Dhu Nurayn Cuthmaan Ibn Caffaan
ذو النورين عثمان بن عفان
Noocyada
فأراد أمية أن ينافسه في الشرف ومحبة الناس إياه فعجز عن هذه المنزلة، فدعاه إلى المنافرة كعادتهم، واحتكما إلى كاهن خزاعة بعسفان على خمسين ناقة تنحر بمكة، وجلاء عشر سنين من جوار الحرم، فقال الكاهن سجعا على أسلوب الكهان والمحكمين جميعا يومئذ: «والقمر الباهر والكوكب الزاهر، والغمام الماطر، وما بالجو من طائر، وما اهتدى بعلم مسافر، من منجد وغائر، لقد سبق هاشم إلى المآثر، أول منه وآخر، وأبو همهمة بذلك خابر.»
وأبو همهمة الذي أشار إليه الكاهن هو حبيب بن عامر الذي خرج مع أمية، وينتهي نسبه إلى فهر بن مالك، وكأنما أراد الكاهن بذكره أن يذكره بما في النسب الأول والآخر من سر هو به خبير.
قال الرواة: فأخذ هاشم الإبل فنحرها وأطعم لحمها من حضر، وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين.
ويكاد التنافس بين العشيرتين أن يشمل كل مطلب من مطالب الحياة فشمل الفروسية، ووسامة الذرية، كما شمل الرئاسة، ومفاخر السيادة. •••
تنافس أمية وعبد المطلب على سباق للخيل، وتراهنا على أن تحز ناصية المسبوق سنة ويغرم عددا اختلفوا فيه من العبيد والإماء والإبل، فسبق فرس عبد المطلب فرس أمية، ودان أمية بسيادته عليه سنة، وينقل ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة كلمة لعبد الله بن جعفر في محضر معاوية جبه
4
بها يزيد وهو يفاخره فقال: «أتفاخرني بحرب الذي أجرناه، أم بأمية الذي ملكناه، أم بعبد شمس الذي كفلناه؟!»
ويقول الكلبي في أبناء عبد المطلب: «كانوا إذا طافوا بالبيت يأخذون البصر»، ورآهم عامر بن مالك فقال: «بهؤلاء تمنع مكة». وغير هذه الصفة تقال في أبناء حرب؛ فلا يتصدى لنقضها أحد من الأمويين المتقدمين.
ونحسب أن المنافسة بين العشيرتين كانت ضربة لازب؛ لأن الاختلاف بينهما أعمق غورا من الاختلاف على الرئاسة ومناصب الشرف فيما اصطلح عليه عرف الجاهلية: كان اختلافا في الخلق والطبيعة، وكان بنو هاشم على ما ثبت من الروايات المتقدمة أقرب إلى الأخلاق المثالية الدينية، وبنو أمية أقرب إلى الأخلاق العملية الدنيوية، وقد يتردد المؤرخ في قبول بعض الروايات المتقدمة على علاتها، ولكنه لا يحتاج إلى المشكوك فيه من تلك المرويات؛ ليعلم هذا الفارق الواضح من خلائق العشيرتين فيما أثر عنهم قبل الإسلام وبعد الإسلام، ففي حلف الفضول قام بنو هاشم بالأمر، وقام به معهم بنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم، وتخلى عنه عبد شمس فلم يشتركوا فيه. وحلف الفضول هذا هو الذي قال عنه النبي عليه السلام: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلف الفضول ... أما لو دعيت به اليوم لأجبت، وما أحب أن لي به حمر النعم وأني نقضته.»
وخلاصة قصته أن رجلا يمانيا قدم مكة ببضاعة، فاشتراها رجل فلواه بحقه وأبى أن يرد إليه بضاعته، فقام في الحجر أو في مكان على شرف وصاح يستغيث، وكان من أجل ذلك أن تعاهد أناس من بني هاشم وأحلافهم ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد؛ إلا كانوا معه حتى يأخذوا له بحقه من أنفسهم ومن غيرهم، وعمدوا إلى ماء من زمزم فجعلوه في جفنة وبعثوا به إلى البيت فغسلت به أركانه وشربوه.
Bog aan la aqoon