بإعطائه إيَّاه هذه الثلاثة، وحمد من استعملها، وذم من أهملها فقال (سبحانه): (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)،
وقال في ذم من لا ينتفع بها: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)
وقال: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)
أي لا يفهمون.
المعنى أنهم لا يسمعون الأصوات أو لا ييصرون الذوات، وجعلهم بكمًا من حيث إنهم لا يوردون معنى مستنبطًا بالفكر مدركًا بالعقل.
واعلم أن السمع والبصر كالأخوين يخدم كل واحد منهما صاحبه في إدراكه، فقد ينوب السمع عن البصر في إبلاغ القلب بما يأخذه عن اللفظ فيدرك في ساعة ما لا يدركه البصر في برهة، وينوب البصر عن السمع في إبلاغ القلب بمطالعة الكتب ما لا يدركه السمع في مدة سيما إذا كان المخاطب ناقص العبارة، أو غير متثبت في الكلام، أو دق المعنى وغمض عن الإفهام.
تعاون القوى الروحانية وحيفية إدراكها
القوى الروحانية متعاونات في إدراكهن لرسوم المعلومات، فإن الخيال يتصور عن المحسوس فتبقى فيه صورته الروحانية فينتقش بها كما تنقش الشمع بصورة الختم، ثم يأخذها الفكر، فيميز بعضها عن بعض بنور العقل، فيبحث عن خواصها ومنافعها، ومضارها، ثم يؤديه إلى القوة الحافظة، فإن أراد إبرازه قولًا سلط عليه القوة الناطقة
فيعبر عنه باللسان، وإن أراد إبرازه فعلًا سلط عليه القوة العاملة فتوجده الجوارح.
وقد ضرب بعض الحكماء مثلًا لهذه القوى يقرب منه تصور تأثيراتها فقال: إن
القوة الفكرة ومسكنها وسط الدماغ بمنزلة الملك يسكن وسط المملكة، والخيالية ومسكنها مقدم الدماغ جارية مجرى صاحب بريده، والحافظة ومسكنها مؤخر الدماغ جارية مجرى خازنه، والقوة الناطقة جارية مجرى ترجمانه، والعاملة جارية مجرى
1 / 76