Diin
الدين: بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان
Noocyada
فمن أحب أن يتعرف كنه دين الإسلام، أو دين المسيحية، أو اليهودية، أو المجوسية، أو البوذية، أو الوثنية، أو غيرها من الأديان التي ظهرت في الوجود؛ يجمل به أن يوفر همته قبل كل شيء على تعرف المعنى الكلي الذي يجمعها، والقدر المشترك الذي تنطوي عليه في جملتها ؛ إذ إنه من الواضح أنه وإن تفاوتت الأديان في نفسها، أو في مصادرها، أو في أهدافها، أو في قيمها، فإنها كلها يجمعها اسم «الدين»، فلا بد أن تكون هناك وحدة معنوية تنتظمها، ويعبر عنها الاسم المشترك.
فما هي تلك الوحدة؟
ما الدين؟
هذا السؤال الأول الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا ونحن على عتبة باب البحث في تاريخ الأديان. (1) معاجمنا العربية: قلة غنائها وسوء تأليفها
وللإجابة عن هذا السؤال لا غنى لنا عن الرجوع قبل كل شيء إلى معاجم اللغة العربية، لنستأنس بما دونه اللغويون فيها من وجوه الاستعمال لهذه المادة. نقول: لنستأنس بما في هذه المعاجم، ولا نقول: لنجد فيها ضالتنا المنشودة؛ فكلنا نعرف مقدار الصعوبة التي يعانيها المزاولون لهذه المعاجم، ومبلغ إخفاقهم في استنباط المعاني المحددة من ثنايا تعريفاتها، وفرط ألمهم لهذا الحرمان.
لكنه إذا كان اليأس - كما قيل - إحدى الراحتين، فالذي يريح بالنا من ناحية هذه الكتب هو أن نبدأ بتحديد مطامحنا منها، فلا نطلب منها أكثر من طبيعتها ولا نكلفها شيئا هو وراء أهدافها، ولعله ليس أطيب لقلب الباحث في هذه المعاجم من أن يوطن نفسه بادئ ذي بدء على أنها إنما وضعت لضبط الألفاظ، لا لتحديد المعاني، وأن مهمتها هي لتقويم اللسان، لا تثقيف الجنان، فإن شاء أن يتوسع في حدود هذه المهمة شاع له أن يقول: إنها وضعت أيضا لسرد المترادفات والمتقابلات، وتقديمها لمن يفرض فيه أنه يعرف معنى كل مفرد على حدة.
حاول مثلا أن تعرف نعت طير، أو حيلة حيوان، أو وصف نبات، أو موقع بلد، وافتح المعجم في باب الاسم المطلوب، ثم انظر ماذا ترى: «طائر معروف»، «حيوان معروف»، و«نبات معروف»، «بلد معروف» ذلك هو الجواب العتيد الذي تظفر به في غالب الأمر، فهو تذكير للعارفين بالحقيقة التي يشير الاسم إليها، ومن لم يكن يعرف فلا سبيل له بذلك إلى أن يعرف.
أما إذا سمحت هذه المعاجم بأن تقدم لقرائها شيئا من التعريف والتحديد، فإنها لا تبالي - في كثير من الأحيان - أن تعرف الشيء بنفسه، أو بأنه غير ضده ... هكذا: «البلاغ» ما يتبلغ به، و«الدواء» ما يتداوى به، و«الدين» ما يدان به، أو يقال لك: إن الدين هو الملة فإذا رجعت إلى كلمة الملة في بابها قيل لك: إنها هي الدين، وكذلك يقال لك في شرح لفظ «الحلال» إنه ضد الحرام، وفي تعريف «الحرام» إنه ضد الحلال، وهكذا.
دع ما وراء ذلك من سوء الترتيب، وكثرة الخلط والإعادة، وعدم رد كل طائفة من المعاني المتشابهة إلى أصل واحد يجمعها، على أن هذه الناحية الأخيرة ربما كانت أهون وجوه النقص، وأقلها استعصاء على الإصلاح.
أقرب مثال لهذا الحشد والخلط والغثاء المتراكب تجده في المادة التي نحن بصددها، فالذي يرجع فيها إلى القاموس المحيط، أو إلى لسان العرب أو غيرهما؛ يضل في بيداء، ويخيل إليه أن هذه الكلمة الواحدة يصح أن تستعمل فيما شئت من المعاني المتباعدة، بل المتناقضة: فالدين هو الملك، وهو الخدمة، هو العز، وهو الذل، هو الإكراه، وهو الإحسان، وهو العادة، وهو العبادة، هو القهر والسلطان، وهو التذلل والخضوع، وهو الطاعة، وهو المعصية، هو الإسلام والتوحيد، وهو اسم لكل ما يعتقد، أو لكل ما يتعبد الله به ... إلخ. (2) محاولة رد أشتات المعاني إلى معنى واحد
Bog aan la aqoon