أما الدائرة الثالثة في الأسرة وهم أبناء أولاد شقيقاتي فهم ذكورا وإناثا أقرب إلى المحافظة الدينية والاجتماعية، باستثناء واحد منهم، هو الغاضب دائما من عدم تحقيق هدفه في التمثيل في السينما أو المسلسلات التليفزيونية، وكانت تلك هوايته الأولى خاصة بعد أن ظهر في البعض من المسلسلات وأثبت جدارة دون واسطة في الصعود إلى درجات أعلى.
والجميع يرتبط فيما بينهم بأواصر القرابة والمحبة والصداقة، يلتقون في المناسبات، ويتهافتون بين الحين والآخر، ولهم شبكة اتصال فيما بينهم بعنوان «آل حنفي».
وإذا كانت العواطف تتم داخل الأسرة الواحدة بأبنائها وأحفادها، فإن الانفعالات غالبا ما تظهر في جهة العمل، فعادة ما تتم الانفعالات بين الموظفين تطلعا إلى منصب أعلى.
وتتوالد الانفعالات بعضها عن البعض الآخر مثل الغيرة التي تولد الحسد الذي يولد الحقد الذي يولد الكراهية الذي يولد العدوان؛ فالغيرة شيء طبيعي يمكن القضاء عليها بالمنافسة الشريفة، فلا يتولد منها حقد أو كراهية.
وقد بدأ رئيس القسم يشعر بالغيرة مني بعدما عدت من فرنسا وعينت مدرسا للفلسفة، وقد كنت أعجب به في أول سنة لي كطالب بالقسم، وهو في آخر سنة، وكان له قسط من الجمال التركي، وينزل سلم الكلية ضاحكا مبتسما، وكأنه يقول «انظروا لي.»
1
ونسي الآية الكريمة
ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا .
فلما أصبحنا زملاء وأراد رئيس القسم أحمد فؤاد الأهواني أن يعينني بلا إعلان، بدأت الغيرة تصب في قلب رئيس القسم التالي. ولما كنت أملأ مدرجات الجامعة فكرا ووطنية بعد هزيمة 1967م امتلأت القاعات بالطلبة والمدرسين الشبان. ولم يخف ذلك على أجهزة الأمن، وكنت أخبئ الشيخ إمام في شنطة سيارتي وأدخله للجامعة؛ لأنه كان من الممنوعات. وكان أحمد فؤاد نجم يدخل مخبئا عود إمام تحت قدميه فلم يكن يوقفه أحدا. ثم يبدأ الغناء في مدرج الآداب والحقوق الكبير حتى الظهر، وتشتعل الجامعة فكرا ووطنية .
فلما جاء موعد ترقيتي إلى أستاذ مساعد، رقتني اللجنة العلمية العامة بالإجماع، وكان لا بد بعد ذلك من الحصول على موافقة الأقسام الإدارية بالجامعة. لم يكن بالقسم إلا أستاذ واحد هو رئيس القسم الذي اتصلت به أجهزة الأمن، وطلب منه عدم الموافقة على الترقية. وذهب إلى مجلس الكلية فاتصلت أجهزة الأمن بالعميد لمطالبته بعدم الموافقة على الترقية. وذهب الموضوع إلى مجلس الجامعة فلم يعرف ماذا يفعل؟ فأرسل التقرير بالترقية إلى مجلس الكلية فأرسله العميد ثانية إلى اللجنة العامة بدعوى الفحص لأنني كافر. ورد رئيس اللجنة العلمية على الجامعة بالموافقة على الترقية بدعوى أن ناقل الكفر ليس بكافر. وكانوا يقصدون ترجمتي لرسالة اسبينوزا «رسالة اللاهوت والسياسة». وفي مجلس الجامعة أصر رئيس الجامعة بتطبيق قواعد الترقيات العامة وهو أن محك الترقية قرار اللجنة العلمية وليس المجالس الإدارية، ومرت الترقية بسلام.
Bog aan la aqoon