Weerarkii Iskandariya
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Noocyada
وكانت دوائر الآستانة ترجح أن الدول تمنع انفراد واحدة منها باحتلال مصر، وزادها ترجيحا لذلك أن الأسطولين الإنجليزي والفرنسي يرسوان معا في ميناء الإسكندرية. وقد اعترضت على المؤتمر الدولي الذي انعقد في الآستانة لدرس المسألة المصرية، فقاطعته إلى اليوم التاسع من شهر يوليو. ثم نمى إليها خبر عن تردد فرنسا وإخلائها الطريق لإنجلترا، فأبلغت مؤتمر الآستانة عزمها على الاشتراك فيه من الغد، فأسرعت إنجلترا إلى ضرب الإسكندرية قبل أن تعلن الدولة عن خطة تحمل الدول على إسناد الأمر إليها وكف يد الإنجليز عن الانفراد بعمل حربي في الإسكندرية، وبعد ضرب الإسكندرية بأسبوعين أعلن «الباب العالي» عزمه على إرسال جيش إلى مصر لإعادة النظام.
ترى لو أن الدولة العثمانية أرسلت جيشها إلى مصر، أكانت تمنع الاحتلال البريطاني بعد أن أحكمت بريطانيا تدبيرها له وأعدت عدتها أعواما طوالا لوضع قدميها في وادي النيل؟
إن الذي حدث بعد ذلك يدل على أن إنجلترا كانت وثيقة العزم على صد الجيش التركي عن النزول في مصر بكل حيلة مستطاعة، فلما تأهب الباب العالي لإرسال جنوده اشترطت عليه إنجلترا شروطا عدة، منها: ألا تزيد الحملة على ستة آلاف جندي إلا بعد موافقتها، وأن يكون نزولها في رشيد أو أبي قير أو دمياط ولا ينزل منها أحد بالإسكندرية أو بورسعيد، وأن تكون أعمال الجيش التركي وجيش الاحتلال الإنجليزي باتفاق القائدين، وأن يبرح الجيشان مصر في وقت واحد.
وقبل أن يتفق الطرفان، نشرت صحيفة التيمس كلمة، قالت فيها: إن الحكومة الإنجليزية وقعت على رسالة من السلطان إلى عرابي تؤكد استمرار الوفاق بينهما على خطة مجهولة، وأخذ الإنجليز يتحدثون عن خطر اتفاق الجيش التركي والجيش العرابي إذا اجتمعا بمصر، وكان هذا التلويح هو «الدفع الاحتياطي» الذي تدخره السياسة الإنجليزية لمنع الجيش التركي من النزول بمصر لو أذعن السلطان للشروط المفروضة على حركات جيشه وسكناته في الديار المصرية.
فإنجلترا كانت تطلب الجيش التركي وتشترط عليه الشروط التي تعلم أنه يأباها، وتستعد في الوقت نفسه بالحيلة التي تتوسل بها لصده في حالة القبول.
وغاية ما ينتظر من هذه المراوغة أنها كانت تؤجل المكيدة بضعة شهور.
جنود وموظفون
إذا كان موضوع الكلام تاريخ ثورة أو تاريخا يتعلق بالثورة ومقدماتها وجرائرها، فمن أمهات المسائل التي يدور عليها البحث بصفة خاصة، مسألة السلطة ومن يتولاها من الموظفين المدنيين والعسكريين؛ لأن خروج الأمر من أيدي السلطة هو الثورة أو هو الحالة التي تؤدي إليها؛ وقد كانت الثورة العرابية على الخصوص وثيقة العلاقة بمسألة السلطة في الديار المصرية، على نحو لم يعرف له نظير في ثورات الأمم الحديثة، فكان «نظام» التجنيد والتوظيف علة مباشرة من علل اختلال النظام.
كان الموظفون العسكريون والمدنيون في مصر طائفة غريبة عن الأمة المصرية، فلم يكن بينهم وبين المحكومين تفاهم في اللغة ولا تقارب في العادات والأخلاق، وهذه الغرابة وحدها كافية لدوام النفرة بين الرعاة والرعايا، أو هي في الواقع حالة ثورة كامنة في انتظار الثورة الفعلية، كلما تهيأت لها دوافع الانفجار.
لم يكن نظام التوظيف هذا مقصودا في بادئ الأمر كما وقع في وهم بعض المؤرخين، بل لعله كان نظاما مكروها دعت إليه الضرورة القاسرة؛ لأن المماليك الذين حكموا مصر بعد الدولة الأيوبية كانوا يجهلون اللغة العربية إلا القليل منهم، وكانت مخاطباتهم كلها باللغة التركية وموظفوهم كلهم من العارفين بها ما عدا صيارفة البلاد ومحصلي الضرائب، فكان احتكار الوظائف الكبرى للترك والأمم الشرقية التي تتكلم بلسانهم ضرورة تفرضها «الظروف» ولا يقصدها الحاكمون على نظام مرسوم. وتكاثرت من ثم طوائف الغرباء الذين يتولون الحكم أو يستأثرون بالثقة والحظوة عند الحكام، فكان منهم الترك والشراكسة والألبانيون والأرمن واليونان، وغيرهم من رعايا «الدولة العلية» المحسوبين من العثمانيين.
Bog aan la aqoon