وناب في الحكم عن ابن الصائغ١ أول ما قدم حلب ثم ترك ذلك وذكر لي القاضي شرف الدين الأنصاري أنه كان يأخذ العهد على أصحابه أنهم لا يلون القضاء ولما ترك القضاء اقتنع ببعض المدارس وأكب على الاشتغال وأقبل على التصنيف فصنف كتابا في المذهب سماه "قوة المحتاج" وآخر سماه "غنية المحتاج" كلاهما في شرح المنهاج ثم صنف "المتوسط في الفتح بين الروضة والشرح" يعني شرح الرافعي الكبير في عشرين مجلدة وهو كتاب جليل جمع فيه فأوعى وتعقب على المهمات للأسنوي واختصر الحاوي للماوردي ودرس بالمدرسة البلدقية بقرب الكلاسة وبالمدرسة الظاهرية وبالمدرسة الأسدية وبدار الحديث البهائية وله إعادة بعدة مدارس من مدارس الشافعية وتصدر بالجامع للافتاء والتدريس وشاعت فتاويه في الأفاق مع التوقي الشديد خصوصا في الطلاق وكان الشيخ زين الدين الباريني يجمع عنده فتاوي يستشكلها فيأتي الأذرعي فيسأله عنها ولم يكن له خبرة بحساب الفرائض وقد وقعت له في ذلك أغلاط اعتنى بجمعها فقيه ورد عليهم حلب من مصر يقال له النوي وأوقف عليها الشيخ سراج الدين البلقيني والشيخ ضياء الدين القربي فأطلق فيها ضياء الدين لسانه إذ لم يكن عارفا بحقيقته وعظم البلقيني شأنه لما يعرف من حاله لكنه كتب أنه لا يصلح للفتوى في الفرائض انتهى. وعرض له في آخر عمره سقطة وصمم شديد وكان كثير الإسناد للشعر وله نظم على طريقة الفقهاء وكانت وفاته عند الزوال من يوم الأحد الخامس والعشرين من جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وصلي عليه بالجامع الأموي بحلب المحروسة وتقدم عليه في الصلاة القاضي جمال الدين بن العديم٢ الحنفي ودفن من يومه خارج باب المقام تجاه تربة ابن الصاحب والغريب من تربة سودون ولم يخلف بعده بتلك الديار مثله وولي مشيختها السيد الشريف المؤلف المفيد شمس الدين
_________
١ شذرات الذهب ٦: ١٢٣.
٢ شذرات الذهب ٦: ٢٩٥.
1 / 44