Dhu Nurayn Cuthmaan Ibn Caffaan

Cabbas Mahmud Caqqad d. 1383 AH
80

Dhu Nurayn Cuthmaan Ibn Caffaan

ذو النورين عثمان بن عفان

Noocyada

ومهما يقل القائمون عن ترخصه في العطاء وبذل الرواتب من بيت المال؛ فلا قول لأحد في حرمة الحياة عنده حتى فيما يخشى منه الجور على حياته، فما طاوعه ضميره قط على إيقاع حكم الموت بإنسان ممن استحقوا هذا الحكم بالشغب والعصيان، ومن لامه في هذا الباب فإنما يلومه؛ لأنه أفرط في الرحمة والأناة، ولا يلومه لأنه قسا فضلا عن الإفراط في القسوة.

والمشقة التي يلقاها المؤرخون في هذا الصدد عظيمة متبعة؛ لأن الغالب في المؤرخين أنهم يستسهلون الرأي كلما كتبوا عن رجل اشتهر بصفة من الصفات، وهم على دأبهم هذا قد يستسهلون الرأي في تقدير سياسة عثمان بعد السنوات الأولى من خلافته على الخصوص، فما كان عملا وتدبيرا فليس أسهل من إسناده إلى أعوانه، وما كان توانيا وتفريطا؛ فليس أسهل من إسناده إليه، وإن أسندوه إليه ليقولوا: إنه غلب عليه.

وتحضرني في هذا المقام مساجلة بين بعض الصحاب سمعناها عن ضعف عثمان وتسيير الناصحين له من حزبه ومن غير حزبه، إحدى الدلالات على ذلك أنه تاب ثم عدل عن التوبة مرات في عامه الأخير.

والأمر الذي نسيه أصحاب هذه الدلالة أن التوبة شيء لم يطلب قط من أحد في تلك الآونة إلا استجاب إليه، وما قيل لأحد قط: تب إلى الله، فأجاب على ذلك بغير التوبة والاستغفار، فما كان منهم من أحد يرى أنه غني عن الاستغفار وتكفير الذنوب في وقت من الأوقات، أو كان يستعلي عن الوقوف أمام الله موقف التوبة والندامة، ما كانت توبات عثمان إلا من هذا القبيل كلما دعي إليها في أيامه الأخيرة، فإنما هي توبة لله وأمام الله، ولا عليه أن يعيدها في اليوم مرات بعد مرات.

فمن تيسير المؤرخ على نفسه أن يحيل عمل عثمان وتدبيره على الأعوان والنصحاء، وأن يحيل التواني والتفريط إليه أو إلى غلبة الأعوان عليه، ولا سيما المسئول الأكبر في رأي الأكثرين عن أخطاء عثمان ابن عمه مروان.

فما كان لمروان هذا من القوة ما أسبغه عليه المداحون بعد قيام الدولة الأموية، ولم تكن له هذه القوة حتى في مطامع الملك وهمم السيادة والرئاسة، فإنه كان يزاحم معاوية فلم يستطع أن يبلغ معه كثيرا ولا قليلا، وراح يحرض عمرو بن عثمان ليناوئ معاوية ويقول له: إنه لم يأخذ الخلافة إلا باسم أبيك، ثم ينزوي ولا يجسر على الظهور. ولم يفارقه هذا الخمول بعد موت معاوية وابنه يزيد؛ فكاد أن يبايع عبد الله بن الزبير بالخلافة لولا النزاع بين اليمانية والقيسية في الشام.

وقد أودى حمقه بحياته بعد أن صارت الخلافة إليه ذلك المصير الذي لا فضل له فيه، فقد خشي أن يكبر خالد بن يزيد بن معاوية فينازعه سريره؛ فلم تهده حيلته إلى عمل يحتاط به لهذه المنازعة غير أن يتزوج أمه ليصغره ويلحقه بأتباعه، وأمعن في هذه الحيلة لما كبر خالد فقال له على مسمع من أشراف القوم: مالك ولهذا يابن الرطبة. فكان فيها حتفه، وقيل: إن خالدا أخبر أمه فقالت له: لا يعلمن أحد أنك أخبرتني، ثم وضعت على رأس مروان وسادة ولم ترفعها حتى مات.

فمروان هذا ليس بالعون الغالب الذي لا يخالف، وليس هو على الأقل بالذي ينسب إليه الرفق في تسيير الناس للقتال متطوعين، أو الرفق في محاسبة الخصوم والثائرين، أو بذل العطاء لمن ينافسهم وينافسونه من رؤساء بيت العاص أو بيت حرب في بني أمية، وغاية شأنه أنه المأمور الذي لا يستعاض عنه بمن هو أنصح منه وأقدر على الطاعة وأعرف بما كان وما هو كائن من أخبار العاصمة وأحوال الولايات لطول المراسلة والمعاشرة، ومن كان يحسب أن مشورته السيئة هي علة العلل في محنة عثمان، فعليه أن يلغي هذه المشورة ويفترض أنه لم يقل بها ولم تسمع منه، ثم لينظر ماذا يقدم هذا أو يؤخر من أزمة الحكم ومن فاجعة عثمان.

إنما المحنة كلها أنه زمن كان يحتاج حينا إلى ثقة الخلافة فلا يجدها، ويحتاج حينا آخر، أو في الحين نفسه، إلى سلطة الملك فلا يجدها، ولن يسلم حكم يحتاج إلى سند الثقة في موضعه أو إلى سند السلطة في موضعه؛ فلا يجد هذا ولا ذاك.

الفصل الحادي عشر

Bog aan la aqoon