Dhu Nurayn Cuthmaan Ibn Caffaan
ذو النورين عثمان بن عفان
Noocyada
ترجمة عثمان ترجمة سوية، لا نستغرب من لاحقها بعد الإسلام شيئا مما نعلمه عن سابق سيرته قبل إسلامه، وإذا فاجأنا بالغرابة لأول وهلة فإنما نستغربه من أثر المفاجأة، ثم نعود إلى دواعيه؛ فإذا هو مطرد لا غرابة فيه.
نشأ في نعمة وعيش خفيض، وكانت ولادته بالطائف أخصب بقاع الحجاز، لست سنوات مضت من عام الفيل، ولم يؤثر عنه أنه اختبر شظف العيش قط في صباه أو طفولته.
وهو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، كان أبوه تاجرا واسع التجارة، وكان يحمل قوافله إلى الشام على دأب الأكثرين من تجار بني أمية، وفي إحدى هذه الرحلات التجارية مات عن ثورة عظيمة، وترك ابنه بين الصبا والشباب.
وإذا صح ما جاء في أنساب الأشراف للبلاذري فقد كان عفان يعمل في حياكة الثياب: «عفان أول حائك لثيابكم»، ولكننا نستبعد جدا أن يجمع الثروة من حياكة الثياب بيديه، ومن الراجح إذن أنه كان يدير مصنعا من مصانعها، أو أنه عمل بها في صباه، ثم تحول عنها إلى التجارة.
وأم عثمان هي أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وأمها أروى البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبي عليه السلام، وقد سبق أن أختها تتكهن وتنقطع للكهانة، ففي وراثته من جانب أمه جنوح إلى طبيعة التدين التي اشتهر بها عبد المطلب وآباؤه وبنوه.
ويروى كما جاء في ابن الأثير أن عقبة بن أبي معيط شكاه إلى أمه - وكان قد تزوج بها بعد وفاة عفان - فقال لها: إن ابنك قد صار ينصر محمدا؛ فلم تنكر ذلك من ابنها، وقالت: «ومن أولى به منا؟ ... أموالنا وأنفسنا دون محمد.»
وقد كان مألوفا في الجاهلية أن تتزوج المرأة بعد تطليقها من زوجها أو بعد وفاته، ولكن هذه العادة المألوفة لا تمنع أن ينقبض لها الابن وأن ينكسر لها بينه وبين نفسه، فيلازمه منها بعض الخجل ولا يرتاح إليها بأية حال.
ويبدو من دراسات علم النفس الحديث أن «مشكلة الأب» قد تمكنت من طوية الصبي؛ فكان لها فعلها في توجيه شعوره من ناحية ذويه ومن ناحية البيئة بأسرها؛ فضاعفت ما في وراثته الأموية من الإيواء إلى ذوي قرباه، وهيأت نفسه للنفور من الوضع القائم في البيئة؛ فلم يصعب عليه أن ينكر الأوضاع القائمة في نطاقها الأعم الأوسع، وهو نطاق الشعائر الجاهلية.
ذلك أنه نشأ وهو يحس أن رب البيت الذي نشأ فيه غاصب ينتزع مكان أبيه؛ فتمكنت من نفسه الريبة في الأوضاع القائمة، ولم يحتملها إلا على مضض الكاره وترقب المتربص، وبخاصة حين تأتي من ناحية الأم التي تتمثل لابنها في هذه الحالة كأنها مغلوبة على أمرها منتزعة ممن هو أحق بها.
وقد أسلفنا أننا لا نعول كثيرا على الرواية التي تعود بإسلام عثمان إلى نصيحة خالته الكاهنة؛ فليس في كلامها مقنع للفكر يحول رجلا في الثلاثين عن دينه وتراث بيته، ولكنها على هذا تدل على داعية من الشعور لا نهملها ولا نستبعد مكانها من السريرة الباطنة، ويعززها أن أسرة أمه كانت لا تخلو من عطف قوي نحو صاحب الدعوة إلى الدين الجديد؛ عطف يبدو من قول أمه: «أموالنا وأنفسنا دون محمد»، وهي كلمة لا ينبغي أن ننساها في مواطن كثيرة من سيرة ابنها رضوان الله عليه.
Bog aan la aqoon