Weerarkii Iskandariya
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Noocyada
وقد كان في مصر على أول عهد «إسماعيل» مجلس كالمجلس الذي كان معروفا باسم مجلس المشورة في عهد جده الكبير، افتتح في سنة 1866 وسمي بمجلس شورى النواب وتقرر ألا يزيد عدد أعضائه على خمسة وسبعين، وقد استمر هذا المجلس ينعقد فترة في كل سنة إلى سنة 1878، ثم استبدل به مجلس نيابي واسع الاختصاص بموافقة الخديو إسماعيل.
ومن المخجل أن مدارس الحكومة المصرية ظلت تلقن أبناء المصريين في عهد الاحتلال أنباء وأساطير تزري بالحياة النيابية بين المصريين، ومنها أسطورة رواها مسيو «ماك كون» في كتابه «مصر كما هي» زعم فيها أن النواب جميعا هرعوا إلى مقاعد اليمين حين طلب منهم «شريف باشا» أن يقسموا أنفسهم إلى فريقين: فريق يناصر الحكومة ويجلس إلى اليمين، وفريق يعارضها ويجلس إلى اليسار، وهي قصة لم تحدث قط بل حدث نقيضها من محاسبة الحكومة ودعوة وزرائها إلى حضور جلساته. وشهد المتتبعون لأعمال المجلس أن أعضاءه كانوا يدا واحدة في رعاية المصالح القومية؛ لأنهم كانوا يفهمون من وظيفة النيابة أنها أمانات وأعباء، ومنهم من كان يساق إليها سوقا؛ لأنه في غنى عن استغلال مركزه، وكل ما يتوقعه من النيابة أن تضطره إلى الاصطدام بولاة الأمور، ولو كانوا يقصرون واجبهم على التسليم، لتهافتوا على النيابة تهافت «المنتفعين المستغلين».
ثم انعقد مجلس شورى النواب في الثاني من شهر يناير سنة 1879، فبدأ جلساته باستدعاء الوزارة إليه، ومنهم وزير المالية الإنجليزي، وقبل أن يذهب بعض النواب إلى ديوان المالية للاجتماع بالوزير، على أن يكون هذا الاجتماع مقدمة لحضور الوزير في جلسة من الجلسات، ولكن الوزارة أصرت على تجاهل المجلس وفضته في شهر مارس ولما ينظر في الميزانية، فثار المجلس ثورته القوية وجبه «رياض باشا» وزير الداخلية بما لا يرضاه وهو يتلو عليه الأمر بفض الدورة، وبقي الأعضاء في أماكنهم معلنين أنهم لا ينفضون قبل أن يفرغوا من أعمالهم. وتسامعت القاهرة ثم الأقاليم بأخبار تلك الجلسة التاريخية، فاجتمع مئات من العلماء والرؤساء والأعيان والضباط في منزل «إسماعيل راغب باشا» ورفعوا إلى الخديو عريضة يحتجون فيها على الوزارة ويطلبون تمكين مجلس النواب من حقوقه الدستورية في مراقبة المالية، وهي العريضة التي اعتمد عليها الخديو في إقالة الوزارة وتكليف «شريف باشا» بتأليف وزارة تخلف الوزارة الأوروبية التي «كانت سببا لتغيير قلوب الأمة ونفورها من هيئة النظارة كل النفور.» وقد شهدت التيمس يومئذ - 16 أبريل سنة 1879 - أن مجلس النواب لم يكن عاملا في هذا الموقف بإيعاز الخديو، فقالت : «مهما تكن طريقة الانتخاب للمجالس النيابية، فهذه المجالس تشعر بشيء من الاستقلال لا محالة عند اجتماعها، ولعل مجلس نواب مصر غير مستثنى من هذه القاعدة ...»
على أن التيمس وغيرها عادت بعد ذلك تذكر «تعنت المجلس» ولا تذكر غطرسة الوزير الإنجليزي الذي لا يجوز عندها أن ينزل إلى حضور الجلسات، ولو من قبيل المجاملة ومجرد الاطلاع!
فلما أقيلت الوزارة النوبارية وخلفتها وزارة «شريف باشا» قامت قيامة الدائنين والحكومة الإنجليزية على الخصوص، ولم تنم لحظة من الشهرين اللذين انقضيا بعد تأليف الوزارة الجديدة عن السعي الحثيث لإحباط هذه الحركة المباركة. ففي الأسبوع الأول من شهر أبريل تألفت الوزارة، وفي أواخر يونيو صدر الفرمان بعزل الخديو إسماعيل وتولية ولي عهده «محمد توفيق» - 25 يونيو سنة 1879 - وأبلغ مجلس النواب أن التطور الجديد سوف يشغل الحكومة عن تقديم أعمال إليه، فانفض ولم يدع للاجتماع في خلال تلك السنة ولا في خلال السنة التالية.
ولكن الأمر كان قد خرج من قبضة الحكومة والمجلس، وصار إلى أيدي الأمة كلها ممثلة في الحزب الوطني الذي جعل شعاره «مصر للمصريين»، وجاهر بالانتماء إليه كل ذي خطر في البلاد.
محمد سلطان باشا.
أما بعد ...
نقترب الآن من اليوم الحادي عشر من شهر يوليو سنة 1882، نقترب من النهاية التي تلتقي فيها كل هذه المقدمات.
فإذا كان اليوم الحادي عشر من شهر يوليو نقطة في الغيب، فهذه السوابق خطوط تنحدر إليها من محيط الزمن وتنحو نحوها من بعيد: تنحدر إليها من جهات شتى تتفرق في مناشئها وتلتقي في غايتها، وتترك العلامة مرسومة بينها وبين تلك الغاية، تنتظر «التسويد» بمداد الأيام.
Bog aan la aqoon