دعوى الإصلاح

دعوى الإصلاح

Daabacaha

دار الحميضي- الرياض

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

١٤١٣ هـ - ١٩٩٣ م

Goobta Daabacaadda

دار الكتاب والسنة

Noocyada

دعوى الإصلاح للشيخ عبد الكريم بن صالح الحميد

1 / 4

الانغماس في منهاج أهل الباطل وسلوك سبيلهم بدعوى الإصلاح الحمد لله رب العالمين. إذا قال لك: أنا أصلح. فقل له: وهل أصلحت نفسك حتى تصلح غيرك أنت بحاجة شديدة إلى من يصلحك لكنك مغرور، فإذا قال لك: ليس أحدًا كاملًا. فقل: لست أبحث معك عن الكمال فمعلوم أنه لو منع من الإصلاح إلا الكمّل ما أصلح بعد الأنبياء أحد حيث أن الله اختصهم بالعصمة والكمال. لكن مرادي أنك منغمس في الضلالة، فهذا الطريق الذي أنت سالكه لا نراك تعيبه ولا تحذر عنه مع ما فيه من الباطل. ومع مشاركتك فيه فأي إصلاح هذا الذي تدعيه. أتظن أنه بلغ التغفيل والبلادة بالخلق إلى حد لا يشعر بك أحد وأن

1 / 5

يروج زيفك على كل أحد.؟ وقل له: أراك أحدثت بعد سلف هذه الأمة الأخيار حدثًا ما كانوا عليه وكانوا ينكرونه ويذمون فاعله. فإذا قال لك: ما هو؟ قل له: الانغماس في منهاج أهل الباطل وسلوك سبيلهم بدعوى الإصلاح، والسلف لم يكونوا كذلك بل كانوا مزايلين لهم مع قيامهم بالإصلاح على أحسن الوجوه اتباعًا لا ابتداعًا وسنة لا رأيًا. وسر المسألة أنك لا ترى ما هم عليه باطلًا أو أنه غلبك هواك وإيثارك لدنياك فصرت تجادل بالباطل عقوبة لك كما لبست على نفسك تلبس على الناس، وتحسب أن الأمر يندفع بهذا، ولا تفكر في سخط الله، وعذابه، وعاجل عقوبته وأجلها، ولا ما تسببه من الفساد.

1 / 6

كل عمل لا بد فيه من شرطين لقبوله وقل له: كل عمل لا بد فيه من شرطين لقبوله: وهما الإخلاص، والمتابعة، وأنت مفلس من هذا وهذا. أما الإخلاص فيفسده عليك طلب الدنيا والرياسة وقد قال النبي –ﷺ: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه". [قال الترمذي: حسن صحيح]. فما الذي يخرجك من معنى الحديث ونحن لم نسمع ولا بواحد أصلح مجانًا، فالمنافسة على تحصيل المال الذي هو عوض متعجل ظاهره لا تخفى. ولو قُطِعَت هذه الأموال لتغيرت الأحوال كذلك الرياسة والتشييخ مما يتنافس عليه المتنافسون.

1 / 7

أما المتابعة فأمرها أظهر من الإخلاص لأنك تسير في طريق محدث، وما كان فيه من الأمور السلفية فلم يرد به وجه الله فهل تقول: إن هذا طريق النبي –ﷺ وأصحابه؟ يكذبك العلم المدون والسِّيَر المشرقة النيرة. ولا يبقى معك إلا المكابرة والجدال بالباطل وهذه بضاعتك ومن ملئوا الأرض اليوم من أمثالك. وقل له: هل يمتنع عليك الإصلاح المزعوم إلا بهذه الكيفية إذًا تاهت العقول وضلت الأمة إذ لا طريق إلى الإصلاح إلا بالانغماس في الفساد. وقل له: أتظن أن الله يسألك يوم القيامة. لماذا لم تسلك هذا الطريق بافساد نفسك أولًا لتصلح غيرك.

1 / 8

لا والله ما يسألك الله عن هذا. لكن يسألك عن إخلاصك له في كل قول وعمل وعن متابعتك لنبيك –ﷺ.

1 / 9

لو انقطع هدفك لطلبته من وجوه أخرى وزالت الدعوى وقل له: نحن نعلم هدفك وغايتك وأنه ما ذمه وحذر عنه الحديث السابق وهو المال والرئاسة. لأن ذلك لو انقطع لطلبته من وجوه أخرى وزالت الدعوى. فأنت متكسب والدين هو الثمن. فإذا قال ذلك: هل تعلم ما في قلبي؟ فقل له: البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير. إن سيرتك وحالك وسلوكك وسيماك وهَدْيك كل ذلك ينادي عليك لكنك لا تشعر لأنك في المدبغة فاخرج إن شئت أن تعلم حقيقة ما أقول لك. واذكر له بعض الباطل الذي هو متلطخ به لعله يستفيق. ثم قل له: أنت تعلم أنه لا أحد يستطيع منكم تغيير شيء فما هذا التلاعب؟

1 / 10

مرض تقليد المعظمين سيقول بعد أن ضاق عليه الخناق: العلماء والمشايخ كلهم على هذا، أو لا ينكرونه. فقل له: أنت حصرت العلماء فيمن هم في نفس طريقك، والذين تعلم أنهم يوافقونك عليه لكن لماذا تحيل للتحاكم في هذه المسألة إلى هؤلاء ولا تقبل غيرهم؟. أتظن أن تعظيمك لهم يوجب سقوط أقوال غيرهم في هذه المسألة وتفنيد عقولهم. ثم إن هؤلاء الذين تُعظِّمهم لا على بصيرة ولكن لموافقتهم هواك لو تغير رأيهم عن الذي تريده وتهواه لتغيرت ثقتك بهم واستبدلت بالمدح قدحًا وبالتعظيم ازدراءً كما تفعل الآن مع مخالفيك ومخالفيهم فأنت تدور مع هواك حيث دار.

1 / 11

إذا تخلينا خلفنا أهل الفاسد (وإذا قال لك: إذا تخلينا خلفنا أهل الفساد فقل له: بقاؤكم هو الذي سبب اللبس ولو تخليتم لظهر الفرقان ولتبعكم من يريد الصلاح والخير واسترحتم من الأشرار. وكفى شرًا ببقائكم أنكم أسوة سوء حيث يُقتدى بكم في البقاء على هذه الأحوال الخطيرة ومعلوم أن قصدكم الأول هو نفوسكم لكن استروحتم لهذه الشبهة المخالفة لما كان عليه نبيكم –ﷺ والسلف الصالح حيث أخبر الله –﷿ نبيه- ﷺ بقوله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

1 / 12

مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) (١). فأخبر سبحانه أنهم لا يرضون إلا باتباع ملتهم جملة ثم حذره من اتباع شيء من أهوائهم فهذا فيه بيان طريق الدعوة إلى الله حيث لا يدخل الداعي على بصيرة في شيء من مداخل أهل الباطل.

(١) - سورة البقرة، آية: (١٢٠).

1 / 13

جملة القول ١ - الإصلاح ليس بمشاركة أهل الباطل وسلوك طريقهم كما هو حاصل. ٢ - السلف يصلحون ولا يدخلون بشيء من باطل من يصلحونهم. ٣ - الإصلاح الحقيقي هو ما يراد به وجه الله –﷿ على هدي نبيه –ﷺ أما إرادة الدنيا والرئاسة كما هو حاصل والاستمرار على سلوك غير هدي النبي ﷺ كيف يسمى إصلاحًا؟ ٤ - هل تعذر الإصلاح إلا بهذه الطريقة المحدثة؟ ٥ - هل يظن مدعي الإصلاح أن الله يسأله يوم القيامة عن الإصلاح بهذه الطريقة؟

1 / 14

٦ - أليس يسأل عن صلاحه بنفسه أولًا. فما يقول وهو منغمس في الباطل؟ أيقول: بدأت بإصلاح الناس قبل نفسي؟ وفاقد الشيء لا يعطيه.

1 / 15

لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها وقل له: أنتم أشفق على الأمة من الإمام أحمد وكانت الفتنة حاصلة وقد هجر أولاده وعمه على أمر لا يقاس بما أنتم عليه ولا يقاربه بل ترك الصلاة خلف عمه حنبل فهل أنتم أرأف بالأمة منه أو أنه حصل لكم علم بطريقة الدعوة خفي عليه؟ لماذا لم يقل لأولاده وعمه: أدخلوا المداخل وأصلحوا مع أنهم علماء أجلاء وعلى بصيرة من ضلال قومهم وليس هذا خاص به –﵁ فكذلك الأئمة المقتدى بهم على هذا السبيل وتراجمهم شاهدة بذلك ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

1 / 16

منهج السلف عدم التلطخ بالباطل مع القيام بالدعوة على الكمال والفرقة الناجية هي ما كان عليه النبي ﷺ وصحابته الأخيار ومعلوم ما كانوا عليه من المباعدة عما يدنس والنفرة والوحشة من المبطلين مع القيام بالدعوة على الكمال وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ قصة جرت في ولاية أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ﵁ حيث أُتِيَ إليه بقوم شربوا الخمر ومعهم رجل صائم لم يشرب معهم فأمر بإقامة الحد عليهم مستدلًا بقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) (١). فالصائم لم ينج

(١) - سورة النساء، آية: ١٤٠.

1 / 17

من شؤم المنكر حيث أمر عمر بالبدء به بالجلد. [الفتاوى جـ٣٢ ص٢٥٤]. فإذا قال لك: الصائم لم ينكر ونحن ننكر. قل له: يشترط زوال المنكر أو المفارقة وهل ضرب الله قلوب بني إسرائيل بعضهم ببعض إلا بمثل هذا. ومعلوم أن منكرات طريقكم ثابتة لا تزول بل تزيد. لا ينكر هذا إلا مكابر لكن مما يغركم أشياء قليلة من الإصلاح ظاهرية إما إعفاء لحية أو تقصير ثياب ونحو ذلك فيعميكم ذلك عن الدواهي، وأهل البصائر يقارنون بين المصالح والمفاسد ولا نسبة لهذه المصالح بجانب المفاسد العظيمة في طريقكم والمسألة كما يقال: يُعمّر واحدًا فيعرّ ألفًا ... وينسى من يموت من الصغار حيث تشيعون مثل هذه الأمور الصغيرة التي تحصل وتتعامون عن الطامات ومثلكم

1 / 18

في ذلك مثل من يداوي شخصًا فيه علتين واحدة بسيطة مثل الزكام ونحوه والثانية سرطان أو ما يشبهه فجعل همته في معالجة الزكام وقد يبرأ المصاب من ذلك ولكن ترك الداء العضال على حاله بل زاده حيث لا هو أخبره أن به داء خطيرًا ولا هو يدعه لو أراد الشفاء والعافية بالتخلص من دائه. فتأمل هذا فهو مطابق للحال الواقعة، وقل له: هل تقول لله يوم القيامة: لا أقدر على العلم الذي أعبدك به إلا هكذا؟ هذا كذب. وهل تقول: ما أستطيع أطلب الرزق إلا هكذا؟ هذا كذب، فأنت محجوج بحال الآخرين حيث يسّر الله لهم علمًا ورزقًا وكثير منهم أحسن حالًا منك وممن على نحلتك.

1 / 19

الاحتجاج بالوالدين قد يحتج عليك بالوالدين فقل له: لا طاعة لمخلوق بمعصية الخالق. وهذا لا يستثنى منه أحد فهو عام يشمل الوالدين وغيرهم. وقد قال سفيان الثوري ﵀: لا طاعة للوالدين بالشبهات فإذا كان هذا في الشبهة البسيطة، فكيف بما أنتم فيه وهذه بعض كلمات تبين ما كان عليه سلف الأمة المقتدى بهم مما يخالف الخلوف.

1 / 20

إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة قال سفيان الثوري ﵀: إن أقبح الرغبة أن تطلب الدنيا بعمل الآخرة. وكان سري السقطي يذم من يأكل بدينه ويقول: من النذالة أن يأكل العبد بدينه. وقال الإمام أحمد: لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضًا من الدنيا. وقال بشر بن الحارث: مثل الذي يأكل من الدنيا بالعلم والدين مثل الذي يغسل يديه من الزهومة بماء تنظيف السمك أو مثل الذي يطفئ النار بالحلفاء. يعني أن الذي يغسل يديه من الدسم ونحوه بماء تنظيف السمك يزيد اتساخًا ورائحة كريهة. والمثل الآخر معناه أن الذي يأكل من

1 / 21

الدنيا بالعلم مثل الذي يريد إطفاء النار المشتعلة بالمتاع ونحوه بشجر يزيدها اشتعالا. وذكر ابن المبارك في "كتاب الزهد" أن عيسى –﵇ أقبل على أصحابه ليلة رُفِعَ فقال لهم: لا تأكلوا بكتاب الله فإنكم إن لم تفعلوا أقعدكم الله على منابر الحجر منها خير من الدنيا وما فيها. قال عبد الجبار: وهي المقاعد التي ذكر الله في القرآن (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) (١). وكان رجل ضرير يجالس سفيان الثوري فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس فيكسى ويعطى. فقال سفيان: إذا

(١) - سورة القمر، آية: (٥٥).

1 / 22

كان يوم القيامة أُثيب أهل القرآن من قراءتهم ويقال لمثل هذا: قد تعجلت ثوابك في الدنيا. فقال: يا أبا عبد الله تقول لي هذا وأنا جليسك. قال: أخاف أن يقال لي يوم القيامة كان هذا جليسك أفلا نصحته. قال سرى السقطى: كيف يستنير قلب الفقير وهو يأكل من مال يغش في معاملته. يريد بالفقير: السالك إلى الله. لا يقصد الذي ليس عنده مال. قال بكر العابد: سمعت سفيان الثوري يقول: لا خير في القارئ يعظم أهل الدنيا. لقي سفيان شريكًا بعدما ولي قضاء الكوفة فقال: ياعبد الله بعد الإسلام والفقه والخير تلي القضاء وصرت قاضيًا. فقال له

1 / 23