية التي «يحس بها كل ذي عينين»، وهو على كل حال دليل على عمق في التأمل، ودقة في الفهم لما في أجزاء الكون المختلفة من شأن عجيب وآيات باهرة «وفي كل شيء له آية».
أما التفرقة بين «المقدس» و«غير المقدس» فإنها، في هذه النظرية، ترجع إلى التفرقة بين «الإلهي» و«الإنساني»، أو بين العظيم الفائق العجيب، وبين العادي المبتذل المطروح؛ ذلك أنه ليس كل ما تقع عليه الحواس سواء في استدعاء الانتباه، واستيقاف النظر، وإيحاء العبرة، واختلاب الألباب، وليس كل الذي تراه أنت بارعا باهرا أراه أنا كذلك، فقد تمر بزهرة أو حشرة، فترى فيها ما يستوقف نظرك، ويأسر قلبك؛ بينما غيرك لا يأبه لها، ولا يستوحي منها أدنى عظة روحية.
وهكذا تنقسم الكائنات في نظر الناس - خاصتهم وعامتهم - إلى ما هو عادي لا يؤبه له، وما هو جليل يذكر بالمعاني الإلهية، ويوحي فكرة «التقديس»، أعني: أنه يبعث في النفس أبلغ معاني الخضوع وأعمق آيات التعظيم
5
لا لهذه الكائنات أنفسها، ولكن لبارئها ومصورها. (1-2) الطبيعة الشاذة العنيفة
يرى العالم الإنجليزي جيفونس
Jevons
Bog aan la aqoon