مقدمة
...
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة أبي المحاسن الحسيني:
هو السيد الشريف الحافظ الناقد ذو التصانيف شمس الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة بن محمد بن محمد بن ناصر بن علي بن الحسين بن إسماعيل بن الحسين بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الدمشقي الشافعي. قال الحافظ ابن حجر: وهكذا ساق الذهبي نسبه في "المعجم المختص" ولكن سقط من بين علي وحمزة الحسن، وكذا يوجد بخط الحسيني نفسه، ولا أشك أنه سقط من نسبه عدة آباء في أثنائه والله أعلم ا. هـ. ولعل ذلك منه باعتبار ثلاث أنفس لكل مائة سنة. قال البرهان البقاعي: سمعت ابن حجر ينقل قاعدة عن ابن خلدون، وهي أنّا إذا شككنا في نسب حسبنا كم بين من في أوله ومن في آخره من السنين، وجعلنا لكل مائة سنة ثلاث أنفس فإنها مطردة. ويحكي عن ابن حجر أنه قال: ولقد اعتبرنا بها أنساب كثير ممن أنسابهم معروفة فصحت، وأنساب كثير ممن يتكلم في أنسابهم فانخرمت، على ما جاء في نظم العقيان للسيوطي.
ولد الحيسني بدمشق في شعبان سنة ٧١٥هـ، وسمع من جماعة من الأعيان منهم محمد بن أبي بكر بن عبد الدائم، ومحمد وزينب ولدا إسماعيل بن إبراهيم الخباز، وأبو محمد بن أبي التائب، والمسند المعمر إبراهم بن محمد الواني الخلاطي، وأبو الحجاج المزي، والذهبي، والبرزالي، والصلاح العلائي، وابن المظفر، وأبو الحسن السبكي، والعز بن جماعة، وابن أبيك، وعدة من أصحاب ابن عبد الدائم وغيره منهم أبو الفتح الميدومي، وأحمد بن على الجزري، وزينب بنت الكمال، وخلائق يجمعهم معجمه الذي خرجه لنفسه.
قال الذهبي في "المعجم المختص" عند ترجمة الحسيني: العالم الفقيه المحدث، طلب وكتب وهو في زيادة من التحصيل والتتخريج والإفادة ا. هـ. وقال العراقي لما سئل عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ مغلطاي وابن كثير وابن رافع والحسيني: أعرفهم بالشيوخ المعاصرين وبالتخريج الحسيني، وهو أدونهم في الحفظ ا. هـ. وقال ابن ناصر الدين: كان إمامًا حافظًا مؤرخًا، له قدر كبير، وكان حسن الخلق، رضي النفس، من الثقات الأثبات ا. هـ. وقال أبو الفضل بن فهد: كان رضي النفس، حسن الأخلاق، من الثقات الأثبات، إمامًا مؤرخًا حافظًا، له قدر كبير، طلب بنفسه فقرأ وبرع وتميز، وحفظ وأفاد، وكتب بخطه الكثير، وخرج وانتقى، وجمع ا. هـ. وقال ابن حجر: خطه معروف حلو، وكان سريع الكتابة، قرأت بخطه في آخر "العبر"
1 / 3
للذهبي أنه نسخه في خمسة أيام ا. هـ. وقال ابن كثير بعد أن ذكر مؤلفاته: ولي مشيخة دار الحديث البهائية داخل باب توما، وكان يشهد بالمواريث بدمشق ا. هـ.
وله مؤلفات حسنة ما بين مطول ومختصر، منها "التذكرة بمعرفة رجال العشرة" اختصر فيها تهذيب الكمال لشيخه المزي وحذف منه من ليس في الستة وأضاف إليهم من في الموطأ ومسند أحمد ومسند الشافعي ومسند أبي حنيفة وقال: في أولها: ذكرت فيها رجال كتب الأئمة الأربعة المقتدى بهم لأن عمدتهم في استدلالهم لمذاهبهم في الغالب على ما رووه بأسانيدهم في مسانيدهم فإن الموطأ لمالك هو مذهبه الذي يدين الله به أتباعه ومقلديه مع أنه لم يرو فيه إلا الصحيح، وكذلك مسند الشافعي موضوع لأدلته على ما صح عنده من مروياته وكذلك مسند أبي حنيفة وأما مسند أحمد فإنه أعم من ذلك كله وأشمل ا. هـ. والتقط منها ابن حجر في "تعجيل المنفعة في زوائد رجال الأئمة الأربعة" من لم يخرج له في تهذيب الكمال خاصة، وناقشه بأن اعتماد المالكية على ما يروي به ابن القاسم عن مالك وافق الموطأ أو لم يوافق، وقد جمع ابن حزم فيما خالف فيه المالكية ما ضمنه مالك الموطأ وأشهر ذلك حديث الرفع عند الركوع والاعتدال، وبأن "مسند أبي حنيفة" تخريج ابن خسرو إنما يحتوي على بعض أحاديثه وقد جمع قبله الحافظ أبو بكر بن المقري لأبي حنيفة مسندًا استوعب فيه أحاديث لكن لم يكثر طرقها وقبله الحافظ أبو محمد الحارثي مسندًا واستوعب الطرق في كل حديث مرتبًا على مشايخ أبي حنيفة وبأن "مسند الشافعي" إنما هو رواية الأصم لما سمعه من الأم وفي أحاديثه كثرة في مبسوط المزني وكتاب حرملة ا. هـ. ومنها "الامتثال بما في مسند أحمد من الرجال ممن ليس في تهذيب الكمال" وكتاب الذرية الطاهرة سماه "العرف الذكي في النسب الزكي" و"الاكتفاء في الضعفاء" و"التعليق على ميزان الاعتدال" لشيخه الذهبي بين فيه كثيرًا من الأوهام واستدرك عليه عدة أسماء و"ترتيب أطراق المزي على الألفاظ" و"معجم الشيوخ" و"ذيل العبر" للذهبي.
ومنها "ذيل طبقات الحفاظ". هذا، وقد جرى فيه على طريقة شيخه الذهبي من ذكر مشاهير شيوخ المترجم وسرد مؤلفاته وإيراد حديث بطريقه موصول السند إلى النبي ﷺ إن كان له من طريقة رواية- وإثبات وفيات كبار أهل العلم ومن له شأن في التاريخ من غيرهم ممن ماتوا سنة وفاة المترجم مع إيماء يسير إلى أحوالهم. وقد ترجم عدة من الحفاظ الأحياء ممن تأخرت وفاتهم فذكرنا وفياتهم تعليقًا. وله غير ذلك من المصنفات النافعة وكان شرع في شرح النسائي.
وتوفي بدمشق في يوم الأحد سلخ شعبان المكرم أو مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وسبعمائة ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق -تغمده الله تعالى برحمته وغفرانه وأدخله فسيح جنانه.
1 / 4
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
يقول جار الله بن فهد: أخبرنا بكتاب ذيل طبقات الحفاظ للسيد العلامة الحافظ الحجة أبي المحاسن محمد بن علي بن الحسن الحسيني الدمشقي الشافعي -رحمه الله تعالى- جماعة من المشايخ أهل الإسناد والعلم الراسخ، منهم حفيده السيد القدوة الإمام شيخ الإسلام ومفتي دار العدل بالشام عين الفقهاء المعتبرين محمد أبو البقاء بهاء الدين وكمال الدين بن حمزة بن أحمد بن علي ابن مؤلفه الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني الدمشقي الشافعي -تغمده الله برحمته- شفاهًا عن العلامة الحافظ الرحلة شيخ السنة تقي الدين أبي الفضل محمد بن النجم محمد بن محمد بن فهد العلوي المكي الشافعي قال: أخبرني به الشيخ الإمام العالم السيد الشريف أبو هاشم علاء الدين علي بن أبي المحاسن محمد بن علي بن حمزة بن الحسن الحسيني والعلامة الحافظ قاضي القضاة ولي الدين أبو زرعة أحمد بن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المصري الشافعي وأصيل الدين عبد الرحمن بن حيدر بن علي بن أبي بكر الدهقلي مشافهة قالوا: أخبرنا به مؤلفه أذنًا فقال:
الحمد لله تعالى على نعمائه، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم أنبيائه، ورضي عن آله وصحبه خير أوليائه. وبعد، فهذه تراجم جماعة من الحفاظ وأهل الحديث الأيقاظ جعلتها ذيلًا على الطبقات الكبرى تأليف شيخنا الإمام الحافظ الكبير والعلم الشهير شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الدمشقي الشافعي -رحمة الله عليه- فأقول مستعينًا بالله تعالى:
1 / 5
الطبقة الثانية والعشرون وعدتهم سبعة أنفس
...
الطبقة الثانية والعشرون وعدتهم سبع أنفس:
قطب الدين الحلبي ١ عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ٢ الحافظ المتقن المقرئ المجيد أبو علي الحلبي، ثم المصري مفيد الديار المصرية:
ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة وقرأ بالسبع على الشيخ إسماعيل المليجي٣ صاحب أبي الجود سمع من ابن العماد وإبراهيم المنقذي والعز الحراني وغازي الحلاوي وابن البخاري وهذه الطبقة فمن بعدهم حتى كتب عن تلامذته وصنف وخرج وأفاد، وعمل تاريخًا لمصر بيض بعضه٤ وشرح السيرة للحاقظ عبد الغني في مجلدين٥ وعمل أربعين تساعيات وأربعين متباينات وأربعين بلدانيات، وشرح أكثر صحيح البخاري في عدة مجلدات٦ وحج مرات، قال شيخنا الذهبي: جمع وخرج وألف تآليف متقنة مع التواضع والدين والسكينة وملازمة العلم والمطالعة ومعرفة الرجال ونقد الحديث، سمعت منه بمصر ومكة، وتوفي في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة٧.
قلت: وفيها مات شيخنا برهان الدين إبراهيم بن محمد الواني رئيس المؤذنين
_________
١ الدرر الكامنة ٢/ ٢٤١ رقم ٢٤٨٥.
٢ الحنفي، وهو الذي حث الحافظ عبد القادر القرشي على تصنيف "طبقات الحنفية" وأعانه فيه. وقد ترجمه القرشي في طبقاته، وحفيده المسند قطب الدين عبد الكريم بن تقي الدين محمد شيخ البدر العيني في معاجيم الطبراني، يوافقه اسمًا ولقبًا، وقد توفي هذا سنة تسع وثمانمائة.
٣ بفتح الميم وبالجيم نسبة لمليج من المنوفية ذكره السخاوي، وأبو الطاهرإسماعيل المليجي هذا هو آخر أصحاب أبي الجود غياث بن فارس المتوفى سنة خمس وستمائة.
٤ قال ابن حجر: جمع لمصر تاريخًا حافلًا. لو كمل لبلغ عشرين مجلدًا بيض من المحمدين في أربعة مجلدات ا. هـ. وزاد ابنه التقي المتوفى في سنة اثنين وسبعين وسبعمائة مجلدًا في المحمدين أيضًا.
٥ سماه "المورد الهني" ويقول عنه السخاوي إنه نافع جدًّا.
٦ وهو كبير أيضًا بيض منه إلى نصفه فبلغ ما بيض عشرة مجلدات، ومنه ومن شرح الحافظ مغلطاي، ويستمد من بعدهما من شراح الصحيح لا سميا ابن الملقن؛ فإنه يعتمد عليهما بل ينسخ منهما نسخًا، وللمترجم القدح المعلى في الكلام على بعض الكلام على بعض أحاديث المحلى لابن حزم وكانت أحاديثه تتطلب أن يتكلم فيها مثله إتقانًا وبراعة؛ لأن ابن حزم تحدى جماهير فقهاء الأمة بسلاطته المعروفة في كتابه هذ على أوهام منه في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل مع ما عنده من الشذوذ عن الجماهير في التفريغ والتأصيل، وله أيضًا "الإلمام" لابن دقيق العيد مع إصلاح ما وقع فيه من الأوهام من عزو الحديث إلى غير من خرجه ونحوه، وإن كان ابن تيمية يقول عن "الإلمام": إنه ما صنف مثله في أحاديث الأحكام ولا كتاب جده، ومما يذكر للمترجم من جميل أخلاقه سماحه بإعارة الكتب للطالبين.
٧ ودفن بمصر خارج باب النصر جوار زاوية خاله المسند المقرئ الشيخ نصر المنجي الحنفي.
1 / 7
وأطيبهم صوتًا عن أكثرمن تسعين سنة حدّث عن الرضي بن البرهان وابن عبد الدائم وجماعة، ومات بعده بشهر ابنه المحدّث المفيد أمين الدين محمد عن إحدى وخمسين سنة١. حدّث عن الشرف بن عساكر وابن مؤمن وخلق، ومات في صفر مسند الشام بدر الدين عبد الله بن الحسيني بن أبي التائب الأنصاري الشاهد٢ عن نحو تسعين سنة حدّث عن العراقي والبلخي٣ طائفة، قلت: ومات مجود الشام بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك٤ محي الدين عبد الرحيم بهذه السنة، ومات بمصر الواعظ شمس الدين حسن بن أسد بن مبارك بن الأثير. سمع الحافظ المنذري والنجيب عاش أربعًا وثمانين سنة، وماتت في ذي القعدة المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمية عن سبع وثمانين سنة روت عن اليلداين٦ وإبراهيم بن خليل وأجاز لها السبط٧ وتفردت، ومات ملك العرب حسام الدين مهنا بن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرية سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة ولبسوا السواد لموته.
_________
١ يقول أحمد رافع الطهطاوي: وذلك لأن والده توفي في صفر من سنة ٧٣٥ وتوفي هو في شهر ربيع الأول منها كما في معجم الحافظ الذهبي وغيره. وأمين الدين هذ هو الذي خرج للتقي بن تيمة أربعين حديثًا من عواليه عن أربعين من كبار شيوخه وهي الأربعون التي طبعت بمصر في سنة ١٣٤١. وستأتي ترجمة في ذيل الجلال السيوطي في الصفحة ٢٣٧ وله ابن هو الحافظ شرف الدين عبد الله بن أمين الدين محمد الواني ستأتي ترجمته في ذيل التقي بن فهد.
٢ قال الذهبي في المشتبه: شيخ معمر في وقتنا شاهد يروي الكثير. وقال ابن حجر: تفرد بأشياء ويقال: إنه ألحق بخطه في بعض الأجزاء فلم يوافقه أحد على ذلك ولا سمعوا عليه منه شيئًا ا. هـ.
٣ هما رشيد الدين أبو الفضل إسماعيل بن أحمد بن الحسن العراقي وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر أحمد بن خلف البلخي كلاهما من أصحاب السلفي وحدثا عنه بدمشق.
٤ يقول أحمد رافع الطهطاوي: وقد سقط من العبارة اسم أبيه ففي "الدرر الكامنة" محمود بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي المعروف بابن خطيب بعلبك بهاء الدين المجود. عني بالخط فجوده على الغاية. ونسخ نسخة من صحيح البخاري في ثلاثة مجلدات باسم الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام وقابلها الجمال المزي بقراءة العماد بن كثير، وهي أعجوبة في الحسن والصحة ا. هـ. وفي شذرات الذهب مجود دمشق بها الدين محمود بن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم السلمي.
٥ يقول الطهطاوي: والذي في حسن المحاضرة وشذرات الذهب "شمس الدين حسين".
٦ هو تقي الدين أبو محمد عبد الرحمن بن أبي الفهم عبد المنعم بن عبد الرحمن القرشي الدمشقي اليلداني المتوفى سنة ٦٥٥، وفي الشذرت: اليلداني نسبة إلى يلدا من قرى دمشق. قال السخاوي: بفتح المثناة التحتانية وفتح اللام ورأيت بخط البدر العيني في رجال معاني الآثار ضبط اللام بالسكون عند ذكر سبط بن أبي الفهم عبد الرحمن بن عبد الولي اليلداني المتوفى سنة ٧٢٥ راوي معاني الآثار عن الضياء المقدسي، وهو الأظهر.
٧ سبط السلفي الجمال أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي الاسكندراني المتوفى في سنة إحدى وخمسين وستمائة.
1 / 8
ابن سيد الناس ١ الإمام العلامة الحافظ المفيد الأديب البارع المتقن فتح الدين أبو الفتح محمد بن الإمام الحجة أبي عمرو محمد بن حافظ المغرب أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله ابن سيد الناس الأندلسي اليعمري المصري الشافعي:
ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وأجاز له النجيب عبد اللطيف وجماعة، وسمع من العز الحراني وغازي الحلاوي وابن الأنماطي وخلق، وقدم دمشق ليالي وفاة٢ ابن البخاري٣ فلم يدركه، وسمع من ابن المجاور ومحمد بن مؤمن والتقي الواسطي وخلق، قال الذهبي: هو أحد أئمة هذا الشأن كتبه بخطه المليح كثيرًا وخرج وصنف وعلل٤ وفرع وأصل، وقال الشعر البديع، وكان حلو النادرة كيس المحاضرة جالسته وسمعت بقراءته وأجاز لي مرويته، ومات فجأة في حادي عشر شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ودفن بالقرافة، وكان أثريًّا في المعتقد يحب الله تعالى ورسوله٥.
قلت ومات عام وفاته بمصر المعمر قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر الأذرعي الشافعي المعروف بالزرعي٦ عن تسع وثمانين سنة، حدث عن ابن عبد الدائم وجماعة، وولي قضاء مصر سنة ثم قضاء دمشق بعد ابن صصري، ومات بحماة الفقيه القدوة نجم الدين عبد الرحمن بن الحسن٧ اللخمي القبابي٨ الحنبلي الزاهد عن ست
_________
١ الدرر الكامنة لابن حجرر العسقلاني ٤/ ٣٣ رقم ٤٥٥٤.
٢ يقول الطهطاوي: هذه عبارة المعجم المختص للحافظ الذهبي، وفي الدرر الكامنة، ورحل إلى دمشق فاتفق وصوله عند موت الفخر بن البخاري فتألم لذلك ا. هـ. وفي طبقات الحافظ ابن رجب في ترجمة الفخر بن البخاري: ورحل إليه أبو الفتح ابن سيد الناس فوجده مات قبل وصوله بيومين فتألم لذلك ا. هـ. ومثله في في المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الأمام أحمد للقاضي مجير الدين أبي اليمن العليمي. وقد جاء في التعليق أن الفخر بن البخاري -هذا- ولد سنة ست وتسعين وخمسمائة. والذي في طبقات الحفاظ ابن رجب والمنهج الأحمد أنه ولد في آخر سنة خمس أو أول سنة ست وتسعين والأمر سهل.
٣ هو فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن قدامه المقدسي المولود سنة ست وتسعين وخمسمائة والمتوفى سنة تسعين وستمائة عرف بابن البخاري؛ لأن أباه أقام ببخاري مدة يشتغل بالخلاف على الرضي النيسابوري كما ذكره ابن رجب في ترجمة والده.
٤ يقول الطهطاوي: وعبارة المعجم المختص "وصنف وصحيح وعلل ... إلخ" وهو المناسب.
٥ ومن مؤلفاته "عيون الأثر في المغازي والسير" و"الفوح الشذي في شرح الترمذي" إلا أنه لم يكمل. قال ابن حجر: ولو اقتصر على فن الحديق من الكلام على الأسانيد لكمل لكن قصده أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد ا. هـ.
٦ ولد بأذرعات وولي قضاء زرع بالضم وكلاهما من أعمال الشام والنسبة إلى الأولى أذرعي وإلى الثانية زرعي فشهر بالنسبة إلى الثانية.
٧ يقول الطهطاوي: والذي في معجم الحفاظ الذهبي وطبقات الحفاظ ابن رجب وشذرات الذهب "عبد الرحمن بن الحسين".
٨ بالكسر نسبة لقباب حماة قاله السخاوي.
1 / 9
وستين سنة، ومات بمصر وكيل بيت المال المعمر المفتي مجد الدين حرمي بن قاسم١ الفاقوسي٢ مدرس قبة الشافعي. مات في عشر التسعين، ومات الصاحب شمس الدين عدنان السلماني بمصر في عشر الثمانين، يقال: أدى في المصادر ألفى ألف درهم.
البرزالي ٣ الشيخ الإمام الحافظ العمدة محدث الشام ومؤرخه ومفيده علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الإشبيلي الأصل الدمشقي الشافعي:
ولد في جماد الآخر سنة خمس وستين وستمائة، وسمع في سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وهلم جرّا حتى مات في رابع ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة محرمًا بخليص٤ وسمع أباه وأحمد بن أبي الخير والشيخ شمس الدين٥ وابن البخاري وابن علان والقاسم الأربلي والعز الحراني٦ وابن الدَرَجي٧، وأكثر عنهم وعن خلق من أصحاب ابن طبرزد والكندي٨ وحنبل وابن الحرستاني، ثم عن خلق من أصحاب ابن ملاعب وابن البن وابن أبي لقمة٩ وغيرهم ثم عن خلق من أصحاب ابن الصباح وابن الزبيدي وابن اللتي وابن باقا، ثم عن خلائق من أصحاب أصحاب السلفي وابن عساكر، ثم من العدد الكبير من أصحاب أصحاب البوصيري وابن كليب والخشوعي وأقرانه وفضلاء زمانه بالحرمين ومصر
_________
١ والذي في الدر الكامنة "حرمي بن هاشم" وله فيها ترجمة. الطهطاوي.
٢ نسبة لفاقوس من الشرقية على ما ذكره السخاوي.
٣ الدرر الكامنة ٣/ ١٤٣ رقم (٣٢٤٢) . والبرزالي نسبة إلى برزالة-بالكسر- بطن من البربر كما جاء في شرح القاموس للزبيدي.
٤ خليص بصيغة التصغير حصن بين مكة والمدينة -معجم البلدان.
٥ ابن أبي عمر المقدسي.
٦ عبد العزيز بن عبد المنعم بن الصيقل المتوفى في سنة ٦٨٦.
٧ بفتح الدال والراء كما ضبطه الدمياطي في مشيخته وهو إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى الدمشقي المترجم هو وأبو في طبقات القرشي. أخذ عنه وعن أبيه الحافظ الدمياطي ولم يدرك البرزالي أباه وخرج لابنه مشيخة.
٨ هو المسند المعمر المحدث المقرئ راوية كتب الأدب العلامة تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي الحنفي المتوفى سنة ثلاث عشرة وستمائة وهو ابن ثلاث وتسعين، جمع بين الرواية والدراية وملأ الدنيا بأسانيد رواياته العالية، قال الحافظ أبو شامة: كان سكنة بدمشق بجيرون بدرب العجمي، فكم ازدحم في ذلك الدرب من شيوخ العلم وطلبه أولاد الملوك وخدمته! ومتي ما أريد اعتبار ذلك فلينظر في الكتب التي عليها طبقات السماع عليه ليعلم جلالة من كان يتردد إليه، وكان واسع الرواية وافر الدراية ا. هـ. وأطراه في ترجمته في ذيل الروضتين كذا الشمس ابن الجزري المقري في طبقات القراء.
٩ هو المسند المعمر أبو المحاسن محمد بن السيد بن فارس الأنصاري الدمشقي الصفار المعروف بابن أبي لقمة المتوفى سنة ٦٣٢ من أربع وتسعين سنة على ما في شذرات الذهب لابن العماد.
1 / 10
ودمشق والقدس وحلب وحماة وإسكندرية وعدة مداين، وأجاز له ابن عبد الدائم والنجيب عبد اللطيف وابن أبي اليسر وابن عزّون، وابن علاق١ وخلق كثير بمعجمه بالسماع وبالإجازة نحو ثلاثة آلاف شيخ، وكتب الكثير من الكتب المطولة والأجزاء العالية المفيدة، وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه، وسمع منه طوائف وحدث عنه خلق في حياته وبعد وفاته، وحج مرات حتى مات، ووقف كتبه وأجزاءه -أحسن الله جزاءه.
أخبرنا الحافظ أبو محمد البرزالي وأبو الحجاج المزي بقراءتي على كل واحد منهما في شوال سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة قالا: أخبرنا المسلم بن علان وأبو الحسن بن البخاري قال: أخبرنا حنبل الرصافي قال: أخبرنا أبو القسم بن الحصين قال: أخبرنا أبو علي بن المذهب٢ قال: أخبرنا أبو بكر القطيعي قال: حدثنا عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: قال: حدثنا الشافعي قال: حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان٣ مولى ابن أحمد بن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: "إن رسول الله ﵌ نهى عن المزابنة والمحاقلة، والمزابنة اشتراء التمر بالتمر في رؤوس النخل، والمحاقلة استكراء الأرض بالحنطة".
رواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ورواه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب كلاهما عن مالك.
وقد مات عام وفاة شيخنا هذا عالم بغداد صفي الدين المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن شمائل٤ البغدادي الحنبلي مدرس البشيرية٥ عن إحدى وثمانين سنة طلب الحديث وعمل مجمعًا وشرح المحرر في ستة أسفار، وحدث عن عبد الله بن أبي الحسن والشرف بن عساكر، وله نظم جيد، ومات بمصر قاضي حلب فخر الدين
_________
١ هو عبد الله بن عبد الواحد المتوفى سنة ٦٧٢.
٢ بضم الميم وسكون الذال المعجمة وكسر الهاء عرف به بعض أجداده على ما قاله ابن السمعاني في الأنساب.
٣ قيل اسمه وهب وقيل قزمان ثقة - تقريب.
٤ وهو صفي الدين أبو الفضائل عبد المؤمن بن الخطيب كمال الدين أبي محمد عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود البغدادي الحنبلي ولد ببغداد في جمادى الآخرة من سنة ٦٥٨ وتوفي بها في صفر من سنة ٧٣٩. وكان مدرسا بالمدرس البشيرية، وهي مدرسة للحنابلة ببغداد وكان والدهم خطيبا بجامع ابن عبد المطلب ببغداد احتسابا. وكان جده يعرف بابن شمائل. وللشيخ صفي الدين مؤلفات منها مختصر تاريخ الطبري ومختصر معجم البلدان الذي سماه مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع. "والطهطاوي".
٥ والمدرسة البشيرية غربي بغداد، ذكره ابن رجب.
٦ والذي في الدرر الكامنة عن عبد الصمد بن أبي الحسن. وفي طبقات الحافظ ابن رجب وشذرات الذهب عن عبد الصمد بن أبي الجيش، وكلا هذين صحيح؛ فإنه مجد الدين أبو الخير عبد الصمد بن أحمد بن عبد القادر بن أبي الجيش بن أبي الحسن بن عبد الله البغدادي "المتوفى بها ٦٧٦ عن ٨٣ سنة" ولكنه يعرف بالثاني أعنى ابن أبي الجيش بالجيم والشين المعجمة. وقد ذكره صفي الدين عبد المؤمن المذكور في مشيخته وقال: هو شيخ بغداد كلها إليه انتهت رياسة القراءات والحديث بها، وكذا الحافظ الدمياطي في معجمة كذا يلتقط من طبقات الحافظ ابن رجب وغيرها. "الطهطاوي".
1 / 11
عثمان بن الخطيب حسين بن علي بن عثمان١ الشافعي عن سبع وسبعين سنة، ومات بدمشق قاضي قضاة الإقليمين٢ جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي في نصف جمادى الأولى وله ثلاث وتسعون سنة٣ ولد بالموصل وتفقه وأفتى ودرس وناظر وتخرج به خلق، ناب في القضاء لأخيه أمام الدين ولابن صصري ثم ولي خطابة دمشق ثم قضاءها ثم قضاء الديار المصرية إحدى عشرة سنة ثم نقل إلى قضاء دمشق، حدث عن الفاروثي وغيره، ومات القاضي الإمام الزاهد بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري ابن الصائغ عن ثلاث وستين سنة حدث عن ابن شيبان والفخر وطائفة، خطب بالمسجد الأقصى ثم تركه، وكان عرض عليه قضاء دمشق وجاءه التقليد فامتنع، ومات بمصر المعمر موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد الشارعي من أبناء التسعين وهو آخر من حدث عن جد أبيه٤ محمد بن عثمان بن مكي، ومات
_________
١ يقول الطهطاوي: وفيه تحريف من قلم ناسخ والأصل "عثمان بن خطيب جبرين علي بن عثمان" ففي طبقات التاج السبكي فقيه حلب وحاكمها ولد سنة ٦٦٢ وتوفي بالقاهرة سنة ٧٣٩ ا. هـ. وفي الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر عثمان بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن إسماعيل الطائي الحلبي فخر الدين بن خطيب جبرين الفقيه الشافعي ... إلى آخر كلامه، وفي تاريخ القاضي زين الدين عمر بن الوردي ما ملخصه: في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة في المحرم توفي بمصر شيخنا قاضي حلب فخر الدين عثمان بن زين الدين علي بن عثمان المعروف بابن خطيب جبرين ... إلى آخر كلامه. وفي موضعين من شذرات الذهب ما ملخصه: قاضي حلب فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبراهيم بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب الطائي الحلبي الشافعي المعروف بابن خطيب جبرين ولد في ربيع الأول من سنة ٦٦٢ وتوفي بالقاهرة في المحرم من سنة ٧٣٩ كما جزم به الإسنوي وابن قاضي وشهبة وغيرهما ا. هـ. فانظر كيف صنع قلم الناسخ من التحريف ما صنع! والله ﷾ أعلم. وجبرين بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة وكسر الراء قرية من قرى حلب.
٢ يعني القطرين مصر والشام.
٣ يقول الطهطاوي: والصواب "ثلاث وسبعون سنة" كما عبر الحافظ الذهبي في دول الإسلام والعفيف اليافعي في مرآة الجنان؛ لأنه ولد سنة ست وستين وستمائة كما في الدرر الكامنة وطبقات الشافعية للتقي أبي بكر بن قاضي شهبة وغيرهما. وقد كثر بين النساخ تحريف السبع بالتسع والسبعين بالتسعين والعكس، والحسن بالحسين والعكس وأمثال ذلك.
٤ سماعًا.
1 / 12
بدمشق المفتي زين الدين عباد١ الحنبلي عن ثمان وستين سنة حدث بالصحيح عن القاسم الإربلي وولي العقود والفسوخ، ومات شيخ بلاد الجزيرة القدوة شمس الدين محمد بن محمد بن عبد العزيز٢ ابن الشيخ عبد القادر الجبلي ببلاد سنجار عن تسع وثمانين سنة، حدث عن الفخر وغيره، ومات العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري٣ الدمشقي صاحب التاريخ الكبير٤ في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة، روى عن إبراهيم بن أحمد والفخر بن البخاري وكان به صمم -رحمه الله تعالى.
أبو حيان التوحيدي الأندلسي ٥ محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفزي ٦ الجباني الأندلسي، ثم المصري الشيخ الإمام العلامة المحدث البارع ترجمان العرب ولسان أهل الأدب أثير الدين الغرناطي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الظاهري المذهب ٧:
_________
١ يقول الطهطاوي: وصوابه "عبادة" وهو الفقيه المفتي زين الدين أبو سعد وأبو محمد عبادة بن جمال الدين عبد الغني بن منصور بن عبادة الحراني ثم الدمشقي الحنبلي الشروطي. ولد في رجب من سنة ٦٧١ وتوفي في شوال من سنة ٧٣٩ سمع من القاسم الإربلي وأبي الفضل ابن عساكر وجماعة، وكان يلي العقود والفسوخ ويكثر الكتابة في الفتاوى، كذا يستفاد من معجم الحافظ الذهبي وطبقات الحافظ ابن رجب.
٢ وقد سقط منه اسم جده فإنه شمس الدين أبو الكرم محمد المعروف بالأكحل بن حسام الدين أبي الفضل محمد الملقب بشرشيق بن الجمال أبي عبد الله محمد بن الشمس أبي بكر عبد العزيز بن القطب محي الدين عبد القادر الجبلي -رضي الله تعالى عنه- وقد ولد شمس الدين أبو الكرم محمد المذكور في بلدة الحيال في شهر رمضان من سنة ٦٥١ وتوفي بها في ذي الحجة من سنة ٧٣٩. وقد سمع بدمشق من الفخر بن البخاري وبغيرها من غيره، كما ذكره الحافظ الذهبي في ذيل تاريخ الإسلام. والحيال بالحاء المهملة المكسورة والمثناة التحتية الخفيفة، واللام بلدة من بلاد سنجار وبها قبر والده وجده وجد والده. وقد نزلها جد والده عبد العزيز في حدود سنة ثمانين وخمسمائة. "الطهطاوي"
٣ "الجزري الدمشقي ... إلخ" هو شمس الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري الدمشقي صاحب التاريخ المشهور. سمع من الفخر بن البخاري وإبراهيم بن أحمد بن كامل المقدسي والتقي الواسطي والحافظ الدمياطي والتقي بن دقيق العيد وغيرهم "الطهطاوي".
٤ وسمي تاريخه الكبير بحوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه على ما يقوله الحافظ الشمس ابن طولون؛ حيث ينقل عنه في المجلد الأول من الفهرست الأوسط له، وقال ابن حجر: جمع تاريخًا مشهورًا، وله شعر وسط وخرج له البرزالي مشيخة. قال الذهبي: كان حسن المذاكرة سليم الباطن صدوقًا في نفسه لكن في تاريخه عجائب وغرائب ا. هـ. والقطب اليونيني كثير النقل عن تاريخه في ذيله على مرآة الزمان لبسط ابن الجوزي.
٥ الدرر الكامنة ٤/ ١٨٥ (٤٨١٢) .
٦ نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر قاله ابن العماد في شذرات الذهب.
٧ قال ابن حجر: حضر مجلس الشمس الأصبهاني وكان ظاهريًّا وانتمي إلى الشافعية واختصر المنهاج، وكان أبو البقاء يقول: إنه لم يزل ظاهريًّا. قلت: كان أبو حيان يقول: محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه، وكان سالمًا في العقيدة من البدع: الفلسفة والاعتزال والتجسيم ا. هـ.
1 / 13
ولد سنة أربع وخمسن وستمائة في أواخر شوال بمطخشارش، وهي مدينة مسورة من أعمال غرناطة، ونشأ بغرناطة وقرأ بها القراءات والنحو واللغة وسمع كثيرًا، ونظم وأقرأ بها العربية من سنة أربع وسبعين وما بعدها، وسمع أيضًا بالمالقة والمرية والجزيرة الخضراء وجبل الفتح وغيرها، ثم ارتحل عن الأندلس في أول سنة سبع وسبعين وسمع بسبتة وبجاية وتونس والإسكندرية وقرأ بها القراآت أيضًا، وحج في هذه السنة فسمع بمكة ومنًى ورجع على جدة فسمع بها وبعيذاب١ وقوص، ثم قدم مصر في سنة ثمانين وستمائة فسمع بها الكثير من مشيخة وقته، وقرأ بها أيضًا القراآت العربية، وتصدر بها لإقراء العربية بالجامع الحاكمي والجامع الأقمر، ودرس التفسير بالجامع الطولوني والقبة المنصورية، ثم أضيف إليه مشيخة الحديث بها أيضًا فباشر هذه الوظائف كلها حتى مات، وأمضي أكثر عمره على الإقراء والتصنيف وقرأ عليه الأئمة الكبار وتتلمذوا له وأكثروا من كتبت تصانيفه في حياته والأخذ عنه، وممن سمع عليه الحديث بغزناطة الأستاذ أبو جعفر أحمد بن الزبير وأبو جعفر بن بشير٢ وابن الطباخ٣ أبو علي بن أبي الأحمر٤ وأبو الحسن بن الصائغ٥ وغيرهم، وبمالفة أبوعبد الله محمد بن عباس القرطبي، وببجاية أبو عبد الله محمد بن صالح الكناني، وبتونس أبو محمد عبد الله بن هارون وأبو يعقوب يوسف بن إبراهيم بن عتاب، وبالإسكندرية عبد الوهاب بن حسن بن الفرات روى له بالإجازة عن الصيدلاني وابن
_________
١ عيذاب بالفتح فالسكون ثم ذال معجمة وآخره باء موحدة بليدة على ضفة بحر القلزم هي مرسي المراكب التي تقدم من عدن إلى الصعيد.
٢ يقول الطهطاوي: هو أبو جعفر أحمد بن سعيد بن أحمد بن بشير الأنصاري المقرئ كما ذكره أبو حيان في الإجازة التي كتبها للصلاح الصفدي المذكور بكمالها في تاريخه أعيان العصر وأعوان النصر.
٣ "وابن الطباخ" بالخاء المعجمة وصوابه "وابن الطباع" بالعين المهملة كما في طبقت التاج السبكي وتاريخ الصلاح الصفدي والدرر الكامنة وبغية الوعاة وغيرها. وهو الأستاذ المقرئ الحافظ الخطيب أبو جعفر أحمد بن علي بن محمد المعروف بابن الطباع الغزناطي "المتوفى سنة ثمانين وستمائة" وقد قرأ حيان عليه الموطأ. "الطهطاوي".
٤ وصوابه "ابن أبي الأحوص" كما في الإجازة المذكورة وطبقات التاج السبكي وتاريخ الصلاح الصفدي والدر الكامنة وبغية الوعاة وغيرها. هو الحافظ أبو علي الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبيد العزيز بن محمد بن المعروف بابن أبي الأحوص الجياني ثم الغرناطي "المتوفى بها سنة تسع وسبعين وستمائة" وهو شيخ أبي حيان في الحديث والتفسير وغيرهما. "الطهطاوي"
٥ وصوابه "أبو الحسن بن الضائع" بالضاد المعجمة والعين المهملة فإن هذا هو شيخ أبي حيان وهو أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي الإشبيلي المعروف بابن الضائع شارح كتاب سيبويه "المتوفى سنة ثمانين وستمائة" وأما ابن الصائغ بالصاد المهملة والغين المعجمة فهو تلميذ أبي حيان وهو شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي الزمرذي المصري شارح ألفية ابن مالك "المتوفى سنة ست وسبعين وسبعمائة" "الطهطاوي".
1 / 14
ياسين والارتاحي١ وأبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن فارس حدثه عن الكندي، وبمكة ومنى وأبو الحسن علي بن صالح الحسيني ويوسف بن إسحاق الطبري نبأه عن ابن البنا، وشيوخه بالقاهرة ومصر كثيرون منهم عبد العزيز ابن الصيقل الحراني ومحمد بن إسماعيل بن الأنماطي وعبد الرحمن بن خطيب المزة٢ وغازي الحلاوي محمد بن إبراهيم بن ترجم٣ وشامية بنت البكري والحافظ شرف الدين الدمياطي فأكثر عنه وعن خلق، ومن عيون تصانيفه "البحر المحيط" في التفسير و"شرح التسهيل" وهما كبيران جدًّا و"ارتشاف الضرب من لسان العرب"و"التجريد لأحكام سيبويه" وكتاب التذكرة نحو ثلاثة مجلدات، ومن الكتب الصغار ما ينيف على أربيعن تصنيفًا وغالبها في القراءات والعربية، قال الذهبي: هو الإمام العلامة ذو الفنون حجة العرب عالم الديار المصرية صاحب التصانيف البديعة، وله عمل جيد في هذا الشأن وكثرة طلب، وقال العلائي: كان علامة كثير النقل والاطلاع جدًّا إلى ما لا يوصف لكنه ظاهري التصرف جامد في البحث وكان لسانه مسترسلًا في الوقيعة في الناس جدًّا إلى آخر عمره لا يتورع عن ذكر أحد سواء كان من أئمة الإسلام المتقدمين أو المتأخرين، فالله تعالى يسامحه ولم يقلع عن ذلك إلى آخر وفاته قال: وسمعت منه أشياء من ذلك بشعة وكانت وفاته٤ في ثاني عشر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة ودفن بمقابر الصوفية.
قلت: أجاز لي مروياته بخطه في آخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة وهو ضرير البصر.
أنبأنا الحافظ أثير الدين أبو حيان النفزي وحدثني عنه الحافظ صلاح الدين خليل العلائي قال: أخبرنا الأديب الكاتب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هارون الطائي قراءة مني عليه بمدينة تونس ضحى يوم الجمعة السادس عشر لجمادى الأولى سنة تسع وسبعين وستمائة.
_________
١ نسبة إلى "ارتاح البصر" من أعمال قيسارية بساحل الشام بها رد على يعقوب ﵇ بصره نقله الداودي عن المقريزي كما في ذيل لب اللبان لأبي العباس أحمد بن العجمي، وإليها ينسب أبو عبد الله محمد بن أحمد المتوفى سنة ٦٠١، وحفيد أخيه أبو الكرم لاحق بن عبد المنعم المتوفى سنة ٦٥٨، وسبط أبي عبد الله أحمد بن حامد المتوفى ٦٥٩، وارتاح بفتح الهمزة وسكون الراء قلعة بحلب ينسب إليها جماعة من القدماءإلى ما في المعجم والمراصد، والظاهر أن ضبطهما واحد، ولم يعدهما الذهبي من المشتبه مع كثرة من نسب إليهما من الرواة.
٢ يقول الطهطاوي: وصوابه "عبد الرحيم" كما في كلام غير واحد. وهو شهاب الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى بن أحمد بن سليم المعروف بابن خطيب المزة الموصلي الأصل الدمشقي نزيل القاهرة "المتوفى سنة سبع وثمانين وستمائة عن تسع وثمانين سنة" وسيأتي ذكره على الصواب في ذيل الحافظ تقي الدين بن فهد في الصفحة "٥٣" والصفحة "٥٨" والصفحة "٥٧" والصفحة "١١٨".
٣ المتوفى سنة ٦٩٢ وفي مشتبه الذهبي: ترجم بمثناة وجيم مشكولتين بالفتح المعمر محمد بن ترجم راوي الترمذي بالقاهرة عن ابن البناء ا. هـ.
٤ بمنزله بظاهر القاهرة، وفيما ذكره العلائي بعض تحامل -سامحهما الله.
1 / 15
ونقل لنا أنه اختلط بآخره، قال: أخبرنا قاضي الجماعة الفقيه على مذهب أهل الحديث أبو القاسم أحمد بن أبي الفضل المخلدي البقوي وهو آخر من حدث عنه السماع قال: أخبرنا أبو عبد الله بن عبد الحق الخزرجي وهو آخر من حدث عنه قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن فرج مولى ابن الطلاع قال: حدثنا يونس بن مغيث قال: حدثنا أبو عيسى١ قال: حدثنا أبو مروان٢ قال: حدثنا يحيى بن يحيى قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر ﵄ قال: إن رسول الله ﷺ قال: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" ٣. هذا حديث جيد الإسناد رجاله كلهم علماء، وهم بين قرطبي ومدني فمن شيخنا إلى يحيى بن يحيى قرطبيون ومن مالك ألى ابن عمر مدنيون، وقد رواه مسلم عن يحيى موافقة، ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف وعن قتيبة كلاهما عن مالك ﵀.
وقد مات عام خمس وأربعين بدمشق الإمام العلامة قاضي القضاة جلال الدين أبو المفاخر أحمد بن قاضي القضاة حسام الدين أبي الفضائل الحسن بن أحمد بن الحسين٤ ابن أنوشروان الرازي الحنفي عن ثلاث وتسعين سنة ولي قضاء دمشق وحدث عن ابن المجاور، ومات بطرابلس المجد السني٥ محمد بن عيسى بن يحيى المصري ثم الدمشقي الصوفي عن اثنتين وسبعين سنة حدث بالترمذي عن ابن ترجم، ومات بدمشق شيخ الأدب نجم الدين علي بن داود اليحياوي٦ الحنفي خطيب جامع تنكز، وماتت
_________
١ يحيى بن عبد الله بن يحيى القرطبي.
٢ عبيد الله بن يحيى القرطبي أخو جد أبي عيسى المتقدم.
٣ رواه البخاري في كتاب الآذان باب ٣٠، ومسلم في المساجد حديث ٢٤٩.
٤ يقول الطهطاوي: وصوابه ابن الحسن. كما في الدرر الكامنة وعدة مواضع من الجواهر المضية وطبقات الكفوي. وما ذكره المؤلف من أن وفاة جلال الدين أبي المفاخر المذكور كانت في سنة ٧٤٥هـ الصواب الموافق لما في الدرر الكامنة والجواهر المضية وغيرهما، وقد قال صاحب الدرر الكامنة في ترجمته: وكتب الخطب المنسوب على الولي الذي كان ببلاد الروم ومات ٦٩١ ثم قال في آخر ترجمته: وكانت وفاته في تاسع عشر رجب من سنة ٧٤٥ ا. هـ. وبهذا يعلم ما في كلام صاحب الفوائد البهية في تراجم الحنفية من الغلط الفاحش الناشئ من اختصاره عبارة الدرر الكامنة وعدم النظر إلى ما في آخرها من تاريخ وفاة المترجم فتأمل، والله الهادي.
٥ قال الطهطاوي: وصوابه "السبتي" كما في معجم الحافظ الذهبي طبقات الحفاظ له في ترجمة والده وكذا في الدرر الكامنة في ترجمته وترجمة أخته أَمة الرحيم. وهو مجد الدين أبو الخطاب محمد بن الشيخ المحدث ضياء الدين عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد بن مسعود الأنصاري السبتي الأصل المصري ثم الدمشقي. ولد بمصر سنة ٦٧٢ وسمع من ابن ترجم جامع الترمذي وتحول إلى دمشق فسكنها وولي بها مشيخة دروس جمة، وحدث ومات في جمادى الآخرة من سنة ٧٤٥. وأما والده ضياء الدين عيسى فقد توفي بالقاهرة في سنة ٦٩٦ عن ٨٣ سنة كما في معجم الحافظ الذهبي.
٦ قال الطهطاوي: وصوابه "القحفازي" بالقاف والحاء المهملة والفاء والزاي كما يعلم من الجواهر المضية في باب الأنساب. وهو شيخ النحاة والأدباء بدمشق في عصره نجم الدين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة القرشي الزبيري القحفازي الدمشقي الحنفي وله ترجمة في الدرر الكامنة وفوات الوفيات والجواهر المضية وبغية الوعاة وشذرات الذهب ولكن ليس فيها بيان هذه النسبة ولعل أحد آبائه لقب بالقحفاز من القحفزة هي سرعة المشي فتنسب إليه، والله أعلم.
1 / 16
ببعلبك المعمرة أَمة العزيز بنت الحافظ شرف الدين أبي الحسن١ اليونيني٢ عن سن عالية حدثت عن الشيخ شمس الدين وابن علان ونصر الله بن حواري٣ وغيرهم، ومات بالصالحية المعمر زين الدين عبد الرحمن بن حسن بن مناع التكريتي عن نحو تسعين سنة حدث عن ابن عبد الدائم وغيره، ومات بها أيضًا المعمر عثمان بن سالم بن خلف البلدي٤ وقد جاوز المائة حدث بصحيح مسلم عن ابن عبد الدائم، ومات بدمشق الإمام المفتي أبو عمرو أحمد بن أبي الوليد محمد بن أحمد المالكي عن بضع وسبعين سنة حدث عن ابن البخاري وغيره، ومات بالقاهرة كبير الأمراء وعالمهم سنجر الجاولي المنصوري حدث بمسند الشافعي٥ عن دانيال قاضي الكرك، ومات بدمشق قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن النقيب الشافعي عن بضع وثمانين صاحب النواوي وحدث عن ابن البخاري وغيره، ومات ببرزة خطيبها الصدر سليمان بن أحمد بن علي اليانياسي عن إحدى وثمانين سنة حدث ابن البخاري، وماتت بالصالحية المعمرة حبيبة بنت إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسية عن إحدى وتسعين سنة حدثت عن ابن عبد
_________
١ قال الطهطاوي: وصوابه "أبي الحسين" لأن هذه كنية شرف الدين على ابن الشيخ الفقيه اليونيني كما في معجم الحافظ الذهبي وطبقات الحفاظ له والدرر الكامنة وغير ذلك سيأتي ذكرها على الصواب في ذيل التقي بن فهد في الصفحة "٢٥٧" وابنته أمة العزيز المذكورة أكبر بناته ولدت سنة ٦٥٧ وعمرت ٨٨ سنة.
٢ نسبة إلى يونين من قرى بعلبك، وفي المراصد والقاموس يونان بالضم قرية بها فعلى الثاني النسبة شاذة والقياس يوناني، ويونان أيضًا قرية بين بردعة وبيلقان كما في ذيل لب اللباب.
٣ هو الشيخ شرف الدين نصر الله بن عبد المنعم بن حوراي التنوخي الدمشقي الحنفي المتوفى سنة ٦٧٧هـ ذكره الذهبي.
٤ والذي في معجم الحافظ الذهبي ومعجم التاج السبكي أبوعمر عثمان بن سالم بن خلف بن فضل البدي الصالحي الحنبلي ولد بقرية بديا من قرى الساحل ا. هـ. وبديا بفتح الباء الموحدة وكسر الدال المهملة المشددة وبعدها مثناة تحتية وألف مقصروة كما هو مضبوط بالقلم في المعجمين المذكورين.
وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: عثمان بن سالم بن خلف بن فضل الله بن أبي بكر البذي المقدسي الصالحي ثم قال: وهو منسوب إلى بذا بفتح الموحدة وتشديد الذال المعجمة مقصورًا قرية من الساحل ا. هـ. وبهذا يعرف أن كلمة البلدي محرفة وصوابها البدي بتشديد الدال المهملة أو الذال المعجمة، والله أعلم. وفي معجم البلدن في باب الباء والدال المهملة بدا بالفتح والقصر وادٍ قرب أيلة من ساحل البحر ا. هـ. ولم يضبط الدال بالتخفيف ولا بالتشديد. "الطهطاوي".
٥ وله شرح كبير على مسند الشافعي جمع فيه بين شرحي الرافعي وابن الأثير.
1 / 17
الدائم وغيره وأجاز لها محمد بن عبد الهادي١ والحسن البكري وطائفة، وفي ربيع الأول منها قتل السلطان الملك أحمد بن الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك -رحمه الله تعالى.
أبو محمد بن المحب ٢ الشيخ الإمام العالم الزاهد المحدث المفيد الحافظ محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المقدسي الأصل الصالحي الحنبلي:
ولد في المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأسمعه أبوه من ابن البخاري وابن العقاب٣ وبنت مكي وجماعة من الموجودين حينئذ، ثم طلب هو بنفسه في سنة ثمان وتسعين فأكثر عن عمر القواس والشرف بن عساكر والغسولي٤ فمن بعدهم، وعني بهذا الشأن وجمع وخرج وأفاد وسمع أولاده وكان فصيحًا بليغًا سريع القراءة، إذا حضر مع مشيختنا المزي والبرزالي والذهبي وتلك الحلبة لا يتقدمه أحد في القراءة وكان كثير التلاوة متين الديانة مات في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ودفن بقرب الموفق٥ -رحمه الله تعالى- وكانت جنازته مشهودة، حدث عنه الذهبي في معجمه.
أخبرنا أبو الحسن علي الكاكوني٦ سماعًا عليه في سنة خمس وعشرين وسبعمائة قال: أخبرنا أبو البركات عبد الله بن محمد المصري إجازة وحدثنا الحافظ محب الدين. المقدسي يومئذ قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن القزاز بقراءتي قال: أخبرنا أبو الفضل الجمال السعدي قال: حدثنا الحافظ أبو طاهر السلفي قال: حدثنا أبو مطيع محمد بن
_________
١ المتوفى سنة ٦٥٨ كما في الشذرات وهو الكبير وأما محمد بن عبد الهادي الصغير فسيأتي وهو متأخر بكثير.
٢ ولفظ ابن رجب: أسمعه والده من الفخر ابن البخاري وابن الكمال وزينب بنت مكي وجماعة.
٣ الدرر الكامنة ٢/ ١٤٩ (٢١١٠) .
٤ نسبه إلى غَسوله بفتح الغين المعجمة قرية من قرى دمشق كما في معجم البلدان وغيره وهو المسند المعمر يوسف بن أحمد الغسولي المتوفى سنة سبعمائة وعاش ثمانيًا وثمانين سنة روى عن الموفق وغيره وهو أيضًا من مشايخ الذهبي وطبقته، كان أميًّا لا يكتب ذكره ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب.
٥ بسفح قاسيون بصالحية دمشق.
٦ يقول الطهطاوي: وصوابه "السكاكري" وهو علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن أبي القاسم المعروف بابن السكاكري العدوي الدمشقي الصالحي الشروط "المتوفى في المحرم من سنة ست وعشرين وسبعمائة عن ثمانين سنة" وقد ذكره الحافظ الذهبي في معجمه والصلاح العلائي في فهرست مروياته، والحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة وصاحب شذرات الذهب.
1 / 18
عبد الواحد المصري إملاءً بأصبهان قال: أخبرنا علي بن يحيى بن عبد كويه٢ قال: أخبرنا أحمد بن سهل العسكري بالبصرة قال: حدثنا مسدد وعبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ﵁ قال: قال: رسول الله ﵌: "م امنكم من أحد ينجيه عمله". قالوا: "ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمته" رواه مسلم٣ في صحيحه من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة ﵁ بمعناه وخالد هو الحذاء ﵀.
ابن الفخر ٤ الإمام العالم الحافظ فخر الدين أبو محمد بن عبد الرحمن ابن الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد بن الإمام فخر الدين أبي محمد عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي ثم الدمشقي الحنبلي:
ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وحضر٥ في الثانية على ابن البخاري وسمع من تقي الدين الواسطي وعمر بن القواس وجماعة، ثم طلب بنفسه، فسمع أبا الفضل ابن عساكر وخلقا، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: تفقه وطلب هذا الشأن وارتحل فيه مرات وكتب العالي والنازل من سنة خمس وسبعمائة وهلم جرّا وخرج وأفاد الخاصّة والعامّة، سمع مني وسمعت منه وتوفي في ذي القعدة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
قلت: وفيها مات الملك المؤيد صاحب حماة وصاحب التاريخ، وقاضي الشام علم الدين الإخنائي٦ الشافعي، وكبير الأمراء بكتمر الساقي.
أخبرنا الحافظ أبوعبد الله الذهبي بقراءتي، عليه أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن علي قال: أخبرنا داود بن ملاعب قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن علي العباسي قال: أخبرنا عمر بن أحمد الواعظ قال: حدثنا أحمد بن القسم بن نصر قال: حدثنا أبو همام قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله عن نافع عن
_________
١ وهو الشيخ الذي انتهى إليه علو الإسناد بأصبهان أبو مطيع محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز بن أحمد المصري الأصل المديني ثم الأصبهاني "المتوفى سنة ٤٩٧ وهو في عشر المائة" وله جزء حديثي رواه عنه الحافظ السلفي بأصبهان في ثاني شعبان من سنة ٤٨٨. "الطهطاوي".
٢ قال الطهطاوي: هو أبو الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن كويه الأصبهاني إمام جامعها "المتوفى ٤٢٢".
٣ رواه البخاري في الرقاق باب ١٨. ومسلم في المنافقين حديث ٧١-٧٣.
٤ الدرر الكامنة ٤/ ٢٠٨ (٢٣٥٠) .
٥ قال الطهطاوي: والذي في طبقات الحافظ ابن رجب "وسمع من ابن البخاري في الخامسة" ومثله في المنهج الأحمد والدرر الكامنة والرد الوافي وشذرات الذهب أي في السنة الخامسة من عمره وهي سنة وفاة البخاري والجمع بينهما ممكن
٦ بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة على ما في الضوء اللامع وغيره.
1 / 19
ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﵌: "الذي يجر ثوبه خيلا، لا ينظر الله إليه يوم القيامة" ١.
تابعه أبو أسامة وغيره وراه النسائي عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن الفضل عن عبد الله بن عمر بنحوه ورواه البخاري عن عروة.
ابن المظفر ٢ الشيخ الإمام العالم الحافظ المتقن الحجة المفيد شهاب الدين أبو العباس أحمد بن المظفر بن محمد بن المظفر بن بدر بن الحسن بن مفرح بن بكار النابلسي الأصل المكي الدمشقي الشافعي سبط الحافظ زين الدين خالد:
ولد في رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة وسمع زينب بنت مكي والشيخ تقي الدين بن الواسطي وعمر بن القواس والشرف بن عساكر وخلقًا كثيرًا وعني بهذا الشأن دهرًا، حدث عنه الذهبي في معجمه٣، سمع منه قديمًا سنة ثلاث وتسعين وقال: له فهم ومعرفة وحفظ على شراسة أخلاقه٤. قلت: ولي مشيخة العزية والنفيسية ومات في دمشق في ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وكان يحفظ ويذاكر.
أخبرنا أبو العباس بن المظفر الحافظ بقراءتي عليه في سنة أربع وأربعين وسبعمائة قال: أخبرتنا زينب بنت مكي سماعًا عليها في شوال سنة أربع وثمانين وستمائة قال: أخبرنا حنبل المكبر٥ قال: أخبرنا أبو القاسم الشبياني٦ قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي٧ قال:
_________
١ رواه مسلم في اللباس حديث ٤٢، ٤٣- ٤٦. وأبو داود في اللباس باب ٢٥- ٢٧.
٢ الدرر الكامنة ١/ ١٨٦ (٧٩٩) .
٣ يقول الطهطاوي: قال الحافظ العراقي في شرح ألقيته: قد حدث شيخنا الحافظ أبو العباس أحمد بن المظفر سنة ثماني عشرة سنة سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحدث عنه في معجمه بحديث من الأفراد للدارقطني وقال عقبه: أملاه علي بن مظفر وهو أمرد.
٤ وفي الدرر الكامنة قال الذهبي في حق ابن المظفر: الحافظ المحرر أكب على الطلب زمانًا وترافقنا مدة وكتب، وخرج وفي خلقه زعارة وفي طباعه نفور، ثم قال: وعليه مآخذ وله محاسن ومعرفة، وفي المعجم الكبير: له معرفة وحفظ على شراسة خلق ثم صلح حاله، قال البرزالي: محدث فاضل على ذهنه فضيلة وفوائد كثيرة تتعلق بهذا الفن ثم ترك وانقطع وكان تفرد بأجزاء وأشياء، لم يتزوج قط ا. هـ.
٥ هو الشيخ المسند راوي مسند الإمام أحمد أبو علي حنبل بن عبد الله بن الفرج البغدادي الرصافي المكبر المتوفى سنة أربع وستمائة وهو ابن تسعين سنة ترجمه أبو شامة في ذيل الروضتين.
٦ هو أبو القاسم هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحصين الشيباني المتوفى سنة خمس وعشرين وخمسمائة وهو ابن أربع وتسعين سنة على ما بيّنه الحافظ ابن طولون الحنفي في الفهرست الأوسط.
٧ هو أبو علي الحسن علي بن محمد التميمي المعروف بابن المذهب، توفي سنة أربع وأربعين وأربعمائة عن تسع وثمانين سنة ذكره الشمس ابن طولون.
1 / 20
أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي١ قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا سفيان قال: أخبرني عبد الله أنه سمع ابن عباس ﵄ يقول: أنا ممن قدم النبي ﵌ ليلة المزدلفة في ضعفاء أهله، وبه قال: حدثنا سفيان عن أبي الزبير سمعه من جابر ﵁ قال: "كان ينبذ للنبي ﷺ في سقاء فإذا لم يكن سقاء فَتَوْرٌ٢ من حجارة" رواه مسلم عن أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى وأبو داود عن النفيلي ثلاثتهم عن زهير ابن الزبير ﵄.
_________
١ نسبة إلى قطيعة الرقيق ببغداد وهو الشيخ أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله القطيعي توفي سنة سبع وستين وثلثمائة عن ست وتسعين سنة كما في الفهرست الأوسط.
٢ التور بالتفح إناء من صفر أو حجارة كالإجانة وقد يتوضأ منه- نهاية ابن الأثير.
1 / 21
الطبقة الثالثة والعشرون وعدتهم خمسة:
الذهبي ١ الشيخ الإمام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث الشام ومؤرخه ومفيده شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي ٢ الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بالذهبي مصنف الأصل:
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بدمشق وسمع الحديث في سنة اثنتين وتسعين وهلم جرّا وسمع بدمشق من أبي حفص عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر وخلق، وبمصر الأبرقوهي٣ وبالقاهرة الدمياطي، وبالثغر الغرّافي٤، وببعلبك التاج عبد الخالق، وبحلب سنقر الزيني، وينابلس العماد بن بدران وبمكة التوزري، وأجاز له خلق من أصحاب ابن طبرزد والكندي وحنبل وابن الحرستاني وغيرهم من شيوخه في معجمه الكبير أزيد من ألف ومائتي نفس بالسماع والإجازة، وخرج لجماعة من شيوخه وجرح وعدل وفرع وصحح وعلل واستدرك وأفاد وانتقى واختصر كثيرًا من تآليف المتقدمين والمتأخرين وكتب علما كثيرا، وصنف الكتب المفيدة فمن أطولها "تاريخ الإسلام" ومن أحسنها "ميزان الاعتدال في نفد الرجال" وفي كثير من تراجمه اختصار يحتاج إلى تحرير٥ ومصنفاته ومختصراته وتخريجاته تقارب المائة وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان، وكان أحد الأذكياء المعدودين والحفاظ المبرزين ولي مشيخة الظاهرية قديما ومشيخة النفيسية والفاضلية
_________
١ الدرر الكامنة ٣/ ٢٠٤ (٣٥٢٧) .
٢ نسبة إلى ميافارقين.
٣ بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء نسبة إلى أبرقوه بأصبهان وهو أحمد بن إسحاق المتوفى سنة ٧٠١ على ما في شذرات الذهب.
٤ قال الذهبي في المشتبه: الغرّاف بفتح المعجمة وتشديد الراء بليدة ذات بساتين آخر البطائح وتحت واسط وإليهما ينسب شيخنا تاج الدين علي بن أحمد العلوي الغرّافي محدث الإسكندرية.
٥ قال السخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ عند ذكر الميزان: عول عليه من جاء بعده مع أنه تبع ابن عدي في إيراد كل من تكلم فيه ولو كان ثقة ولكنه التزم أن لا يذكر أحدًا من الصحابة ولا الأئمة المتبوعين، وقد ذيل عليه الزين العراقي في مجلد والتقط شيخنا "يعني ابن حجر" منه من ليس في تهذيب الكمال وضم إليه ما فاته في الرواة وتراجم مستقلة مع انتقاد وتحقيق في كتابه لسان الميزان وقد حققته عليه ولي عليه بعض الزوائد ا. هـ..
1 / 22
والتنكزية وأم الملك الصالح ولم يزل يكتب وينتقي ويصنف حتى أضر في سنة إحدى وأربعين، ومات في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة فى سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق ودفن بمقبرة الباب الصغيرة -رحمه الله تعالى- وكان قد جمع القراآت السبع على الشيخ أبي عبد الله بن جبريل المصري نزيل دمشق، فقرأ عليه ختمة جامعة لمذاهب القراء السبعة بما اشتمل عليه كتاب التيسير لأبي عمرو الداني وكتاب حرز الأماني لأبي القاسم الشاطبي وحمل عن الكتاب والسنة خلائق، والله تعالى يغفر له.
أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي سماعًا عليه سنة إحدى وأربعين وسبعمائة قال: أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي سماعًا عليه بمصر سنة خمس وتسعين وستمائة قال: أخبرنا أبو القاسم المبارك بن أبي الحسن بن أبي القاسم بن أبي الجود قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي غالب الوراق قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأنماطي قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المُخلِّص١ قال: حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي٢ قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة ﵁ قال: إن النبي ﵌ قال: "إن رجلًا زار أخًا له في قرية فأرصد الله ﷿ بمدرجته ملكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أردت أخًا لي فيه قرية كذا وكذا. قال: هل لك عليك من نعمة تبربها؟ قال: لا، إلا أني أحبه في الله تعالى. قال: إني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه" رواه مسلم ٣ عن عبد الأعلى، فوافقناه بعلو ولله الحمد.
وأنشد سيدنا الإمام العالم العلامة قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب ابن شيخنا العلامة شيخ الإسلام تقي الدين أبي الحسن علي بن عبد الكافي السبكي قال: أنشدنا أبو عبد الله الذهبي الحافظ لنفسه:
تولى شبابي كأن لم يكن ... وأقبل شيب علينا تولى
ومن عاين المنحني والنفي ... فما بعد هذين إلا المصلي
وفي سنة ثمان وأربيعن مات بدمشق قاضي القضاة وشيخ الشيوخ شرف الدين أبو عبد الله محمد ابن القاضي معين الدين أبي بكر بن الحسام الأفرم بن عبد الوهاب
_________
١ بضم الميم وكسر اللام المشددة أبو طاهر الذهبي، وبالمخففة جماعة على ما في مشتبه الذهبي، ولم يذكر ابن حجر الأول في نزهة الألباب في الألقاب.
٢ نسبة إلى جده نصر وكانت الفرس يقولون نرس فلا يفصحون به فغلب عليه كما في المشتبه.
٣ في كتاب البر حديث ٣٨.
1 / 23