Descartes: Hordhac Gaaban
ديكارت: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
الفصل التاسع
«منطق» جديد
لم تكن المقالات «مبحث انكسار الضوء» و«الظواهر الطبيعية» و«الهندسة» مستقلة، بل كانت بمثابة إعلان عن منهج جديد للاستدلال في العلوم. آمن ديكارت بأن المنهج سيكون وافيا لإنتاج فيزياء كاملة، لكنه لم يبذل قصارى جهده ليصرح بذلك. وعقد ديكارت الآمال على أن تتجلى إمكانات المنهج من تفسيره العام لها وتطبيقاتها في مقالاته، لكنه كان مغاليا في التفاؤل؛ فقد ثبت أن المقالات مثيرة للجدل، وبدا تفسيره للمنهج لبعض القراء واهنا ومحتويا على افتراضات غير محسومة. وكما سيتضح لنا، في نهاية المطاف رأى ديكارت أن الحاجة تدعوه لملء الفجوات التي تشوب منهجه بمبادئ من الميتافيزيقا.
جاءت معالجة منهج ديكارت في شكل مقدمة للمقالات، وعرفت باسم «مقال عن منهج التصرف العقلي السليم للمرء والبحث عن الحقيقة في العلوم»، واشتهرت بعنوان «مقال عن المنهج». وكان من المقرر أن يحمل هذا العمل عنوانا مختلفا مثيرا بعض الشيء: «خطة لعلم كلي قادر على الارتقاء بطبيعتنا إلى أعلى درجات الكمال». وبعد أن نصح ميرسين ديكارت بأن يسمي كتابه ببساطة «أطروحة عن المنهج»، استقر ديكارت أخيرا على كلمة «مقال» مصرا على أن عمله أقل من أن يكون أطروحة، وأقرب إلى «البيان» أو «الإعلان» البسيط عن المنهج الذي سيرد في المقالات.
كان «البيان» ذا شكل غير تقليدي. وحيث كان الغرض منه الوصول إلى «غير الدارسين»، فقد كتب بالفرنسية بدلا من اللاتينية، وكان في ظاهره سيرة ذاتية، ولكنها لمفكر غير معروف. ونشر «مقال عن المنهج» دون ذكر اسم مؤلفه؛ لذا فإضافة إلى معرفة أن الأحداث الواردة في حياة المؤلف تسرد وكأنها أحداث قصة خيالية، فإن قارئ «مقال عن المنهج » كان يترك لتخميناته بخصوص هوية القاص (وسرعان ما أميط اللثام عن أن مؤلفه هو ديكارت). وغير ذلك الكثير جاء تلميحا لا تصريحا في «مقال عن المنهج»، بما في ذلك، كما اعترف المؤلف نفسه، آليات عمل المنهج الذي يتناوله الكتاب. في رسالة تفسيرية مصاحبة لنسخة أولى من الكتاب قال ديكارت إنه اقترح في كتابه «منهجا عاما لا أبادر بتفسيره بشكل مفصل» (1 : 368).
ولعله كان بانتظار تأليف «قواعد لتوجيه الفكر» أو أطروحة ما تالية لها لكي يورد بيانا شاملا للمنهج؛ ففي «مقال عن المنهج» لم يتجاوز ديكارت ذكر أربعة من مبادئه:
أولا: ألا أقبل أي شيء قط إذا لم يكن لدي معرفة قطعية بحقيقته؛ أي أن أحرص كل الحرص على تفادي التسرع في استنباط النتائج وتفادي المفاهيم المسبقة، وألا أضمن أحكامي على الأشياء أكثر مما يعرض على عقلي بوضوح وتمايز شديدين بما لا يدع مجالا للشك.
ثانيا: أن أقسم كلا من الصعوبات التي أمحص فيها إلى أكبر عدد ممكن من الأجزاء حسبما يستدعي الأمر لحلها بصورة أفضل.
ثالثا: أن أوجه أفكاري بطريقة منظمة، بالبدء بالأشياء الأبسط والأسهل في معرفتها كي أرتقي شيئا فشيئا إلى معرفة الأكثر تعقيدا على الإطلاق، وبافتراض وجود ترتيب ما حتى بين الأشياء التي ليس لها ترتيب طبيعي بحسب أسبقيتها.
وأخيرا: أن أحرص طوال الوقت على أن يكون ما أورده كاملا، ومراجعاتي وافية جدا لدرجة تجعلني متأكدا من عدم إغفال أي شيء مهما كان. (6 : 18-19)
Bog aan la aqoon