Dowladda Cuthmaaniyiinta ka hor iyo ka dib dastuurka
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
Noocyada
وإذا هالك ما ترى من تباين الأخلاق والعادات بين هذه الشعوب المختلفة فاعلم أن معظم ذلك ناشئ عن اختلاف لغات القوم وسوء التفاهم مبدأ الشر والعدوان. وإن خمسا وعشرين سنة لزمن كاف لنشر مبادئ اللغة الرسمية في جميع أنحاء المملكة، وإن تعميم طريقة التعليم على نمط واحد يؤلف بين القلوب، وإذا تفاهم الناس حسن ظنهم بعض ببعض، وزالت أسباب الفتن وتسهلت طرق الوئام فأصبحت هذه الأمة أمة واحدة تسعى إلى غرض واحد.
وإذا راعك ما رأيت فيما سلف من بوادر التعصب الذميم فحسبك أن تلفت إلى نشوة التآخي التي هزت جميع العثمانيين على اختلاف مللهم ونحلهم على إثر إعلان الدستور وقيام سماحة شيخ الإسلام ناشرا لواء الوفق والسواء ، معلنا مطابقة ذلك للشرع الشريف ، ومن ورائه سائر رجال الدين يؤمنون ويصفقون طربا. كل هذا والجهل لا يزال فاشيا في أطراف البلاد، فما الظن بمآلنا الميمون بعد خمسة وعشرين عاما والعقول مستنيرة حينئذ بنور العلم والعرفان والأفكار متسعة لما هو فوق هذه المشاغل الدنيئة وجميعنا مترابطون بعرى المصلحة المشتركة.
وإذا انثنيت إلى التبصر بموارد الثروة بدا لك كأنك في حلم لكثرة ما يتراءى لك من الكنوز الدفينة - على ما أسلفنا - على أن ربع قرن زمن للمشتغل طويل، يتيسر له في أثنائه استحياء موات الأرض بجميع الوسائل العلمية والعملية فتحيا الزراعة، وتقتبس فنون الصناعة فتنشأ المعامل لجميع المصنوعات، وتروج التجارة، وتعقد الشركات للملاحة واستخراج المعادن، وتسهيل سبل الاتصال وسائر الأعمال الرابحة. فانظر بعين الخيال إلى ما يتدفق حينئذ إلى خزينة الحكومة وصناديق الأهالي من الأموال الذاهبة الآن ضياعا، فما هي إلا فترة يسيرة حتى ترى هذه المجاهل القاحلة جنانا أريضة من خليج فارس إلى ضفتي البوسفور، تفيض مياه دجلة والفرات على أرجاء العراق فترجع بها إلى زمن العباسيين وتنبت فيها المدن والقرى البائدة نبتا جديدا، فيبتسم الحضري بشرا وسرورا، ويتحضر البدوي آنسا آمنا، وقل مثل ذلك في بادية الشام وبقاع سوريا وسهول الأناضول ومنابت الروملي ورياض الغرب وسائر أجزاء السلطنة. وينقلب حينئذ سيل المهاجرة فيقف المزمعون ويعود الراحلون وتصبح هذه البلاد الفسيحة مرمى الآمال ومحط الرجال بعد أن كان الراحل عنها محسودا على الخروج سليما منها، وإن قضى حياته شريدا طريدا.
وإذا تأملت أخيرا في دعامة الهيبة والسلطة والأمن - ونعني بها: الجندية - رأيت أننا مذ الآن في موقف لا يستهان؛ فإن لدينا من الضباط المحنكين وفتية الجند الباسلة ما ترتفع الرءوس به عزا وافتخارا، فما قولك بهذا الجيش المتفاني في حفظ بيضة السؤدد والمجد بعد خمسة وعشرين عاما وقد تثقفت جميع طبقات الأمة فمشي المسيحي إلى جانب المسلم، والإسرائيلي إلى جانب اليزيدي، والبدوي إلى جانب الحضري، فألفوا جسما واحدا يرمي جميعا إلى غاية واحدة ألا وهي حفظ الذمار ودرء العار.
وإذا ساءك أن قوتنا البحرية في ضعف وعجز ظاهر، فبمدة خسم وعشرين سنة لنا متسع من الزمن لإعداد أسطول من أعظم الأساطيل وتدريب جيش بحري من أعظم الجيوش. وليست قلة المال في الآونة الحاضرة مانعا من إدراك هذه الأمنية؛ فلقد أبنا فيما تقدم ما حصل لدينا من الوفر العظيم بإلغاء رواتب الجواسيس وما يلحقها من الخرج الباهظ في أبواب أقفلتها حكومتنا الدستورية مما يحصى بالملايين، هذا خلا الزيادة التي ستستمر في الدخل بلا زيادة في الضرائب حتى تبين لنا بالإحصاء، فقلنا ولا حرج إن دخلنا بعد بضعة عقود من السنين سوف يعادل دخل أعظم الدول الأوروبية.
وحسبنا - في الختام - أن نضرب لك مثالا هذه الأجسام الصغيرة التي انفصلت عنا فألفت الممالك والإمارات وآخرها البلغار، لم يكد يمر على انفصالها ثلاثون عاما حتى جعلت لنفسها شأنا خاصا وقامت تزج نفسها في عداد الدول وسارت في طريق الترقي شوطا لا يمكن إنكاره، وألفت لها جيشا وابتنت الحصون والقلاع، ولم تكن إلا جزءا صغيرا من هذه السلطنة العظمى. وهي ليست مع هذا ملة واحدة - على ما يتوهم البعض - بل عندها ما عندنا من تشعب الملل، من السلافي إلى اليوناني إلى التركي المسلم والإسرائيلي وهلم جرا. ولهذا لا نرى غلوا في شيء مما تصورنا لحالة البلاد العثمانية بعد ربع قرن يمر من هذا التاريخ.
فيا حبذا ذلك اليوم الذي نراه مذ الآن في مسارح الخيال، يوم لا يبقى من الاستبداد إلا ألم ذكراه وطرب الفوز بدك معالمه. يوم ينتشر العلم فيسطر الفلاح حساب مزروعاته بخط يده ويتفاهم جميع أبناء البلاد بلا واسطة ترجمان، يوم تنتظم الفتيان جنبا لجنب في فرق الجندية من أبناء كل ملة ودين، يوم تخضل الأرض ولا ينال البحار من مياه الأنهار إلا فضلاتها، ويهب أرباب الأموال إلى تثمير أموالهم في بلادهم فيؤلفون الشركات ويتبارون بإنشاء المعامل وينيلون البر حظا مما رزقهم الله زكاة طيبة تنفق في كل باب ينتفع به أخوهم العاجز والفقير، يوم يخفق العلم العثماني في عرض البحر على أساطيل الدفاع وبواخر التجارة وتتشعب طرق النقل برا وبحرا تشعب العروق في الجسد، يوم يفاخر أبناء الأمة العثمانية سائر أمم الأرض.
وليس هذا اليوم ببعيد - بإذن الله.
Bog aan la aqoon