44

Darsat Fi Al-Baqiyat Al-Salihat

دراسات في الباقيات الصالحات

Daabacaha

الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

Lambarka Daabacaadda

السنة ٣٣-العدد ١١٣

Sanadka Daabacaadda

١٤٢١هـ/٢٠٠٠م

Noocyada

قال الإمام أبو منصور الأزهريُّ ﵀ في كتابه تهذيبُ اللغة: "وممّا يدلُّك على أنَّ تسبيح هذه المخلوقات تسبيحٌ تُعُبِّدت به، قول الله جلّ وعزّ للجبال: ﴿يَاجِبَالَ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْر﴾ ١، ومعنى أوِّبي أي: سبِّحي مع داود النّهار كلّه إلى الليل، ولا يجوز أن يكون معنى أمر الله جلّ وعزّ للجبال بالتأويب إلاّ تعبُّدًا لها، وكذلك قوله جلّ وعزّ: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ والجِبَالُ والشَّجَرُ والدَّوَابُّ وكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ ٢، فسجود هذه المخلوقات عبادة منها لخالقها لا نفقهها عنها كما لا نفقه تسبيحها، وكذلك قوله: ﴿وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ ٣، وقد علم الله هبوطها من خشيته، ولم يعرّفنا ذلك، فنحن نؤمن بما أعلمنا ولا ندّعي بما لم نكلّف بأفهامنا، مِن عِلْمِ فِعلِها كيفيّةً نحدّها"٤ اهـ. كلامه ﵀، وهو كلام عظيم وتقرير حسن.
وقال النووي ﵀ بعد أن أشار إلى ما قيل في المراد بالتسبيح، قال: "والصحيح أنَّه يسبِّح حقيقة، ويجعل الله - تعالى - فيه تمييزًا بحسبه"٥.
وهذا القول هو القول الحق في هذه المسألة بلا ريب، فالله ﵎ هو الذي بيده أزمّةُ الأمور، وهو القادرُ على كلِّ شيء، وهو - سبحانه - الذي أنطق كلَّ شيء، لا يتعاظمه أمر، ولا يُعجِزه شيء في الأرض ولا في السماء، إنَّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.

١ سورة سبأ، الآية: (١٠) .
٢ سورة الحج، الآية: (١٨) .
٣ سورة البقرة، الآية: (٧٤) .
٤ تهذيب اللغة (٤/٣٤٠) .
٥ شرح صحيح مسلم (١٥/٢٦) .

1 / 52