Darajat Sitt
الدرجات الست وأسرار الشبكات: علم لعصر متشابك
Noocyada
في تلك الأثناء التي كان مارك يجري فيها بعض الأعمال وحده - في منتصف تسعينيات القرن العشرين - بدأ كل من بول جينسبارج وجيفري ويست - وهما عالما فيزياء بمختبر لوس ألاموس الوطني - ثورة صغيرة في مجال النشر العلمي، عن طريق إنشاء مخزن إلكتروني على الإنترنت للأبحاث قبل النشر التي تتناول العديد من التخصصات الفرعية في الفيزياء، وما كان من العاملين في مجال الفيزياء، المحبطين كسواهم من عملية النشر التقليدية القائمة على الدوريات والتواقين دائما للحاق بالموجة التالية، إلا أن تهافتوا على ذلك المنفذ الجديد المعروف باسم «أرشيف المطبوعات الإلكترونية لمختبر لوس ألاموس الوطني». يقوم هذا الأرشيف بوظيفتين على الأقل تجعلان منه مؤسسة علمية ابتكارية؛ أولا: يقدم للباحثين خيار النشر الفوري؛ إذ لا يتطلب الأمر منهم سوى تحميل أبحاثهم على خوادم الأرشيف. ثانيا: يزود باقي العاملين في مجال البحث العلمي بإمكانية وصول سريعة لأعمال الباحثين الآخرين جميعا، الأمر الذي يؤدي إلى الإسراع للغاية من دورة الأفكار والابتكار. لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الإمكانية غير المقيدة لنشر عمل المرء أمرا جيدا تماما لتقدم العلم أم لا، لكن من الواضح أن معظم الفيزيائيين يؤمنون بذلك، على الأقل إذا وضعنا حماسهم لتحميل الأبحاث وتنزيلها في الاعتبار.
بالإضافة إلى أهمية الأرشيف المؤسسية، فإنه يمثل أيضا وسيلة للتحقق العلمي من خلال كونه شبكة للتعاون بين العلماء؛ ففي خلال نصف عقد منذ تأسيسه، نشر ما يزيد عن خمسين ألف باحث نحو مائة ألف بحث به. ومن الجلي أن هذه الأرقام ليست سوى جزء صغير من إجمالي عدد الفيزيائيين وأبحاثهم على مدار الزمن ككل، لكنها معبرة بما فيه الكفاية لتمثل على الأقل البنية الاجتماعية المعاصرة لهذا الفرع من المعرفة. تمكن مارك بمساعدة جينسبارج من الحصول على قاعدة البيانات الكاملة للأبحاث والمؤلفين، وتمكن من خلالها من إعادة بناء شبكة التعاون المتوافقة في صورة رسم بياني ذي قسمين.
تمكن كذلك مارك، الذي لا يرضى عن الإتقان التام بديلا، من الحصول على بعض البيانات الأكثر إثارة للإعجاب، وهي قاعدة بيانات «ميدلاين» للأبحاث والباحثين في مجال الطب الحيوي، التي جمع محتواها على مدار فترة زمنية أطول بكثير من أرشيف المطبوعات الإلكترونية، وتضم ما يزيد عن مليوني بحث ومليون ونصف المليون من المؤلفين. بالتأكيد هذه الأرقام أكبر بكثير مما يمكن تناوله في تحليل الشبكات الاجتماعية (تعد مجموعة بيانات ديفيز كبيرة، وهي بالآلاف فقط). لم يجب على مارك استخدام تطبيق «إنتل كلستر» فحسب، وهو التطبيق الذي كان قد ثبت للتو بمعهد سانتا في لإجراء الحسابات، لكن كان عليه أيضا تحسين بعض خوارزميات الشبكات القياسية؛ كيلا تحتاج تلك الأداة لسنوات لإتمام العمل. وكما لو أن ذلك لم يكن كافيا، حصل مارك أيضا على قاعدتي بيانات أصغر حجما (لكنهما لا تزالان ضخمتين بمعايير الشبكات الاجتماعية) من مجالي الحاسبات وفيزياء الطاقة العالية.
من المنظور الاقتصادي، لا تتمتع شبكة التعاون العلمي بالأهمية الواضحة نفسها التي تتسم بها شبكة مديري الشركات، لكن عند المتابعة على مدى زمني أطول، يكون لقدرة المجتمع العلمي على الابتكار، والاتفاق أيضا، آثار عميقة (وإن كانت غامضة إلى حد ما) على إنتاج وتحويل معارف جديدة تتغير بها أوجه التكنولوجيا والسياسة، ونظرا لأن البنية الاجتماعية لصور التعاون تمثل آلية يتعرف بها العلماء على تقنيات جديدة ويحلمون بأفكار جديدة ويحلون مشكلات ما كانوا ليتمكنوا أبدا من حلها وحدهم، فإنها مهمة لسير البحث العلمي على نحو سليم. وبوجه خاص، يمكن أن يأمل الفرد أن تتصل شبكة تعاون ضخمة من العلماء في صورة مجتمع واحد وليس مجتمعات فرعية منعزلة عديدة.
هكذا، حين تقابلنا في إيثاكا في عطلة نهاية الأسبوع بشهر مايو، لم يكن لدينا بعض الأفكار النظرية بشأن شبكات الارتباط فحسب، بل أيضا صورة ممتازة للظاهرة التجريبية التي يجب على نماذجنا تفسيرها. تمثلت إحدى أكثر السمات إدهاشا لشبكات التعاون، على سبيل المثال، في أن أغلبية المؤلفين في كل من هذه الشبكات كانوا متصلين بالفعل في مكون واحد يمكن ربط كل عالم عامل بداخله بأي عالم آخر من خلال سلسلة قصيرة فقط من المتعاونين (أربعة أو خمسة أفراد عادة). لم نتفاجأ في الواقع بهذه النتائج؛ لأننا لاحظنا هذه السمة من قبل في شبكة الممثلين السينمائيين، لكن يجب التذكر هنا أن بعض مجموعات بيانات مارك قد أنشئت في خمس سنوات فحسب، وتكونت بالفعل من عشرات الآلاف من المؤلفين، ومن ثم لم يتح للعلماء (الذين يتسمون بالتركيز الشديد دائما) وقتا طويلا للاتصال بعضهم ببعض كما هو الحال مع الممثلين، بالإضافة إلى ذلك، يكون العدد المعتاد لمؤلفي أي بحث حوالي ثلاثة فقط، وهو العدد الأقل بكثير من متوسط فريق التمثيل بالأفلام (نحو ستين فردا)، وهو ما لا يسهل على كل فرد أن يتصل بنظرائه على نحو جيد.
مع ذلك، يمكن لنظرية الرسم البياني العشوائي أن تفسر هذه الظاهرة بسهولة إلى حد ما. في الرسوم البيانية العشوائية - كما هو الحال في النموذج ألفا الموضح في الفصل
الثالث - لا يمكن وجود مكونين كبيرين بالحجم ذاته تقريبا دون أن يكونا متصلين؛ والسبب في ذلك ببساطة هو أنه إذا كان هذان المكونان موجودين بالفعل، فحتما سيتصل أحد أعضاء أحد المكونين في النهاية، بالصدفة العشوائية، بعضو بالمكون الآخر، وسيتوقف انفصالهما عند هذه المرحلة. ربما تكون المفاجأة هي أن هذه النتيجة عينها تظهر في الشبكات غير العشوائية أيضا، حيث تعزل قوى، مثل التخصصات المعرفية، المجتمعات بعضها عن بعض، لكن كما رأينا في النموذج ألفا، فإن أقل قدر من العشوائية يبدو أنه يحل الأمر، ومن ثم، فإن الاتصال القوي وقصر طول المسارات العامة تنبئ على نحو جيد بنموذج لشبكة عشوائية. (7) تعقيدات
مع ذلك، سريعا ما كشفت دراسة البيانات على نحو أكثر دقة عن عدد من الخصائص البعيدة كل البعد عن الشبكات العشوائية. بداية، كانت شبكات التعاون جميعها شديدة التكتل كشبكات العالم الصغير، التي صارت مألوفة بحلول ذلك الوقت. ثانيا، التوزيعات المعبرة عن عدد الأبحاث التي كتبها كل مؤلف، وعدد المؤلفين المعاونين له في كتابة كل من هذه الأبحاث، بدت مشابهة لتوزيع قانون القوة لباراباسي وألبرت أكثر من توزيعات بواسون ذات القمم التي تعد سمة مميزة للرسوم البيانية العشوائية.
ازدادت الأمور تعقيدا عندما بدأنا في فحص بيانات ديفيز المتعلقة بمجالس الإدارات، كان «كل فرد» في شبكة المديرين بأكملها - وليس فقط عدد كبير منهم - متصلا بالآخرين، وكانت توزيعات الدرجات المتوافقة بعيدة عن الشبكات العشوائية الطبيعية أو عديمة المعيار. إن الانضمام إلى مجلس إدارة إحدى الشركات المدرجة في قائمة أفضل 1000 شركة وفق تصنيف مجلة فورتشن الأمريكية، ليس بالمهمة الهينة؛ لذا فليس من المدهش أن يكون معظم المديرين - نحو 80 بالمائة منهم في الواقع - ينتمون إلى مجلس إدارة واحد فحسب. يتناقص التوزيع بعد ذلك تناقصا أسيا، أسرع بكثير من توزيع قانون الطاقة، لكن أبطأ من التوزيع الطبيعي أو توزيع بواسون. بالمصادفة، فإن أكثر المديرين اتصالا في الشبكة هو فيرنون جوردن، أعز أصدقاء الرئيس الأمريكي الأسبق، بل كلينتون، الذي اكتسب سمعة سيئة للغاية أثناء فضيحة مونيكا لوينسكي (شركة ريفلون، التي يعتقد أنه عرض على مونيكا وظيفة بها، واحدة من الشركات التسع التي هو عضو بمجالس إداراتها). في الوقت ذاته، كان توزيع المديرين المشتركين - عدد المديرين الآخرين الذين يشاركون كل مدير في عضوية مجلس الإدارة - غريبا للغاية، فلا تظهر به - كما هو واضح في الشكل
4-7 - قمة واحدة فحسب، بل قمتان مختلفتان، ثم صف طويل يبدو بلا نهاية تقريبا. لا يتلاءم أي توزيع قياسي في أي كتاب إحصاء مع هذه الفوضى المنبسطة كثيرة التكتلات. أي نوع إذن من الشبكات كانت هذه الشبكة؟ وهل كانت هناك أي وسيلة لفهم مثل هذه التوزيعات في إطار نظرية سبق لها تفسير بنية شبكات التعاون؟
Bog aan la aqoon