أنهم كانوا ينشدون الله باسمه ويَروْن أنهم أنصارُهُ وأعوانُهُ لما ينتظرون مبعثه، فلما رأَوْه حسدوه وحسدوا العرب بكونه منهم لا عِرْقَ فيه من اليهود (١)، ولم تطاوعهم أنفسهم في ترك ما اعتادوه فكفروا به وحَرَّموا التأويل، والمراد بالفتح في ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ الظفر والنصرة (٢).
﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ﴾ بئس ونِعْمَ: فعلان ماضيان مثل: لَعِبَ وشَهِدَ، فمنعا الصرف وكل واحدٍ منهما يقتضي اسمين غالبًا، ويكون الأول عامًا لعموم المدح والذم، والثاني: خاصًا لأن المقصود مخصوص، ثم الاسم الأول، إما اسم (٣) جنس فيرتفع بالفعل (٤)، وإما نكرة فينتصب على التفسير. والاسم الثاني: مرفوع أبدًا لأنه خبر مبتدأ محذوف. والاسم الأول هاهنا: ما اشتروا به أنفسهم، والثاني: أن يكفروا، وهذا قول البصريين.
وعند الكوفيين هما حرفان يشبهان الفعل (٥) وفيهما معنى الصفة،
(١) والمراد بالكتاب في هذه الآية هو القرآن، وهو مصدِّق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن، قاله ابن جرير وأسنده إلى قتادة والربيع.
[الطبري (٢/ ٢٣٦)].
(٢) أي يستنصرون الله تعالى عليهم، وجاء في الحديث "أن النبي ﷺ كان يستفتح بصعاليك المهاجرين" [أخرجه الطبراني في الكبير (١/ ٢٦٩) - وقال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح (١٠/ ٢٦٢)] أي: يستنصر بهم في الدعاء للغزوات، ومنه قول الأشعر الجعفي:
ألا من مبلغ عَمْرًا رسولًا ... فإني عن فُتَاحَتِكُم غنِي
أي: عن نصرتكم.
ومعنى الآية: أن المشركين من قبل كانوا يؤذون اليهود فربما تكون الغلبة لهم على اليهود في القتال فقالت اليهود: اللهمَّ انصرنا بالنبيِّ الأميِّ الذي تبعثه في آخر الزمان فكانوا يُنصرون به، فلما بعث نبجنا محمد ﷺ كفروا به.
[تفسير السمعاني (١/ ٥٥١) - تهذيب اللغة (٤/ ٤٤٧) - مجاز القرآن (١/ ٤٧) - غريب القرآن لابن قتيبة ص ٥٨ - مقدمة المفسرين للبركوي (١/ ٦٠٨)].
(٣) (اسم) ليست في "ب".
(٤) (بالفعل) ليست في "ب".
(٥) ومن الكوفيين من زعم أنهما اسمان - أي نعم وبئس - مستدلِّين بدخول حرف الجر =