Darajat Sitt
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
Noocyada
إن الاتصال العام، شأنه شأن أغلب سمات النظم المعقدة، ليس من الواضح وضوحا مطلقا هل هو سمة جيدة أم سيئة. في سياق الأمراض المعدية وفيروسات الكمبيوتر، يشير وجود تكتل متخلل في الشبكة إلى وباء محتمل، لكن في سياق شبكات الاتصالات، كالإنترنت، حيث قد نرغب في ضمان وصول حزم البيانات إلى وجهتها في فترة زمنية معقولة، فإن التكتل المتخلل سيبدو ضرورة حتمية؛ لذا، من منظور حماية البنية التحتية، بدءا من الإنترنت ووصولا إلى شبكات الخطوط الجوية، تكون «قوة» اتصال الشبكة، في مقابل الأعطال العرضية أو الهجمات المتعمدة، هي التي نرغب في الإبقاء عليها، ومن وجهة النظر هذه أيضا، يمكن أن تكون نماذج التخلل مفيدة للغاية أيضا.
بعد أن أوضح ألبرت وباراباسي أن عددا من الشبكات الحقيقية، كالإنترنت والشبكة العنكبوتية العالمية، يمثل ما يسمى بالشبكات «عديمة المعيار»، بدآ يتساءلان هل الشبكات عديمة المعيار تحمل أي سمات تنافسية مقارنة بالتنويعات التقليدية. ويجدر التذكر هنا أنه في الشبكات عديمة المعيار، يتحكم قانون قوة، لا توزيع بواسون ذو القمة المدببة الذي نجده في الرسوم البيانية العشوائية الموحدة، في توزيع الدرجات؛ وهو الاختلاف الذي يترجم، عمليا، إلى مجموعة صغيرة من نقاط التلاقي «الغنية» التي لها عدد ضخم من الروابط، والكثير من نقاط التلاقي «الفقيرة» الأخرى التي ليس لها أي روابط تقريبا على الإطلاق. أصبح الآن ألبرت وباراباسي مهتمين بالسؤال الآتي: إلى أي مدى ستحافظ شبكتان، إحداهما شبكة عشوائية متسقة والأخرى عديمة المعيار، على جودة الاتصال داخلهما حين تبدأ نقاط التلاقي الفردية داخلهما في التعطل.
إن التفكير في قوة الشبكة كأمر مؤثر على الاتصال جعل المشكلة مشكلة معنية بتخلل المواقع، لكن في هذا التطبيق، لعبت احتمالية الإشغال دورا مناقضا لدورها في نشر الأمراض؛ ففي حين اهتممت أنا ومارك بالأساس بتأثير المواقع المشغولة (القابلة للإصابة)، انصب اهتمام ألبرت وباراباسي على المواقع غير المشغولة؛ بلغة الشبكات، نقاط التلاقي التي تعطلت. من منظور القوة، كلما قل تأثير كل موقع غير مشغول على اتصال الشبكة، كان ذلك أفضل. كانت نظرة ألبرت وباراباسي للاتصال مختلفة عن نظرتي أنا ومارك؛ ففي حين لم نهتم إلا بما إذا كان هناك تكتل متخلل أم لا، أراد ألبرت وباراباسي معرفة عدد الخطوات بالضبط التي ستلزم لتعبر رسالة ما من أحد جانبي التكتل إلى الجانب الآخر. لا يمثل أي من هذين التعريفين السبيل الوحيد الصحيح للتفكير في القوة، لكن تعريفهما كان مناسبا بوضوح لنظم كالإنترنت؛ حيث تؤدي الزيادة في العدد النموذجي للقفزات التي تقفزها رسالة ما إلى زيادة كل من الوقت المتوقع لإيصالها واحتمال عدم وصولها.
كان أول ما أوضحه ألبرت وباراباسي أن الشبكات عديمة المعيار أكثر مقاومة لحالات الفشل «العشوائية» مقارنة بالشبكات العشوائية العادية، والسبب ببساطة هو أن خصائص الشبكات عديمة المعيار يسيطر عليها جزء صغير من نقاط التلاقي «المركزية» قوية الاتصال، ونظرا لندرة هذه المراكز، فإنها أقل عرضة لأن تفشل بالصدفة العشوائية مقارنة بنظرائها الأقل اتصالا والأكثر عددا منها بكثير، ومثل غياب مطار محلي صغير من شبكة الخطوط الجوية الأمريكية، يكون فقدان نقطة تلاق «فقيرة» غير ملحوظ إلى حد بعيد خارج المنطقة المجاورة لها مباشرة، وعلى النقيض من ذلك، في الشبكات العشوائية العادية، لا تكون نقاط التلاقي الأكثر اتصالا بمثل هذه الأهمية الشديدة، ولا تكون النقاط الأقل قوة في اتصالها غير مهمة تماما، ونتيجة لذلك، فإن كل نقطة تلاق مفقودة سيكون لها اعتبارها، وقد لا يكون ذلك بالحدث الجلل، لكنه أكثر أهمية مما لو حدث في الشبكات عديمة المعيار. وفي ضوء الأدلة الحديثة التي تؤكد أن الإنترنت هي في الواقع شبكة عديمة المعيار، تابع ألبرت وباراباسي عملهما لطرح نموذجهما كتفسير لكيفية عمل الإنترنت على هذا النحو الموثوق، على الرغم من تعطل المحولات الفردية طوال الوقت.
لكن هناك جانبا آخر للقوة أشار إليه ألبرت وباراباسي أيضا؛ فمع أنه في بعض الشبكات، كالإنترنت، تحدث أعطال المحولات بالفعل عشوائيا، فإن الأعطال يمكن أن تكون أيضا نتيجة للهجمات المتعمدة التي قد لا تكون عشوائية على الإطلاق. وفي الإنترنت أيضا، تستهدف هجمات قطع الخدمة، مثلا، نقط التلاقي قوية الاتصال، وفي أمثلة أخرى، بدءا من شبكات الخطوط الجوية ووصولا لشبكات الاتصالات، من الواضح أن المراكز تكون هي الأهداف الرئيسية لأي مخرب محتمل. وما أوضحه ألبرت وباراباسي هو أنه نظرا لأن نقاط التلاقي الأقوى اتصالا في الشبكة تكون الأولى في التعطل، فإن الشبكات عديمة المعيار تكون «أضعف» بالفعل من الشبكات المتسقة، ومن قبيل المفارقة أن سرعة تأثر الشبكات عديمة المعيار بالهجمات يرجع إلى السمة ذاتها التي تعزى إليها قوتها الظاهرية؛ في الشبكات عديمة المعيار، تكون نقاط التلاقي الأقوى اتصالا أهم بكثير لعمل الشبكة بأكملها مقارنة بنظيراتها في الشبكات المتسقة، ومن ثم فإن الرسالة العامة هنا مبهمة: تعتمد قوة الشبكة اعتمادا كبيرا على الطبيعة المحددة للأعطال، فيكون للأعطال العشوائية والمستهدفة نتائج متناقضة تماما.
مع أنه من المهم وضع كلا نوعي الأعطال في الاعتبار، فيبدو عطل المراكز الأكثر تأثيرا ذا أهمية خاصة؛ لأنه لا يجب أن يحدث بالضرورة على نحو متعمد أو لغرض الإيذاء؛ ففي كثير من شبكات البنية التحتية التي تعتمد على نحو غير متناسب على جزء صغير من نقاط التلاقي قوية الاتصال، قد تكون معدلات فشل هذه النقاط، التي تتجاوز المتوسط، نتيجة حتمية بالفعل لاتصالها. على سبيل المثال، في شبكة الخطوط الجوية، يؤدي القدر الهائل لحركة الطيران التي تمر بالمراكز الرئيسية إلى زيادة احتمالية تعرضها للأعطال، وهي الظاهرة التي اعتاد عليها المسافرون جوا في نيويورك بشكل مؤلم؛ ففي مطار لاجارديا في كوينز، تكون مواعيد الرحلات القادمة والمغادرة متقاربة للغاية بعضها من بعض، مما يعني أن سلسلة بسيطة من التأخيرات، التي من الممكن في أي مطار صغير استيعابها في الفترات الزمنية العادية الفاصلة بين رحلات الطيران، يمكن أن تتراكم لتبقي الطائرات على الأرض لساعات، حتى في الأيام التي قد تبدو مثالية. في الواقع، كان مطار لاجارديا في عام 2000 مصدر 127 رحلة من إجمالي 129 رحلة طيران متأخرة في البلاد! لا تمثل التأخيرات بالمراكز الرئيسية كمطار لاجارديا مشكلة للمسافرين المحليين فحسب، بل إن كل رحلة متأخرة بمركز رئيسي تؤدي إلى تأخيرات متتالية أيضا بالمطار المتوجهة إليه، ومن ثم كلما زاد عدد رحلات الطيران بالمركز الرئيسي، زاد احتمال تعرضه لحالات تأخير، وزادت فرصة انعكاس تأثير هذه التأخيرات على النظام ككل.
ومن ثم يؤدي اعتماد شبكات الخطوط الجوية الحديثة على شبكة فرعية من المراكز الرئيسية اعتمادا كبيرا إلى جعلها سريعة التأثر بالتأخيرات واسعة الانتشار التي تحدث بين الحين والآخر، لكن هذا يطرح أيضا حلا؛ فبدلا من التركيز على نظام تتحمل فيه المراكز الرئيسية عبء توصيل الناس من النقطة (أ) إلى النقطة (ب)، يمكن أن تحول الخطوط الجوية بعض الروابط من المراكز الرئيسية الكبرى الأكثر تعرضا للأعطال إلى المطارات الإقليمية الأصغر التي تحدث التأخيرات فيها بشكل رئيسي نتيجة لمشكلات يكون مصدرها المراكز الرئيسية. في ظل هذا التنظيم، تكون المطارات في ألباكيركي وسيراكيوز - على سبيل المثال - متصلة مباشرة، بدلا من الحاجة لتوجيه الرحلات عبر شيكاغو أو سانت لويس. والمطارات الصغيرة للغاية، كالموجودة في إيثاكا أو سانتا في، تظل أفرع لهذه المراكز الرئيسية، ومن خلال خفض درجة فعالية المراكز الرئيسية، تحتفظ الشبكة ككل بقدر كبير من الفعالية التي تستمدها من حجمها الكبير، لكنها تقلل من احتمالية فشل النقاط الفردية، وفي حال فشل أحد المراكز الرئيسية بالفعل، سيتأثر عدد أقل من رحلات الطيران، مما يؤدي إلى الحد من معاناة النظام ككل.
مع ما يبدو عليه الأمر من وضوح، بالنظر إليه من منظورنا اليوم، فالنتيجة التي توصل إليها ألبرت وباراباسي كانت أنيقة تماما، وعند ظهور بحثهما عن «هجمات الشبكات وفشلها» على غلاف مجلة «نيتشر»، أحدث عاصفة صغيرة من الاهتمام الإعلامي، وعاتبنا أنفسنا ثانية للتغافل عن مشكلة واضحة، ثم بمساعدة طالب آخر من طلاب ستيف - دانكن كالاواي - انطلقنا للحاق بألبرت وباراباسي. في الواقع، نجح دانكن في حل مشكلة أصعب بكثير من تلك التي تناولتها مجموعة باراباسي، وباستخدام الأساليب التي طورتها أنا وستيف ومارك لدراسة الاتصال بالشبكات العشوائية، تمكن دانكن من حساب تحولات التخلل المختلفة بالضبط، بدلا من استخدام أساليب المحاكاة بالكمبيوتر، وتمكن كذلك من حل مشكلة أعطال الروابط ونقاط التلاقي، وأوضح كيف يمكن تطبيق النموذج ليس فقط على الشبكات عديمة المعيار، بل أيضا على الشبكات العشوائية بأي درجة توزيع على الإطلاق. لقد كان مجهودا مذهلا بوجه عام، وتمكنا نحن الأربعة من التوصل إلى بحث رائع نتيجة له، لكنه في النهاية لم يحدث اختلافا كبيرا، وكانت النتائج التي توصلنا إليها، إلى حد ما، مشابهة لنتائج ألبرت وباراباسي، ولزم علينا الاعتراف بأن الأسبقية كانت لهما في التفكير فيها.
لحسن حظنا، فإن تطبيق أساليب التخلل على مشكلات العالم الواقعي عمل دقيق إلى حد ما، ومن ثم ظل هناك الكثير من المشكلات المثيرة. لا تعد الشبكات الواقعية أكثر تعقيدا فحسب من أي نموذج عشوائي - سواء أكان عديم المعيار أم لا - لكن عادة ما تمثل طبيعة العملية نفسها تمثيلا سيئا من خلال الافتراضات النموذجية لنظرية التخلل. على سبيل المثال، تفترض نماذج التخلل على نحو قياسي أن جميع نقاط التلاقي لديها الاحتمالية ذاتها لسرعة التأثر، لكن على أرض الواقع، يمثل التغاير سمة مهمة للجماعات البشرية والكثير من الجماعات غير البشرية، وفي أمور أيضا كانتشار الأمراض، يمكن أن يختلف الأفراد اختلافا كبيرا في سرعة تأثرهم الفطرية أو قدرتهم على إصابة الآخرين بالعدوى، وعند وضع العوامل السلوكية والبيئية في الاعتبار، يمكن أن تكون الاختلافات بين أفراد أي مجموعة معقدة؛ وذلك نتيجة وجود علاقات متبادلة قوية. على سبيل المثال، في حالة الأمراض المنقولة جنسيا، يكون الأفراد ذوو معدل الخطر المرتفع أكثر احتمالا للتفاعل بعضهم مع بعض، وهي السمة السلوكية التي قد يكون لها أصول اجتماعية، لكن من الواضح أن نتائجها وبائية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن الربط بين حالات الأفراد، ليس فقط وفقا لسماتهم الجوهرية ، بل أيضا ديناميكيا؛ ومثال جيد على ذلك العطل المتعاقب في شبكة نقل الطاقة الكهربائية الذي تناولناه في الفصل
Bog aan la aqoon