المقدمات
مقدمة المحقق للطبعة الثانية
...
المقدمات:
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق للطبعة الثانية:
هذه هي الطبعة الثانية من كتاب "دار الطراز في عمل الموشحات" لابن سناء الملك أنشرها بعد أن نفدت طبعته الأولى منذ سنين طويلة.
وكنت قد وعدت أن تكون الطبعات المقبلة أكثر تمامًا وإتقانًا ودقة، ولكن ها هي ذي السنوات تمر وتمضي، وتحملني معها مشاغلها، وأنا موزع هنا وهناك، تتقاذفني أمواج عملي الأدبي والتعليمي دون أن أقوى على إعادة النظر فيما كتبت أو نشرت أو ألفت. فهل يبقى هذا الكتاب الهام، العزيز علي، وكأنه لا يزال مخطوطًا بعد أن نفدت طبعته الأولى وأثقلت مسامعي النداءات إلى إعادة طبعه؟ أم أعيد نشره كما كان وأترك للناس والباحثين حظ النظر فيه والبحث فيما يشعه من أضواء حول فن الموشح وأصوله؟
وأخيرًا قلت: لا بد من إعادة طبعه؛ فنص الكتاب هو الجدير بالقراءة وبالبحث قبل كل أمر آخر.
1 / 7
وهأنذا أعيد اليوم طبعه ونشره مع بعض التحقيقات الإضافية، وبذلك تتجدد غبطتي في دوام الفائدة التي أذعتها على الناس لأول مرة عندما أقدمت على تحقيق هذا الكتاب وجعلته يرى النور.
والله أسأل أن يمدنا بعونه وهدايته، وله الحمد أولًا وآخرًا.
دمشق رمضان ١٣٩٧هـ
أيلول "سبتمبر" ١٩٧٧م جودت الركابي
1 / 8
مقدمة المحقق للطبعة الأولى:
ابن سناء الملك١
"٥٥٠هـ/ ١١٥٥م- ٦٠٨هـ/ ١٢١١م"
حياته
هو أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك الملقب بالقاضي السعيد، والمعروف بابن سناء الملك، شاعر مفتنّ، أول من أدخل فن الموشحات إلى الشرق.
ولد بالقاهرة أو بضواحيها في حدود سنة ٥٥٠هـ "١١٥٥م"، ونشأ وافر السعادة في أسرة غنية، وتقلد منصب القضاء كأبيه وكان أحد الفضلاء والرؤساء النبلاء. قرأ القرآن على القارئ الشريف الخطيب٢ وأخذ الحديث عن الحافظ أبي طاهر أحمد بن أحمد السلفي الأصبهاني٣ ودرّس اللغة والنحو في حلقات ابن بريّ٤، وقد أفادته مخالطة هؤلاء
_________
١ للبحث عن المصادر التي اعتمدنا عليها، وللتوسع في ترجمة حياته، وفي بحث الموشحات بشكل عام انظر كتابنا: La pwesie profane sous les Ayyupipes et ses principaux representants Paris ١٩٤٩ وراجع أيضًا كتابنا: "في الأدب الأندلسي" الطبعة الرابعة، دار المعارف بمصر، القاهرة ١٩٧٥.
٢ توفي سنة ٥٦٣هـ/ ١١٦٧م.
٣ توفي سنة ٥٧٦هـ/ ١١٨٠م.
٤ توفي سنة ٥٨٢هـ/ ١١٨٦م.
1 / 9
العلماء فبرع في العلوم الدينية واللغوية والأدبية، ولكنه منذ شبابه أظهر ميلًا عظيمًا للشعر ولا سيما الموشح، هذا الفن الجديد الذي وجد فيه طريقه ووافق نفسه وهواه، بعد أن انبعث في بلاد الأندلس وازدهر فيها. ومع أن ابن سناء الملك يعترف بأنه لم يأخذ هذا الفن عن أستاذ أو شيخ، ولم يتعلمه في كتاب، فإننا نؤكد أنه كان على معرفة بآثار الوشاحين الأندلسيين أو الغربيين كما يسميهم كالأعمى، وابن بقي، وعبادة، والحصري وغيرهم١، فهو يذكرهم في كتابه ويتحسر لعجزه عن بلوغ شأوهم.
كان ابن سناء الملك، تحت تأثير تيار التأنق اللفظي الذي كان يسيطر على الأدب في ذاك العصر، يعجب، على الأخص، بالشعراء الذين كانوا يهتمون بالصنعة وضروب البيان والبديع، ولهذا كان يفضل، من بين القدماء، أبا تمام والبحتري ويود لو يستطيع مجاراة ابن المعتز الذي يذكر له هذين البيتين بإعجاب٢:
وقفت بالربع أبكي فقد مشبهه ... حتى بكت بدموعي أعين الزهر
لو لم تعرها دموع العين تسفحه ... لرحمتي لاستعارته من المطر
وقد تمكنت منذ شبابه أواصر الصداقة بينه وبين القاضي الفاضل، فكان يجتمع إليه بالقاهرة كما كان يجتمع إليه خارج مصر، ويعرض عليه آثاره ويتقبل ملاحظاته ثم يناقشه في أمور الشعر والأدب، ولهذا كنا نرى شاعرنا يرحل إليه عدة مرات عندما كان القاضي الفاضل بدمشق؛ فيجتمع إليه، ويتحدث معه حتى إذا ما افترقا أخذا في تبادل الرسائل والكتب. وقد حفظ لنا قسم من هذه الرسائل في كتاب صنفه شاعرنا
_________
١ انظر ترجمتهم في نهاية الكتاب.
٢ انظر كتاب: "فصوص الفصول وعقود العقول" لابن سناء الملك، مخطوط باريس رقم ٣٣٣٣.
1 / 10
تحت عنوان: "فصوص الفصول وعقود العقول"، وهو كتاب لا يزال مخطوطًا في المكتبة الأهلية بباريس.
هذه الصداقة أوحت بعدة قصائد مدح فيها شاعرنا صديقه وفضله، وهي تبين لنا أن أثر القاضي الفاضل كان عظيمًا في توجيه ابن سناء الملك، وتكوين أسلوبه الأدبي الخاضع للمدرسة اللفظية التي كان القاضي الفاضل زعيمها حينذاك.
لا ندري إذا كان شاعرنا قد تمكن من الاتصال بالسلطان صلاح الدين الأيوبي، إلا أن حبه لمؤسس الدولة الأيوبية كان كبيرًا يظهر في المدائح الرنانة التي وجهها إلى حامي الإسلام، وقاهر الصليبين. وأنت ترى خلال هذه المدائح نفسًا عربية مخلصة تجيش بالإبكار والإعظام والإجلال، نحو الرجل الذي صان الديار الإسلامية، وفرض احترامها على من حاول العبث بها، وطهر بيت المقدس من المغيرين على أرضه، فيهجر الشاعر الصنعة والتكلف عفوًا؛ ليترك العاطفة تتحدث وترتفع نشوى في أجواء النصر والمجد.
ولقد قضى شاعرنا أكثر أيامه في القاهرة، المدينة التي أحبها، وتغنى بمجالسها الناعمة. وكانت حياته -كما يقول لنا ابن خلكان- مملوءة بالهناء، تتفيأ ظلال النعيم والرخاء. وكان يجتمع، في هذا الجو الحضري الملموء شعرًا ولذة وطربًا، إلى جماعة من الشعراء؛ فتجري بينهم المحاورات والمسامرات التي يروق سماعها. وعندما مر الشاعر الدمشقي ابن عنين١ بالقاهرة، في طريقه إلى سورية، طربت هذه المحافل لمقدمة، وقد بقي فيها زمنًا قبل أن يتمكن من العودة إلى دمشق يجتمع إلى إخوانه الشعراء، ولا سيما إلى ابن سناء الملك، فتجري بينهم من المناظرات والمسامرات ما سطرت عنهم. وهكذا ما زال ابن سناء الملك يعب نعيم
_________
١ ولد سنة ٥٤٩هـ/ ١١٥٤م توفي ٦٣٠هـ/ ١٢٣٢م وله ديوان نشره بدمشق خليل مردم بك.
1 / 11
الحياة، منشدًا الشعر على ألحان الموشحات، حتى انطفأ، والأنشودة على ثغره في العشر الأول من شهر رمضان سنة ٦٠٨هـ شباط ١٢١١م. وذكره صاحب الكمال في عقود الجمان، وقال: إنه توفي يوم الأربعاء من الشهر المذكور كما في وفيات الأعيان لابن خلكان.
دار الطراز، أهمية الكتاب وتحليله:
ذكرنا في كتابنا "الشعر في العصر الأيوبي وممثلوه الأساسيون" الصفات التي امتاز بها شعر ابن سناء الملك، وقلنا: إنه يخضع للمؤثرات التي طبعت شعر ذاك العصر والتي بيناها هناك١.
وقد بدا لنا أن عبقرية هذا الشاعر لم تظهر بشكل بارع إلا في موشحاته، وفي مدائحه التي تتغنى بظفر السلطان صلاح الدين الأيوبي، وفي بعض أبياته الغزلية. إلا أن أصالته الحقيقية هي في فن الموشح الذي أحبه، وأكثر من النظم فيه.
والحقيقة أن هذا الفن الشعري لم يظهر في أول أمره في الشرق، ونعتقد أن مخترعه هو محمد بن حمود القيري الضرير، المولد في مدينة قبره من بلاد الأندلس، وقد عاش هذا الشاعر في نهاية القرن الثالث الهجري "القرن التاسع الميلادي"، إلا أن المحاولات التي قام بها لم تكن محاولات نهائية، وكان علينا أن ننتظر مجيء الشاعر عبادة بن ماء السماء المتوفى سنة ٤٢١هـ/ ١٠٣٠م لنرى الموشح قد أصبح فنًّا قائمًا بذاته، له أسسه وقواعده، وله أثره وجماله وشعراؤه.
وهكذا أخذ الموشح ابتداء من القرن الرابع الهجري، يزدهر ويسمو في سماء الأندلس، فظهر شعراء وشاحون، عبقريون، ينظمون فيه القصائد الممتعة كالأعمى
_________
١ Voir "La poesie profane sous les Ayyudes et ses principaux pepresintants ٢ Partie
1 / 12
التطيلي، وابن بقي، وغيرهما. وقد عجز كثير من المتأخرين عن تقليد هذه الموشحات، وبلوغ ذروة جمالها؛ حتى بقيت إلى اليوم مثالًا يُحتذى، ولم يتردد ابن سناء الملك نفسه عن الاعتراف بقصوره عن مجاراة الأندلسيين في هذا الفن.
ويظهر أن جميع هؤلاء الوشاحين الأندلسيين لم يبينوا لنا بصورة واضحة قواعد الموشح، وإن كنا نرى، هنا وهناك، في كتب الشعر والتراجم التي تتحدث عن الأندلسيين كالذخيرة مثلًا، بعض الإشارات إلى أصول هذا الفن. ولعل ابن سناء الملك هو أول من قام بهذه المهمة؛ فحاول في هذا الكتاب الذي ننشره أن يحدد قواعد هذا الفن الشعري، ويبين خصائصه وطرق نظمه وأوزانه، فكان بذلك الشاعر الأول المنظم لقواعد الموشح في المشرق كما في المغرب.
ولكن هذا الكتاب، على الرغم من التعاليم، والفوائد القيمة التي يقدمها لنا، لا يحل لنا معضلة أوزان الموشح وبحوره حلًّا نهائيًّا، وتظهر هذه المعضلة جلية في الموشحات التي لا تخضع لبحور الشعر المعروفة.
ولكن ألا يجدر بنا أن نتساهل في هذه الناحية، وأن لا نطلب من الشاعر الوشاح أن يتقيد بوزن قديم معروف تقيدًا شديدًا؟ إن الذي يميز هذا الفن ويكسبه جمالًا ليس العروض المقنن بل حرية الوزن، وهي -مع هذا- حرية تقودها أذن موسيقية وضرورات التلحين، كما يصرح ابن سناء الملك في كتابه فيقول: "والقسم الثاني من الموشحات هو ما لا مدخل لشيء منه في شيء من أوزان العرب، وهذا القسم منها هو الكثير، والجم الغفير، والعدد الذي لا ينحصر، والشارد الذي لا ينضبط. وكنت أردت أن أقيم لها عروضًا يكون دفترًا لحسابها، وميزانًا لأوتادها وأسبابها، فعز ذلك وأعوز، لخروجها عن الحصر، وانفلاتها عن الكف، ومالها عروض
1 / 13
إلا التلحين، ولا ضرب إلا الضرب، ولا أوتاد إلا الملاوي، ولا أسباب إلا الأوتار، فبهذا العروض يعرف الموزون من المكسور، والسالم من المزحوف. وأكثرها مبني على تأليف الأرغن، والغناء بها على غير الأرغن مستعار وعلى سواه مجاز."١.
وعلى هذا؛ فليس العجز هو الذي حدا بالعرب إلى أن يحجموا عن إيجاد عروض مقنن للموشح، كعروض الشعر العربي التقليدي، بل وجدوا ذلك يتنافى مع روح هذا الفن الخاضع للحرية والتلحين والغناء.
ونلاحظ أن المستشرق الألماني "هارتمان" قد حاول إرجاع أوزان الموشحات إلى ١٤٦ وزنًا أو بحرًا مشتقة من بحور الشعر العربي الستة عشرة، ولكن لا يمكننا أن نرى في هذه المحاولة إلا التكلف والتصنع، إذ هناك موشحات تشذ عن الأوزان التي ذكرها هارتمان في كتابه ولا تخضع لها٢.
ولهذا الكتاب فائدة أخرى: إنه يضم كثيرًا من موشحات الأندلسيين أو المغربيين كما يسميهم، وهي موشحات يصعب العثور عليها مجتمعة في كتاب آخر، وقد ذكرها ابن سناء الملك كشواهد ليشرح بها نظريته، وكذلك فقد جمع المؤلف في هذا الكتاب أكثر موشحاته.
تحليل الكتاب:
ليس هذا الكتاب ديوان ابن سناء الملك. ويخطئ ابن خلكان عندما يسميه ديوانًا، ولعل ابن خلكان أحب هذه التسمية عندما رأى أن هذا الكتاب يحتوي على أكثر موشحات المؤلف، ولكن يجب التنبيه إلى أننا لا نجد فيه- إلى جانب المقدمة النظرية- إلا موشحات وهو خال من القصائد التقليدية. ولهذا وجب التفريق بينه وبين ديوان
_________
١ دار الطراز "مقدمة المؤلف".
٢ Hartmann Das Muwassah Weimar ١٨٩٧ p ١٩٩ - ٢٠٠
1 / 14
ابن سناء الملك الذي يحتوي على قصائد الشاعر التقليدية١.
ودار الطراز كتاب يرسي إلى بيان كيفية نظم الموشحات وقواعد عروضها، ويتألف من مقدمة طويلة بعض الطول "٣٣ صفحة من مخطوط ليدن و٣٦ صفحة من مخطوط القاهرة" ومن قسمين٢.
تعتبر هذه المقدمة أهم ما في الكتاب، فهي تشرح لنا نظرية ابن سناء الملك في تأليف الموشحات ونظمها؛ بل تشرح لنا قانون الموشحات بشكل عام، وقد أصطبغت بأسلوب العصر؛ فجاءت مسجعة متكلفة، وتأتي بعد هذه المقدمة موشحات الأندلسين كشواهد استقى منها المؤلف الأمثلة التي جاء بها خلال مقدمة كتابه.
ويبلغ عدد هذه الموشحات ٣٤ موشحة جمعها تحت عنوان "الموشحات المغربية على ترتيب الأمثلة" وتؤلف ما سميناه في طبعتنا هذه القسم الأول.
ثم تأتي بعد ذلك الموشحات التي نظمها ابن سناء الملك وعددها ٣٥ موشحة مرتبة على نسق موشحات القسم الأول نفسه، وقد جمعها تحت عنوان "موشحات المصنف" وهي ما سميناه بالقسم الثاني.
وقد أضفنا في نهاية هذا القسم ذيلًا ضم موشحين للمؤلف عثرنا عليهما في كتابه "فصوص الفصول وعقود العقول" المذكور آنفًا
_________
١ هذا الديوان مخطوط في القاهرة والموصل ورامبور، ونسخة القاهرة تحمل رقم ٤٩٣١. وقد جمع هذا الديوان أحد أفاضل العلماء ورتبه على حروف الهجاء. مأخوذ بالتصوير الشمسي عن نسخة خطية بخط الشيخ محمد ابن خالد بن خليل الأزهري اللاذقي، وقد فرغ من كتابتها في سنة ١٣١٧هـ. انظر فهرس دار الكتب المصرية ج٣ ص١٠٨ القاهرة ١٣٤٥/ ١٩٢٧ "طبع هذا الديوان لأول مرة بتحقيق محمد عبد الحق بحيدر آباد الدكن بالهند سنة ١٩٥٨ وطبع للمرة الثانية بتحقيق محمد إبراهيم نصر بالقاهرة سنة ١٩٦٩".
٢ ترجم هارتمان هذه المقدمة إلى الألمانية، انظر كتابه: Das Muwasah p ٥٠ ٥٩
1 / 15
تاريخ تأليف "دار الطراز" ١
ذكر ابن سناء الملك في كتابه "دار الطراز" موشحتين من تأليفه "رقم ٩ ورقم ١٦" وفيهما يمدح الأفضل أبا الحسن علي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب الذي ملك مصر بعد وفاة أخيه العزيز في المحرم سنة ٥٩٥هـ واستمر بها حتى ربيع الآخر سنة ٥٩٦هـ بعدما أخرجه منها عمه العادل الذي مملكها حتى سنة ٦١٥هـ بينما أعطى الأفضل ميافارقين.
فإذا ما أنعمنا النظر في الموشحة رقم ١٦ التي يمدح فيها الأفضل أبا الحسن علي المذكور الذي كان سلطان مصر وملكها آنذاك، جاز لنا أن نؤكد أن "دار الطراز" لم يؤلف قبل سنة ٥٩٥هـ، لأننا نعلم أن العادل كان خصمًا للأفضل وأنه أخرجه من مصر، وأبعده إلى ميافارقين، ولهذا نستبعد أن يؤلف هذا الكتاب في عهد العادل، ولا سيما أنه كان متصلًا به، وموظفًا في دواوينه، وإنما ألفه في عهد الأفضل أي بين المحرم سنة ٥٩٥هـ وربيع الآخر الذي خرج فيه من مصر سنة ٥٩٦هـ، ولو أنه ألف الكتاب في عهد العادل لحذف هذه الموشحة وأختها رقم٩ أو على الأقل كان يضع بجانبها موشحات أخرى في العادل، وابنه الكامل. ومعروف أن ابن سناء الملك توفي سنة ٦٠٨هـ.
هذا ما يقوله الدكتور شوقي ضيف، ومع ذلك؛ فإننا لا نستبعد أن تكون أصول هذا الكتاب قد وضعت قبل سنة ٥٩٥هـ، أما ظهوره فقد يكون في التاريخ المشار إليه.
_________
١يعود الفضل في بيان هذا التاريخ إلى صديقنا الكريم الأستاذ الدكتور شوقي ضيف -أمد الله في عمره- فقد لفت نظرنا إليه مع بعض التحقيقات الأخرى عندما ظهرت الطبعة الأولى من الكتاب، فرأينا من الخير إضافته إلى هذه الطبعة، فله منا خالص الشكر والامتنان.
1 / 16
وصف المخطوطات:
اعتمدنا في نشر هذا الكتاب على مخطوطين: مخطوط القاهرة "ق" ومخطوط ليدن "ل"، ويظهر لنا أنهما الوحيدان الموجودان الآن، إذ لسنا على يقين من بقاء مخطوط، لينفراد الذي يشير المستشرق هارتمان١ والمستشرقان دخويا وهوتمسما إلى وجوده في متحف لينتغراد الآسيوي.
وقد بحثنا في الفهارس التي وضعها البارون روزن للمخطوطات العربية المحفوظة في هذه المدينة؛ فلم نجد لهذا المخطوط ذكرًا.
هذا ويتحتم على المحقق استعمال هذين المخطوطين لنشر هذا الكتاب: فمخطوط القاهرة ناقص، ولكنه أقدم من مخطوط ليدن وأكثر صحة، بينما نرى أن مخطوط ليدن تام ولكنه أقل دقة وترتيبًا من مخطوط القاهرة. وقد فضلنا اتخاذ مخطوط ليدن، لتمامه، أُمًّا وأساسًا لطبعتنا هذه، وأشرنا في الهوامش إلى أرقام أوراقه.
مخطوط القاهرة "ق"
يوجد هذا المخطوط في مكتبة دار الكتب٢ تحت رقم "٢٠٣٨". وهو نسخة كتبت بخط نسخي واضح جميل، ويبدو أنه من خطوط القرن السابع الهجري أو الثامن على الأكثر. في الصفحة الأولى والأخيرة منها
_________
١ Das Muwassah ٥٠
٢ انظر: فهرس الكتب العربية الموجودة بالدار لغاية آخر شهر مايو ١٩٢٦ ج٣ القاهرة ١٣٤٥هـ/ ١٩٢٧م. الوصف في هذا الفهرس مختصر جدًّا.
1 / 17
خطوط مختلة لبعض من تملكوا النسخة، أو نظروا فيها. وفيها بعض تقطيع وترقيع في عدة مواضع أضاع بعض الكلمات والأسطر، وعدد أوراقها ٨٣ ورقة "أي ١٦٦ صفحة" وعدد أسطر كل صفحة ١١ وحجمها: طول ١٨* عرض١٤س م.
وهذه النسخة مخرومة إذ بها نقص بين ورقتي ٦١ و٦٢ مقداره أربع ورقات تقريبًا، لأن الأبيات الموجودة في أول ورقة ٦٢ هي من موشح آخر غير المذكور في ورقة ٦١ كما يتضح ذلك من قفله ومن قافتيه.
والناسخ دقيق، وبعض الكلمات مشكولة، والأخطاء النحوية والصرفية قليلة مما يدل على حسن اطلاع الناسخ. والأبيات والأقفال مرتبة ترتيبًا حسنًا في كل موشح، وكذلك الأجزاء والفقرات.
وقد دلتنا هذه النسخة على تصويبات واختلافات مفيدة، وهي من هذه الناحية، تفوق مخطوط ليدن.
العنوان: دار الطراز تأليف القاضي السعيد أبي القاسم هبة الله بن جعفر بن سنا الملك الكاتب ﵀.
مطلع الصفحة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم رب أنعمت فزد الحمد لله استفتاحًا بحمده....
نهاية الصفحة الأخيرة: تم الكتاب بعون الله، والحمد لله على نعمه وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم.
مخطوط ليدن "ل"
إن النسخة التي حصلنا عليها مأخوذة بالتصوير الشمسي عن النسخة الخطية المحفوظة في مكتبة جامعة ليدن بهولندة تحت رقم "٢٠٤٧= ٣٢٤
1 / 18
Amin" وقد تفضل حضرة المستشرق كرامر Kramers أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة المذكورة فتحمل أعباء إيصالها إلينا فله الشكر.
هذه النسخة اعتمد عليها هارتمان في دراسته للموشح، وقد وصفها في كتابه وصفًا موجزًا، وقد ذكرها أيضًا دوخيا، وهوتسما في فهرسهما. عدد أوراقها ٨٦ ورقة، وأسطر كل صفحة عشرة. وقد كُتبت بخط شرقي واضح ولكنه سريع، وأقل دقة من خط نسخة القاهرة.
جميع صفحاتها تامة ومكشولة، ومظهرها الخارجي جميل غير أن الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية كثيرة مما يدل على جهل الناسخ. ويصعب على القارئ تمييز الأبيات والأقفال والأجزاء، والفقرات في كل موشح؛ لأنها متداخلة مشوشة لا تفصل بينها فواصل.
وهي خالية من التاريخ، ولكن مظهرها يدل على أنها ليست قديمة العهد جدًّا، ولعلها كتبت في حدود القرن السابع عشر. وما من داع يحملنا على أنها نسخت عن مخطوط القاهرة، إذ أنها لا تماثلها في الأخطاء والترتيب. وقد أضيف في مبدإ هذه النسخة ثلاث ورقات ليس لها أي اتصال بموضوع الكتاب، كتب فيها بعض الأبيات الشعرية، وعبارات مختلفة لبعض من تملكوها أو نظروا فيها. وفي صفحة أخيرة مفردة من هذه النسخة موشح ماجن لابن مكانس كتب بخط يخالف خط الناسخ، لم نر فائدة من إثباته.
وقد راعينا في طبعتنا هذه ذكر ترقيم صفحات هذه النسخة بعلامة عند أول كل صفحة، وأثبتنا في الهامش أمامها رقم الورقة وبجانبه حرف أدلالة إلى الوجه، وحرف ب دلالة على الظهر. وقد أفادتنا هذه النسخة في سد النقص الكائن في نسخة القاهرة.
العنوان: "دار الطراز في عمل الموشحات تأليف القاضي السعيد أبي القيم هبة الله بن جعفر بن سنا الملك الكاتب ﵀.
1 / 19
مطلع الصفحة الأولى: بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين وكفى به معين١ الحمد لله استفتاحًا بحمده ...
نهاية الصفحة الأخيرة: والحمد لله أولًا وآخرًا، حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم إلى يوم الدين آمين. من جملة ما كتبه العبد الفقير الحقير محمد آمين أكماش٢ الحنفي غفر الله له ولمن دعا له بالمغفرة والمسلمين.
وقد رأينا من اللازم علينا، في سبيل تحقيق بعض العبارات، وبعض الموشحات والتثبت من صحة بعض الأسماء التي يوردها المؤلف في كتابه، أن نعود إلى بعض كتب الأدب الأساسية، ولا سيما الكتب التي تبحث في الأدب الأندلسي وتاريخ رجاله كالذخيرة والمطمح، وقلائد العقيان ونفح وعود العقول" الذي يذكر فيه ابن سناء الملك ثلاث موشحات.
هذه هي أهم المصادر التي عدنا إليها في تحقيق هذا الكتاب ونشره، ونعتقد أنه سيقدم إلى دارسي أدبنا فائدة جلي، ولا سيما أن فن
_________
١ كذا في المخطوط، والصواب "معينًا".
٢ كذا في المخطوط، والصواب "محمد بن أر كماش" ويقال: "أر كماس" بالسين المهملة، وهو لفظ تركي معناه "لا يجفل"،"محمد بن أر كماش" هذا من تلاميذ الحافظ بن حجر، ولد سنة ٨٤٢هـ كما في ترجمته في "الضوء اللامع" للسخاوي "٧/ ١٣١" وكانت وفاته في حدود سنة ٩٢٠هـ كما يقول الشيخ محمد زاهر الكوثري في رسالته التي سماها "تعطير الأنفاس بذكر سند ابن أر كماس" المطبوعة بمصر سنة ١٣٦٩هـ. أفادنا بهذا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة من حلب بعد أن اطلع على طبعتنا الأولى لهذا الكتاب فجزاه الله عن العلم وأهله خيرًا.
1 / 20
الموشح قد فتح أمام الشعر العربي آفاقًا جديدة، وحرره من قيوده التقليدية، ولهذا يلاقي اليوم من النقاد والشعراء اهتمامًا خاصًّا.
وقد كان عملنا في تحقيق هذا الكتاب أن كنا نقابل بين النسختين المخطوطتين ونثبت ما هو أصح رواية، ونشير في ذيل الصفحات إلى اختلاف الروايات، وكنا في بعض الأحيان نثبت الرواية الخاطئة في الذيل، إذا بدا لنا ذلك مفيدًا مشيرين إلى التصحيح الذي أوردناه في النص الأصلي.
وقد أهملنا ذكر الأخطاء الواضحة في ذيل الصفحات، كالأخطاء التي يرتكبها ناسخ مخطوط ليدن ويكررها؛ فهو لا يفرق بين الألف المقصورة والياء، كما لا يفرق بين واو العلة في آخر الفعل، وبين واو الضمير؛ فكان يلحق دائمًا ألفًا بعد كل فعل معتل الآخر بالواو، إن هذه الأخطاء وأشباهها لم نشر إليها.
وقد أضفنا في نهاية الكتاب معجمًا صغيرًا وبسيطًا بشرح لغويًّا الكلمات التي يصعب فهمها على المبتدئين، كما ألحقنا به ترجمة مختصرة للأعلام الشهيرة التي وردت في الكتاب.
وإننا لا نخفي، رغم الجهد الذي بذلناه، أن عملنا ليس تامًّا، وقد يعثر فيه على بعض الهنات، وهذا أمر قد لا ينجو منه إنسان ولا سيما إذا علم القارئ الكريم أننا هيأنا طبع هذا النص في ظروف الحرب الأخيرة القاسية. لهذا نرجو أن تكون الطبعات المقبلة أكثر تمامًا وإتقانًا ودقة، والعصمة لله وحده.
ولا يمكنني، في النهاية، إلا أن أتقدم بعظيم شكري إلى جميع أستاتذتي في جامعة باريس، الذين قدموا إلي المساعدات القيمة ورعوني
1 / 21
في أثناء دراستي وإرشاداتهم. وأخص بالذكر من بينهم الأستاذ المستشرق ليفي بروفنسال الذي كان له الفضل في توجيه انتباهي نحو هذا الكتاب، وحثي على إحيائه، والأساتذة المستشرقين ماسينيون، وبلاشير، وسوفاجه، الذين وجهوا دراستي نحو خطط مفيدة ومنتجة، ولم يبخلوا علي بنصائحهم التي كان لها أثر كبير في نفسي. كما أشكر جميع الزملاء والأصدقاء الذين اطلعوا على عملي وآزروني بإرشاداتهم.
باريس، حزيران ١٩٤٧.
جودت الركابي
1 / 22
نماذج من مخطوطة ليدن:
اسكانر
1 / 23
اسكانر
1 / 24
اسكانر
1 / 25
اسكانر
1 / 26