فقال أبو بكر يحفظ الوزير عليه ذلك حتى يقيم شاهدي عدل أنه ولى بخاتم ربه فقال أبو العباس بن شريح يلزمني من ذلك ما يلزمك في قولك:
أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال المحرما
فضحك الوزير وقال جمعتما لطفا وظرفا وفهما وعلما.
ويذكر أبو بكر الخطيب أنه كان في مدينة بغداد محلة تسمى باب الطاق كان بها سوق الطير يزعمون أنه من عسر عليه أمر أطلق طيرا فتيسر أمره فمر عبد الله بن طاهر وقد طال مكثه في بغداد ولم يأذن له الخليفة بالذهاب فمر بذلك السوق فرأى قمرية تنوح فأمر بشرائها فامتنع صاحبها فدفع له بها خمسمائة درهم فاشتراها وأطلقها في ذلك السوق وأنشد يقول:
ناحت مطوقة بباب الطاق ... فجرت سوابق دمعي المهراق
كانت تغرد بالأراك وربما ... كانت تغرد في فروع الساق
فرمى الفراق بها العراق فأصبحت ... بعد الأراك تنوح في الأسواق
فجعت بأفراخ فأسبل دمعها ... إن الدموع تبوح بالأشواق
تعس الفراق وبت حبل متينه ... وسقاه من سم الأساود ساقي
ماذا أراد بقصده قمرية ... لم تدر ما بغداد في الآفاق
بي مثل ما بك يا حمامة فاسألي ... من فك أسرك أن يحل وثاقي
قيل أنه في ثاني يوم أطلق ورجع إلى بلاده.
وحكي عن خالد الكاتب أنه قال جاءني يوما رسول إبراهيم فسرت إليه فوجدته على فرش قد غاص فيها فاستجلني وقال أنشدني من أجود شعرك فأنشدته:
رأت عيني منه منظرين كما رأت ... من الشمس والبدر المنير على الأرض
عشية حياني بورد كأنه ... خدود أضيفت بعضهن إلى بعض
ونازعني كأسا كأن حبابها ... دموعي لما صد عن مقلتي غمضي
وراح فكل الراح في حركاته ... كفعل نسيم الريح في الغصن الغض
فزحف حتى صار في ثلثي الفراش وقال يا فتى شبهوا الخدود بالورد وأنت شبهت الورد بالخدود فزدني فأنشدته:
عاتبت نفسي في هواك فلم أجدها تقبل ... وأطعت داعيها إليك ولم أطع من يعزل
لا والذي جعل الوجوه بحسن وجهك تمثل ... لا قلت إن الصبر عنك من الصبابة أجمل
فزحف حتى انحدر من الفراش واستخف طربا ثم قال لخادمه كم معك لنفقتنا قال ثمانمائة وخمسون درهما فقال له أقسمها بيني وبين خالد فدفع لي نصفها وانصرفت.
لطيفة جاز بعض اللطفاء على باب دار فعزمه شيخها وأدخله عنده وأجلسه في المكان منفردا ثم استدعى بجاريتين أحداهما صفراء والأخرى سوداء ودفع لكل واحدة مزهرا وقال لهما اضربا له عليهما وغنيا وشاغلاه ثم ذهب الشيخ وبقي الضيف
Bogga 275