Weerarkii Iskandariya
ضرب الإسكندرية في ١١ يوليو
Noocyada
ولم تيأس إنجلترا من تدبيراتها للقضاء على المشروع فاتخذت من نغمة العصر في تلك الآونة حجة للتشهير به واستثارت الضمير الإنساني عليه، وكانت نغمة العصر محاربة الرق وتجريد الحملات لمطاردة النخاسين، فراحت ألسنة السياسة البريطانية تذيع أخبار السخرة في القناة، وأخبار الوباء «حمى التيفود» الذي سرت عدواه من القناة إلى القطر كله فأهلك عشرات الألوف من العمال والفلاحين، وصدقت في القول ولم تصدق في النية؛ لأن المتعهدين ضنوا بالأجر اليومي على قلته - وهو عشرة مليمات للعامل - فهلك العمال جهدا وجوعا. وشاع التذمر بين المصريين من شركة القناة ومن كل ما يتعلق بالقناة، وأوشكت إنجلترا أن تنجح في تدبيراتها بين الآستانة والقاهرة وعواصم الدول الأوروبية. ثم مات سعيد باشا في هذه الأثناء وآلت الأريكة المصرية إلى إسماعيل باشا فأحس النقمة على المشروع من جانب إنجلترا ومن جانب الدولة العثمانية. ولم يشأ أن يغضب فرنسا فبادر بسداد ثمن الأسهم التي لم يسددها سعيد باشا وقيمتها مليونان من الجنيهات، وأعلن الشركة بعزمه على نقص العمال ورد الأرض التي وضعت يدها عليها إلى ملك الحكومة وأنذرها بوقف العمل إن لم تبلغه موافقتها في وقت وجيز. فلجأ دلسبس إلى حكومته وتحرجت الأمور بين إسماعيل ونابليون فإذا بالتهديد الذي وجهه إسماعيل إلى الشركة يئول إلى مصلحتها وخسارة مصر. لأن إسماعيل رضي أن يعرض الخلاف على هيئة من المحكمين في فرنسا فحكموا على مصر بغرامة قدرها ثلاثة ملايين وثلثمائة وستين ألف جنيه؛ تعويضا للشركة عن إلغاء السخرة ورد الأرض التي على الضفتين وتكاليف حفر الترعة العذبة، فانتفعت الشركة بهذا المال وهي محتاجة إليه، وأبرأ إسماعيل ذمته أمام الآستانة ولندن، وأقبل على مساعدة الشركة بكل ما استطاع، وكان في الواقع يساعدها في أشد أوقات الخلاف، فقد أعطاها ثلاثمائة ألف جنيه ثمنا لأرض في وادي الطحيلات اشترتها في عهد سعيد بأربعة وسبعين ألف جنيه، وأعطاها مليونا ومائتي ألف جنيه ثمنا للمباني التي أقامتها بالسخرة والأدوات المعفاة من الرسوم.
وفرغت الشركة من حفر القناة في أواخر سنة 1869 فنجمت مشكلة جديدة كانت خواتمها أخطر جدا من فواتحها؛ لأنها غيرت قلب السلطان العثماني على الخديو وفتحت أبواب الآستانة للدسائس والوشايات التي اشتركت فيها الدول وأمراء البيت العلوي ممن حرموا حقوقهم أو آمالهم في الوراثة بعد نقل ولاية العهد إلى أبناء إسماعيل فجرت إلى خلعه بعد سنوات.
وخلاصة هذه المشكلة المتشعبة أن الخديو وجه الدعوة إلى الملوك والأمراء لشهود حفلة الافتتاح باسمه، وأغفل السلطان في هذه الدعوة؛ فداخله الريب وأمر الصدر الأعظم بالاحتجاج لدى الدول والعتب على من قبل الدعوة دون الرجوع إلى ولي الأمر «المتبوع» فصادف هذا الاحتجاج هوى في نفوس المحنقين على الحفلة كلها لما فيها من تمييز نابليون الثالث «محتضن المشروع» في مجامع السياسة الدولية، وهموا بالاعتذار لولا التوسط في الأمر والاتفاق على تسوية المشكلة بمرور من يشاء من المدعوين بالآستانة قبل السفر إلى القاهرة. وكأنما أراد السلطان أن يضرب دولة بدولة وأن يطفئ نجم نابليون بنجم أكبر منه، فألجأه الحنق إلى انتقام غير لائق بمكانته ولا بدعواه وأناب عنه مندوب إنجلترا وفوض إليه أن يشكر المدعوين باسمه. وقد تعمد هذا المندوب أن يتأخر قليلا في سفره إلى الإسماعيلية فوصل والقوم يخطبون ويشيدون بذكر الخديو دون الإشارة إلى السلطان، فإذا به يقف هاتفا لأمير المؤمنين ويتبعه الحاضرون بهذا الهتاف - وكان افتتاح القناة في السابع عشر من نوفمبر سنة 1869. •••
وهذا هو مجمل وجيز للبيانات الرسمية المصرية عن سير العمل في القناة إلى يوم افتتاحها، كما جاءت في تقويم النيل لصاحبه «أمين سامي باشا» المؤرخ المشهور: (1)
كان مبدأ العمل في حفر قنال السويس حصل في بورسعيد يوم (25 أبريل سنة 1859 / 21 رمضان سنة 1275). (2)
صرفت شركة مساهمة القنال في برزخ السويس 480 مليونا من الفرنكات، بما في ذلك أماكن العمال وبناء مدينتي بورسعيد والإسماعيلية والمحاط والمكافآت التي كانت تعطى زيادة على المرتبات. (3)
بلغ عدد العمال الوطنيين الذين أعدتهم الحكومة لهذا العمل بدون أجرة - سخرة - 27000 نفس، وأما عدد المستأجرين والمستخدمين فبلغ خمسة آلاف نفس تقريبا. (4)
بلغ طول القنال من بورسعيد إلى السويس - محطة توفيق - 87 ميلا. (5)
حصل الاحتفال بالسفر فيه في يوم 17 نوفمبر سنة 1869 وقد حضر هذا الاحتفال كل من جلالة إمبراطورة فرنسا وجلالة إمبراطور النمسا والمجر، والأمراء أولياء الروسيا وبروسيا وهولندة، وحضر أيضا بالنيابة عن دولة إنجلترا، رئيس عمارة حربية. (6)
وأول سفينة تجارية مرت بالقنال بعد الاحتفال بافتتاحه دافعة عوائد الأمور باعتبار عشرة فرنكات عن كل طونولاته هي السفينة المسماة «أمبيراتريس» وهي من سفن المساجيري أمبيريال، وهي الآن مساجيري ماريتيم.
Bog aan la aqoon