Dawladda Umawiyiinta ee Shaam
الدولة الأموية في الشام
Noocyada
92
ويقول الطبري في هذا المعنى: «المختار معه عبيدكم - عبيد أهل الكوفة - ومواليكم، وكلمة هؤلاء واحدة، وعبيدكم ومواليكم أشد حنقا عليكم من عدوكم ... وانظروا كل من شهد منهم - من أشراف الكوفة - قتل الحسين فأعلموني به، فأخذوا لا يمر عليه برجل قد شهد قتل الحسين إلا قيل له: هذا ممن شهد قتله فيقدمه فيضرب عنقه؛ حتى قتل منهم قبل أن يخرج مائتين وثمانية وأربعين قتيلا، وأخذ أصحابه كلما رأوا رجلا قد كان يؤذيهم أو يماريهم أو يغريهم خلوا به فقتلوه حتى قتل ناس كثير منهم ... وتجرد المختار لقتلة الحسين فقال: ما من ديننا ترك قوم قتلوا الحسين يمشون أحياء في الدنيا آمنين ... الحمد لله الذي جعلني سيفا ضربهم به ورمحا طعنهم به وطالب وترهم والقائم بحقهم، إنه كان حقا على الله أن يقتل من قتلهم وأن يذل من جهل حقهم، فسموهم لي ثم اتبعوهم حتى تفنوهم ... اطلبوا في قتلة الحسين، فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم وأنقي المصر منهم.»
93
فترى أن الضعف الداخلي كان جليا كل الجلاء في الحركة المختارية، فالتجأ أشراف الكوفة إلى مصعب بن الزبير والي البصرة لأخيه عبد الله بن الزبير، وجعلوا يعينون الزبيريين بكل ما لديهم من مال وقوة، ويشجعونهم على تجهيز حملة ينتقمون بها لسيطرتهم المضاعة وأملاكهم المفقودة، فتربص ابن الزبير ليرى ما سيكون بين بني أمية والمختار.
وجه المختار لقتال عبيد الله بن زياد «يزيد بن أنس» مع ثلاثة آلاف فارس، فالتقى مع مقدمة الجيوش الأموية في «بنات تلي» من أعمال الموصل، فقتل وانهزم أصحابه، وأخذوا يتسللون ويرجعون إلى الكوفة، وقد أسقط في يد المختار آنئذ؛ إلا أن ابن الأشتر الشجاع جمع صفوفه وخرج إليهم بجيشه وأمعن في السير حتى جاوز الحدود العراقية وأوغل في الموصل، فالتقوا في «باربيثا» على الخازر - وبينها وبين الموصل خمسة فراسخ - وكانت جموع ابن الأشتر من الأعاجم، حتى لقد روى لنا الدينوري أن عمير بن الحباب - أحد قادة الشام - قال له قبل المعركة: «لقد اشتد غمي منذ دخلت عسكرك، وذلك أني لم أسمع فيه كلاما عربيا، وإنما ملك هؤلاء الأعاجم وقد جاءوك صناديد أهل الشام وأبطالهم، وهم زهاء أربعين ألف رجل، قال إبراهيم: وما قوم أشد بصيرة في قتال أهل الشام من هؤلاء الذين تراهم معي، وإنما هم أولاد الأساورة من أهل فارس والمزاربة»،
94
وقد انضم عمير هذا إلى ابن الأشتر وكان قيسيا ونادى في قيس: يا لثارات مرج راهط، فنكسوا أعلامهم وانهزموا، فأعمل ابن الأشتر ورجاله السيف في الأمويين، فدب الرعب في صفوفهم، فقتل عبيد الله بن زياد والحصين بن نمير وغيرهما من القادة المشهورين، وغلب ابن الأشتر على الموصل وبعث عماله على سنجار ودارا وما والاها من أرض الجزيرة.
95
سطع نجم المختار في الديار العراقية بعد معركة الخازر وتشتيت شمل الجيش الأموي ومقتل قائده عبيد الله بن زياد، ولم يبق أمامه لتأمين استقلاله إلا طرد الزبيريين من البصرة، وكانوا أصحاب الحول والقوة في الجنوب، كذلك ابن الزبير؛ فإنه بعد انكسار الأمويين أمام المختار رأى أن مجابهته واقعة لا بد منها، فأخذ كل من الفريقين يستعد للوثوب بصاحبه ولضربه ضربة قاضية لا يرجو الحياة من بعدها، فأرسل ابن الزبير أخاه مصعبا واليا على البصرة ليناظر أعمال المختار ويراقبها مراقبة شديدة، وقد كان الأشراف الكوفيون يستنجدون مصعبا على قتال المختار ويهيئون له أسباب الفتح، ويبثون الدعوة ضد المبادئ الدينية الجديدة التي قام يؤيدها، ويقولون: إنه من الذين يودون القضاء على النفوذ العربي واستبداله بالنفوذ الفارسي، أما يد الزبير البطاشة في قتال المختار فكان المهلب بن أبي صفرة صاحب الوقائع المشهورة مع الخوارج فاستقدمه من فارس ومعه الجموع العديدة والأموال الكثيرة، ويظهر لنا أن ابن الأشتر بعد فتحه الجزيرة أراد استثمار الأرباح التي وعده بها المختار في الموصل آنفا، فتقاعد عن مساعدته وتهاون في أمره، فأجبر على إسناد القيادة في جيشه لأحمر بن شميط، فالتقى الجيشان في «المذار» وتزاحفا ثم اشتبكا في معركة دموية قتل بها القائد ابن شميط وقسم عظيم من جموعه، وتراجعت البقية الباقية إلى الكوفة، ولو دققنا في الأسباب التي أدت إلى هذا الانكسار المريع لتحققنا أنها ترجع للمنافسة الشديدة بين العرب الأشراف أصحاب الإقطاعات الواسعة والموالي عبيدهم، فأحب الكوفيون أن ينتقموا لأنفسهم فاستمالوا عبد الله بن وهب بن أنس أحد قادة المختار - وهو من أشراف الكوفة أيضا - وأوعزوا إليه أن يوقع بالموالي والعبيد الفرس، فأشار على أحمر بن شميط أن لا يركب هؤلاء الخيل ليثبتوا في ساحة الوغي لدى اشتداد القتال، وليصابروا حين الأزمة فلا يولوا الأدبار على متونها، فعمل برأيه وكان لا يتهمه ففتكوا بهم فتكا ذريعا.
ويثبت لنا الطبري مناصحة عبد الله بن وهب بن أنس لابن شميط وقوله له، فيروي: «إن الموالي والعبيد آل خور عند المصدوقة، وإن معهم رجالا كثيرا على الخيل وأنت تمشي، فمرهم فلينزلوا معك فإن لهم بك أسوة، فإني أتخوف إن طوردوا ساعة وطوعنوا وضوربوا أن يطيروا على متونها ويسلموك، وإنك إن أرجلتهم لم يجدوا من الصبر بدا، وإنما كان هذا منه غشا للموالي والعبيد لما كانوا لقوا منهم بالكوفة، فأحب إن كانت عليهم الدبرة أن يكونوا رجالا لا ينجو منهم أحد ولم يتهمه ابن شميط، وظهر أنه إنما أراد بذلك نصحه ليصبروا ويقاتلوا»،
Bog aan la aqoon