وبعد أيام قلائل التقينا في لجنة القصة، فأبدى إعجابه الكبير بالرواية، وقال: «إنها مثل قطعة الخشب العربي (الأرابسك) الذي يتكون من قطع صغيرة متراصة، والتكوين في ذاته يعطي الصورة الكاملة التي أرادها الفنان.»
أنا لا أشك لحظة أن فتحي غانم فهم الرواية كل الفهم، ولا أشك لحظة أنه حين نشرها كان غاية في السمو والشجاعة في وقت معا. فالرواية مخالفة لرأيه الشخصي، وهي في نفس الوقت كفيلة أن تعرضه لما لا يعلمه إلا الله وحده. وأن ينشر مسئول عملا روائيا، وهو في نفس الوقت روائي لا يمكن أن يفوته ما فيها من رمز دليل على أن فتحي غانم رجل يندر مثيله بين الرجال، ودليل على أنه أكبر من كل ما يكبل حرية الرجال. فليس عجيبا أن أكن لهذا الرجل في نفسي كل إجلال وإكبار وحب. وقد أثبتت لي الأيام فيما بعد أنه مطبوع على هذا الشرف ولا يتخذه في موقف ثم يتخلى عنه في آخر. وإنما أشهد الله والحق أنني ما رأيته إلا بهذا السمو وهذه الرجولة، ولو يختلف بيننا الرأي ما شاء الرأي أن يختلف.
ولكنه رجل استطاع في كل المواقف أن يمثل لي الإنسان حين يرتفع الإنسان إلى أرفع درجات الإنسانية.
نشرت الرواية بمجلة صباح الخير. وكنت في ذلك الحين أنشر كتبي بدار المعارف عائدا إليها، فعرضت الرواية على الأستاذ عادل الغضبان، وقرأها وقال لي: «إننا الآن نحاول أن نرتفع بسلسلة اقرأ وقد أخذنا كتابا جديدا من الدكتور طه حسين، ونريد أن ننشر «شيء من الخوف» في هذه السلسلة.» فقلت: «لا بأس.» وقد نشرت «شيء من الخوف» فعلا في مارس 1967م بعد أن تم نشرها في صباح الخير قبل ذلك.
تلك هي قصة شيء من الخوف الكتاب، وبقي أن نروي قصة شيء من الخوف في السينما.
حين بدأت صباح الخير نشر القصة وقفت في إشارة، وتصادف أن وقف بجانبي صلاح ذو الفقار بسيارته. وصلاح كان زميلي في مدرسة فاروق الأول الثانوية وبيننا صداقة دائمة من أيام المدرسة. حياني وقال إنه يريد أن ينتج روايتي التي تنشر في صباح الخير. قلت: «لا بأس.»
وانتهى الحديث عند ذلك.
وسافرت إلى الإسكندرية. وفي ليلة عدت إلى بيتي متأخرا فإذا بي أجد الأستاذين العزيزين حسام الدين مصطفى وعبد الحي أديب ينتظرانني في سيارة أحدهما أمام البيت. وكأنما خجلا أن يصعدا إلى البيت، وينتظرا فيه، وفوجئت بحسام يقول لي: «الرواية التي تنشر في صباح الخير. هل أخذها أحد منك للسينما؟»
قلت: «لا.»
قال: «طيب يا أخي ألست أنا الأولى بها، وقد أخرجت لك هارب من الأيام.»
Bog aan la aqoon