وفي سنة 1652 توفي فدفن في المتين، ثم توفي بعده ابنه المقدم علم الدين فدفن هناك، وفي سنة 1656 ولى والي طرابلس محمد آغا الطباخ المقدم فارسا على جبة بشري، وفي سنة 1659 جعل قبلان باشا المقدم فارس مراد على عكار، وفي سنة 1711 قدم الأمير حيدر الشهابي من أنحاء نيحا بقضا الشوف يريد أن يقاتل محمود باشا أبا هرموش الدرزي الذي تولى مكانه، فنزل الأمير على المقدم حسين من سلالة المقدم علم الدين اللمعي في رأس المتن، فوفد عليه أحد أحفاد المقدم مراد والمقدم عبد الله اللمعيان في جمهور غفير من رجالهما وسائر أحزاب القيسيين، فشاورهم الأمير في الأمر؛ فرأى المقدم مراد الانصراف من وجه عساكر الوزراء إلى كسروان؛ لأن محمود باشا كان قد احتشد عسكره بعين دارة ووافاه وزير دمشق بعسكره إلى قب إلياس ووزير صيدا بعسكره إلى ضواحي بيروت، فأنكر الباقون هذا الرأي، ووطنوا نفوسهم على النهوض إلى عين دارة، فدهموها ليلا فدخلها المقدم عبد الله والمقدم حسين أولا، فظفر المقدم حسين بابن الصواف صاحب المتن اليمني عدوه، فقتله وقتل ثلاثة من أمراء اليمنية، وانتصرت القيسية على اليمنية انتصارا عظيما وقبضوا على محمود باشا، واتفق بعد انتهاء القتال أن دخل رجل على المقدم حسين وخاطبه جريا على العادة بلقبه - لقب المقدم - فغضب حسين عليه غضبا شديدا، ويده إلى سيفه وهو يقول: أأقتل ثلاثة أمراء ويقال لي مقدم؟ وفي ذلك الحين أطلق الأمير حيدر على المقدمين اللمعيين لقب أمير، وتزوج منهم وأزوجهم، فتزوج ببنت الأمير حسين فولد له منها الأمير بشير الملقب بالسمين، وأزوج بنته من الأمير عساف ابن الأمير حسين، وأقطعه قاطع بيت شباب وبكفيا، ثم تزوج من أم الأمير مراد وأقطعه نصف المتن وبسكنتا فولد له منها الأمير عمر جد الأمير بشير الكبير الوالي الذي سيجيء تفصيل حياته فيما بعد عند ذكر الأمراء الشهابيين، وأزوج بنته من الأمير عبد الله، وأحبه كثيرا بما شهد منه يوم وقعة عين دارة من البسالة وشدة البأس.
إن الدروز قد أحرقوا في الحروب التي انتشبت بينهم وبين النصارى سنة 1825 غالب القلاع التي بناها الأمراء اللمعيون، ولما تمكنت العداوة بين الطائفتين طلب بعض النصارى من الأمراء اللمعيين أن يتحدوا معهم لمحاربة الدروز حربا شديدة، وكان الأمير موسى حينئذ رأس اللمعيين، فأجابهم هذا الأمير: إنني لا أشترك في حرب تفضي إلى خراب البلاد وليس من داع يدعو إليها إلا الاختلاف في المذهب، وهذا ليس من حدود البشر أن يتصدوا له. فألح القوم عليه أن يتحد معهم، وعرضوا عليه أن يستلم القيادة فيهم، فأبى إباءة شديدة ولم يذعن لهم في شيء؛ فسخطوا عليه سخطا شديدا وخرجوا من مجلسه وهم يقذفون عليه الشتم والسباب، وملأوا داره تهديدا ووعيدا مقسمين أن ينتقموا منه؛ فأوجس الأمير خيفة وذهب في جماعة من رجاله إلى قرنايل حيث كان الباشا العثماني، وأطلع هذا الباشا على دخيلة الأمر، وسأله أن يمده بعدد من الجنود ليصد هجوم الثائرين، فأجاب الباشا سؤله وجهزه بعدد من جيشه فسار بهم، ولكن لم يبغ بهم ضواحي قرية المتين حتى رأى بعينه الدخان متصاعدا من قلعته ودوره؛ لأن المنتقمين كانوا قد أضرموا فيها النار، وأركنوا إلى الفرار. ثم مال النصارى بعد ذلك إلى الأمير حيدر من سلالة المقدم قايد بيه اللمعي، وقد تنصر هذا الأمير وهو في الثانية عشرة من عمره، وتلقى في مدارس الرهبان المارونيين العلوم اللاهوتية والأدبية وأحبه الناس كثيرا؛ لأنهم زعموا أنه ينتقم لهم من الدروز، ولكن الأمير لم يكن ميالا للحروب وسفك الدماء، فجاء بكفيا وبنى فيها قلعة ودارا عظيمة، وكان جوادا كريما محبا للسلام كارها للفتن والدسائس، فاكتسب ثقة عدد كبير من الناس به، ولكن البعض من المولعين بسفك الدماء لم يرضوا عنه، فوشوا به إلى الأمير بشير عمر الشهابي الوالي الملقب بالكبير، ولم يكفوا عن السعاية فيه لديه حتى أوغروا صدره عليه، ولما حدثت الفتنة المعروفة بفتنة سنة 1840 اعتقد الأمير بشير أن الأمير حيدر كان البادئ بها والمسبب لها؛ فأرسل ليستقدمه إليه بكتاب لطيف مملوء من عبارات المجاملة والملاطفة، فلما قرأ الأمير حيدر تلك الرسالة سار للحال في عدد من أعوانه إلى بيت الدين لمقابلة الأمير بشير، فلما بلغها أمر به فقيدوه بيديه ورجليه، ثم نفاه في الحال في جملة غيره من المنفيين إلى مصر، ولما دنا المنفيون من صيدا أمر بهم الضابط المصري فوقفوا بين يديه وجعلوا على شاطئ البحر صفا واحدا، ثم أمر الضابط جنوده فجعلوا بنادقهم إلى أكتافهم مصوبة أفواهها إلى رءوس المنفيين وصدورهم، فأثر هذا المنظر المخيف في الأمير حيدر أثرا كبيرا، وذلك فوق ما عانى في الطريق من المشاق والعذاب وآلام القيود . ثم سار الضابط وجنده بالأسرى إلى مصر ومنها إلى سنار، ولبثوا أكثر من شهرين ينتقلون ارتحالا على ضفاف النيل، وقاسى الأمير حيدر من المهانة وضرب السياط وأثقال القيود والآلام ما لا يوصف، وسطت عليه أخيرا حمى خبيثة كادت تذهب بحياته، وإذ بلغ الحكومة الإنكليزية في تلك الأيام ما حل بالأمير سعت جهدها لإخلاء سبيله وإرجاعه إلى دياره، فكان لها ذلك وعاد الأمير.
وفي أوائل سنة 1842 استقدم أسعد باشا الأمير حيدر إليه وولاه على نصارى لبنان من نهر إبراهيم إلى غاية الأعمال الجنوبية، ودعاه قائم مقام النصارى وجعل على بلاد جبيل وما يليها ويتبعها من القرى والأنحاء واليا مسلما، وجعل الأمير أحمد عباس الأرسلاني قائم مقام على الدروز، ثم وقع اختلاف بسبب المختلطين من النصارى بالدروز ومن الدروز بالنصارى في كل من القائمقاميتين، فرفع الوزير أمر ذلك إلى الدولة، فأمرت بقسمة البلاد؛ فجعلت سكة دمشق فاصلة بينهما بحيث كل قائممقام منهما يدير أمر من اشتملت قائممقاميته عليهم من دروز ونصارى، وأما دير القمر فأنفذ إليها حاكما من الدولة ودعي مسلما، ولكن ذلك لم يسكن الخواطر الثائرة ولا سيما من النصارى الذين لم ينفكوا عن الاستعداد ليثأروا من الدروز عما نالهم منهم؛ فجعلوا على كل قرية رأسا، وفي بعض الأماكن أكثر من رأس، وسموا هؤلاء الرءوس شيوخ شباب، وجعلوا يشترون الأسلحة والذخائر لها متربصين بإخوانهم شر الوقيعة؛ فكثرت أسباب القتل والسلب.
ولما كانت سنة 1844 ضمت بلاد جبيل إلى قائمقامية الأمير حيدر، ثم التمس نصارى هذه القائمقامية من الدولة العلية أن تأمر بإجراء المساحة على البلاد؛ وذلك لأن بعض الولاة من آل شهاب كانوا قد بدلوا في الأموال المضروبة على العقارات، فحولوا بعضا منها عن عقار إلى عقار، فأجابت الدولة العلية التماسهم وأمرت بإجراء المساحة؛ فاجتمع رجال الديوانين ووكلاء البلاد في بيروت وانتخبوا مقومين وكتبة ونظارا، وعينوا لكل منهم راتبا عشرين غرشا عن كل يوم تؤخذ من القرى على أن تكون فرضا مما عليها من الأموال الأميرية، وقسم عمال المساحة هؤلاء إلى ست فئات كل فئة ثمانية عمال ووجهوهم إلى البلاد لإجراء المساحة؛ فاستوفوا ذلك الإجراء في مدة ثلاثة أشهر، ولكن المساحة كانت فاسدة. ولما بلغ المساحون جبة بشرة طلع عليهم أهلها وطردوهم، فأرسل الأمير يسترضي هؤلاء القوم حتى امتثلوا لأمره في مسألة المساحة، فرجع إليهم المساحون ومسحوا أرضهم، ولما تحقق لدى أهل المعرفة أن الدفاتر التي دونت فيها المساحة مختلة نبذوها.
وفي تلك السنة نفسها اتفق بعض الأمراء من الشهابيين ومن اللمعيين مع بعض الشيوخ من شيوخ الدروز على أن يستخلصوا البقاع من والي دمشق، فجهزوا رجالا وسيروهم إلى قب إلياس، فلما بلغ ذلك الوزير وجه عليهم قائدا في مائتي فارس، وكان القائد يقال له السيناوي، وربما كان السيد ناوي فالتقاه اللبنانيون ببر إلياس، وجرت هناك موقعة شديدة هزم بها السيناوي ففر إلى دمشق، وقتل من عسكره سبعة عشر فارسا، فغضب الوزير وجهز سبعمائة فارس وجعل عليها قائدا يدعى بوزو الكردي، فأرسل الأمراء الشهابيون الأمير إسماعيل علي واللمعيون أرسلوا أربعة منهم، وسار كذلك الشيخ خطار العماد وبعض من الشيوخ، فاجتمعوا في قب إلياس، ولكنهم لم يتفقوا على مقاتلة ذلك القائد بل اكتفوا أن استحصل كل منهم على غلات من غربي البقاع، ومن أكثر السهل أخذوها عنوة، ثم عادوا إلى موطنهم. ولما كانت سنة 1845 أخذت الفتن أن تجري مجراها بين الدروز والنصارى، ووقع السلب والقتل وقطع الطريق، وكان إذ ذلك قد عزل أسعد باشا وجعل وجيهي باشا في مكانه، فكان كلما رفعت إليه شكوى من الدروز على النصارى أرسل عسكرا لمعاقبة المعتدين والاقتصاص منهم، فجعل في قرية عبيه مائة جندي وبكفرشيما مائة وبالحدث خمسين، ولما عقد النصارى عزمهم على إضرام نيران الحرب أنفذ التلاحقة إلى الأمير ملحم رسولا يصدفه عن الحرب فأبى، فلما كان آخر نيسان لقي بعض النصارى من أهل المعلقة شرذمة من الدروز عند الناعمة يخفرون ذخيرة لأبناء قومهم؛ فقاتلهم النصارى وهزموهم، واستصرخ كل من الفريقين أصحابه، فبلغ الصوت المعلقة وبلغ دروز الغربين، وظل النصارى في أثرهم حتى بلغوا ضواحي عرمون ، وقتل من الدروز ثمانية رجال فالتقتهم دروز الغربين هنالك، فحميت نار القتال فانهزم النصارى إلى الناعمة، وقتل الأمير أسعد حمود وثلاثة نفر، فدخلت الدروز دير الناعمة ونهبوا ما به؛ فانحدر إليهم فريق من نصارى عبيه وهزموهم واستخلصوا منهم ما نهبوا وقتلوا منهم رجلين، فانكفأت الدروز إلى عرمون. ولما بلغ أهل الساحل صوت البارود هب بعض النصارى منهم إلى إعانة أبناء مذهبهم، وبينما هم في الطريق إذا قايد في شرذمة من الجند النظامي والأمير بشير أحمد اللمعي والأمير أمين أرسلان أدركوهم فصدوهم عن المسير عنوة، وقبض القائد على ستة عشر رجلا منهم، فانتزع سلاحهم من أيديهم وعاد بهم إلى بيروت، فجعلوا في السجن؛ ففشا لذلك الرعب في النصارى من أهل الساحل.
وفي ذلك اليوم نفسه بعث رئيس الجند الذي في عبيه خمسين نفرا إلى عين كسور في طلب الأمير عبد الله قاسم ومن معه من النصارى ؛ ليمسكهم عنده في عبيه عن مقاتلة الدروز، ثم إن عشرين رجلا خرجوا في أول آذار من دير القمر يريدون إصلاء الحرب على الدروز، وجعلوا يلقون الهياج في قلوب النصارى؛ فانضم إليهم جماعة من الجرد، واضطرمت نيران الحرب بينهم وبين الدروز في معصريتا، فانهزمت الدروز إلى بتاتر، فأحرق النصارى بعض معصريتا، ثم تجمعت الدروز فارتدت على النصارى فهزمتها، وأحرقت دير سير وشوريت وقفت أثر النصارى حتى رشميا فلجأ بعضهم إلى الحصار في القرية، وولى الباقون منهزمين إلى دير القمر؛ فأحرقت الدروز بعض بيوت من رشميا، وكانت جملة القتلى ثلاثة عشر رجلا من النصارى وأربعة عشر رجلا من الدروز، وأما أهل المناصف والشحار من الدروز، فلما نما إليهم ذلك خفوا لمساعدة أصحابهم فوصلوا كفر قطرا، ولما اتصل واقع الحال بقائد العسكر في دير القمر سير من عسكره فرقتين لمنع الحرب، وإذ كان المنهزمون قد بلغوا كفر قطرا التقوا عندها بتلك النجدة لأعدائهم الدروز؛ فشبت نار الحرب بين الفريقين فقتل من النصارى سبعة رجال، وكان إذ ذلك قد وصلت إحدى فرقتي القائد المذكور؛ فقبضت على خمسة وخمسين رجلا من المنهزمين، ونزعت منهم سلاحهم عنوة وجرحت بعضهم بالحراب، ثم عادت بهم إلى دير القمر، فزجهم القائد في السجن، ونزع منهم سلاحهم ودفعهم إلى الدروز جزاء لهم بما ألقوه من الهياج بين أهل البلاد طلبا للمحاربة، إلا أنه في اليوم الثاني خلى سبيلهم، ويومئذ سار النصارى من أهل الساحل الأعلى إلى الغرب الأعلى يريدون مقاتلة الدروز من أهله، فأدركهم القائد الذي كان بكفرشيما عند جمهور وصدهم عن بغيتهم، فعند ذلك كتب الدروز إلى الشيخ نصيف أبي نكد بحوران يخبرونه بواقع الحال من طلوع النصارى عليهم وسألوه أن ينجدهم بالرجال، وكتبوا مثل ذلك إلى الشيخ خطار العماد، وفي اليوم الثاني اجتمعت دروز المتن وسطوا على النصارى بحمانا والشبانية ورأس الحرف وبعض أنحاء المتن وهزموهم، ثم أحرقوا مساكنهم وقتلوا بعضا منهم وأحرقوا دير الكحلونية بعد أن قتلوا ثلاثة من رهبانه، ونهبوا ما بالدير من الأشياء، ويومئذ سار الأمير قيس ملحم لمحاربة دروز الغرب الأعلى في مائة وخمسين رجلا من بعبدا وبعض من أهل الجرد، وكان معه أخوه الأمير حيدر.
ولما بلغ الأمير سلمان ذلك سار لمعونته في مائة رجل من أهل الحدث، وكان معه ولده الأمير قاسم والأمير فارس سعد، وإذ أحس أهل كفرشيما بانطلاق الرجال للمحاربة تفلت منهم البعض خفية عن القائد وساروا لمقاتلة دروز عين عنوب، وتوجه كذلك لمحاربتهم الأمير أحمد سلمان في جماعة من قومه، فلما بلغ الأمير قيس خان الكحالة وجه الجرديين إلى عين الرمانة ليلهو بهم دروز عاليه، ثم طلع بمن معه جبل الكحالة فالتقاه الشيخ محمود تلحوق وأخوه الشيخ ناصيف في أهل عاليه من الدروز والنصارى، فاضطرمت بينهما نار الحرب، فولى الدروز منهزمين، وكان الأمير قيس في مقدمة الهاجمين عليهم؛ فلعبت برأسه النخوة، فأوغل في الهجوم عليهم حتى أصبح فريدا وعندئذ لم الدروز شعثهم متجمعين، وأما الأمير سلمان فبلغ وادي شحرور واستنهض أهلها فلم يجيبوه، بل أركنوا إلى الفرار بعيالهم، ومن تفلت من أهل كفرشيما قد التقوا بدروز عين عنوب عند بسابا، فاقتتلوا هنالك والأمير أحمد سلمان بلغ محلة جمهور وأهل الساحل اللويزة.
وأما دروز عاليه فلما رأوا الأمير قيسا منقطعا عن قومه هجموا عليهم وهزموهم وقفوا أثرهم حتى خان الكحالة، وأما الجرديون فوقفوا في وجه الدروز عند عين الرمانة وقاتلوهم قتالا شديدا، ولبثت الحرب مستعرة نارها والغلبة مرة لهؤلاء ومرة لهؤلاء حتى فشل النصارى وانهزموا إلى بيروت، فنهبت الدروز الوادي وبعبدا والحارة، وأحرقوا بعض بيوت من القرية بعبدا، فمنع الشيخ حسين تلحوق الناس عن الحريق، أما الأمير قيس ففر بفارسين من جماعته إلى عاريا فالحازمية، ثم عاد إلى الحدث وسار في نفر منها إلى بعبدا، ولم يستقر بها حتى أقبل قائد الهوارة بجماعته ليكف الدروز، فلما أحس الدروز به انقلبوا إلى الغربين، وأما الهوارة فسلكوا سبيل النهب والسلب. أما القتلى من النصارى فكانوا الأمير قاسم علي وأربعة عشر رجلا، وأما من الدروز فخمسة رجال، وأما نصارى إقليم جزين فأتوا الشوف حيث وافاهم أبو سمرا البكاسيني في جماعة من نصارى غربي البقاع والأمير حسن أسعد من أنحاء صيدا في جماعة من النصارى، وقاتلوا دروز الشوف فهزموهم، وفر بعضهم إلى بيت الدين يستغيثون بداود باشا؛ فأغاثهم وصحبهم بعسكر، وكانت النصارى قد أحرقت من قرى الشوف: باثر، ومرستا، ومعاصر الفخار، وجباع، والخريبة، وحارة الجنادلة، وعارية، وبعذران، ونيحا. وبينما كانوا بعين ماطور، وقد أحرقوا بعضها إذا بالعسكر العثماني يتبعه الشيخ سعيد جنبلاط ورجاله، فلما رآهم النصارى ولوا من وجوههم؛ فأمسك قائد العسكر أربعين رجلا من النصارى، ونزع منهم سلاحهم وأرسلهم ليسجنوا بدير القمر؛ فانصرف كل إلى مكانه.
وأما الدروز فحنقوا مما أتاه النصارى في الشوف، وبعثوا إلى الأمير أحمد أرسلان يخبرونه بما جرى لهم ويسألونه أن يستغيث بالوزير في بيروت، وفي أثناء ذلك أتى مائتا رجل من أهل زحلة إلى حمى كفر سلوان ففر الدروز من أهلها، ثم انضم إلى الزحليين بعض نصارى المتن؛ فانقسموا فرقتين فرقة منهم سارت إلى فالوغا بعد أن أحرقت حارة المقدم الدرزي في حمانا، ففر الدروز من أهل فالوغا إلى القلعة؛ فنهبها النصارى وأحرقوها وساروا في أثرهم إلى القلعة، ففروا منها إلى بتخنيه فتبعوهم بعد أن أحرقوا القلعة؛ ففروا من هذه أيضا فأحرقها النصارى، وأما الفرقة الثانية فنهبت كفر سلوان وأحرقتها، وبينما كان النصارى مشتغلين بالنهب والسلب لم الدروز شعثهم وهجموا عليهم وهزموهم، وتجمعت الدروز في قرنايل، وأرسلوا يستغيثون بالدولة العلية فوطن الوزير في بيروت نفسه عندئذ على النهوض إلى المتن لإطفاء نار الحرب، وكتب إلى أرباب المناصب أن يوافوه إلى خان الحصين للمداولة في اتخاذ التدابير اللازمة لنيل تلك البغية.
وأما دروز الشويفات وضواحيها فقصدوا حارة حريك، وانضم إليهم المتاولة هنالك، ثم هجموا على نصارى هاته القرية وانتشبت بين الفريقين نيران القتال، وكان غالب نصارى الساحل الأعلى مجتمعين عند الشياح الأعلى خاملين؛ فثارت الحماسة والنخوة في رأس فارس منهم من أهل بعبدا، فاندفع في نفر من جماعته على الدروز؛ فالتقته فوارسهم، فحمل على كبير منهم فجندله فتفرقوا، ولكن أصيب هذا الفارس برصاص فعاد إلى قومه، فلما رأوه راجعا انهزموا وولى كل إلى محله، فقتل يومئذ من الدروز أربعة رجال ومن النصارى ثلاثة، وكان المتاولة يحرقون أكواخ دود الحرير، أما الوزير فوجه شرذمة من عسكره إلى حارة حريك، وسار بمعظم العسكر إلى خان الحصين، وأما الأمير موسى نصر اللمعي وأخوه الأمير سلمان فبرحا داريهما في المتين إلى قرنايل واعتصبا مع الدروز؛ فنهبت النصارى داريهما وأحرقتهما، أما الوزير فتقدم إلى أرض المديرج، وأرسل ثلاثمائة رجل من عسكره إلى قرنايل ليكونوا عند الدروز من أهلها فيمنعوا هجوم النصارى عليها، وأرسل أيضا فريقا من عسكره إلى عين دارة وإلى قب إلياس يصد النصارى عن المحاربة، ثم إن الشيخ حمود أبا نكد سير جماعة من الدروز ليلا إلى عبيه لمحاربة الأمراء والنصارى فيها فدخلوها وكمنوا عند إخوانهم الدروز من أهلها، وقد أجمع رأيهم على أنهم يأخذونهم بالمكيدة؛ وذلك بأن يقتلوا واحدا منهم في ظاهر القرية فيخرج النصارى إليه فتقع القرية إذ ذلك في يدهم، وكمن الشيخ المشار إليه في كفر متى فلم تنفذ المكيدة في النصارى، ولما يئس الدروز من إخراجهم إلى ظاهر القرية اندفعوا عليهم بإطلاق الرصاص من كل صوب، فخف النصارى إلى أخذ سلاحهم من دور الأمراء؛ لأن قائد العسكر كان قد منع عنهم السلاح.
Bog aan la aqoon