وكان في المجلس النواجي الشاعر فأنشد ارتجالا:
وغنت فظل الجنك يطرق نفسه ... وجادت لها بالروح منها المزامر
ومن لحظها الهندي في غمده اختفى ... وظبي الفلا في لفتة وهو نافر
ومن وجنتيها الورد راح بخجلة ... ألست تراه أحمرا وهو فاتر
ومن ريقها الصهبا شكت نار شوقها ... فاطفأها بالماء ساق مسامر
ذكر ابن شاكر الكتبي في تاريخه في ترجمة شمس الدين بن عفيف الدين التلمساني أن جماعة من أهل الأدب اجتمعوا وعملوا سماعا وفيهم غلمان حسان فبعثوا منهم غلاما مليحا إلى الشيخ عفيف الدين يطلبون شمس الدين للحضور فلما جاء الرسول كتب عفيف الدين على يده:
أرسلتما لي رسولا في رسالته ... حلو المراشف والأعطاف والهيف
وقد تمادى يسيرا ذاك أنكما ... أوقدتما النار في أحشاء ذي دنف
فلما حضر والده شمس الدين وأخبره بالقضية كتب إلى ولده:
مولاي كيف انثنى عنك الرسول ولم ... تكن لوردة خديه بمقتطف
جاءتك من بحر ذاك الحسن لؤلؤة ... فكيف ردت بلا ثقب إلى الصدف
ومما نقلته من التاريخ المذكور أن علية بنت المهدي العباسية أخت أمير المؤمنين هارون الرشيد كانت من أحسن خلق الله وجها وأظرف النساء وأعقلهن ذات صيانة وأدب بارع تزوجها موسى بن عيسى العباسي وكان الرشيد يبالغ في إكرامها واحترامها ولها ديوان شعر عاشت خمسين سنة وتوفيت سنة عشر ومائتين وكان سبب موتها أن المأمون سلم عليها وضمها إلى صدره وجعل يقبل رأسها ووجهها مغطى فشرقت من ذلك وماتت بعد أيام يسيرة وكانت تتغزل بشعرها في خادمين اسم الواحد طل والآخر رشاء فمن قولها في طل وصحفت اسمه:
أيا سروة البستان طال تشوقي ... فهل إلى ظل لديك سبيل
متى يلتقي من ليس يقضى خروجه ... وليس لمن يهوى إليه وصول
فبلغ الرشيد ذلك فحلف أنها لا تذكره أبدا ثم تسمع عليها الرشيد يوما فوجدها وهي تقرأ في آخر سورة البقرة حتى بلغت قوله تعالى فإن لم يصيبها وابل فقالت فإن لم يصبها وابل فالذي نهى عنه أمير المؤمنين فدخل الرشيد وقبل رأسها وقال لها قد وهبتك طلا ولا منعتك بعد هذا عما تريدين وكانت من أعف الناس كانت إذا طهرت لازمت المحراب وإن لم تكن طاهرة غنت ولما خرج الرشيد إلى الري أخذها معه فلما وصل إلى المرج نظمت قولها:
ومغترب بالمرج يبكي لشجوه ... وقد غاب عنه المسعدون على الحب
Bogga 277