ورأينا في أرض مصر قومًا يُقال لهم المرازقة، يَستثنون في كلّ خيرٍ. إِنّ أحدهم يقول: "هذا حصيرٌ، إِن شاء الله. هذا إِنسانٌ، أة زيدٌ، أو النار حارّةٌ، أو الماء باردٌ، إِن شاء الله". فهو في الغلوّ والإِفراط مقابل المعتزلة في التفريط.
والتحقيق في هذا أنّ كلّ قضيّة عُمِلَت يقينًا، وأجرى اللهُ عادتَه ببقائها وعدم تغيُّرها، لا يُشرَع فيها الاستثناءُ، لأنّه عَبثُ. وربما جَرّ إِلى السفسطة وإِنكار الحقائق؛ إِذ يقول الشخص: "هذا الجبل حجرٌ، إِن شاء الله"، خشية أن لا يكون شواءً، أو لبنيّةً، أو حلواء، أو مريسًا، أو قطنًا، أو تبنًا، أو لا شيء، بل خيالٌ في منامٍ. وذلك خروجٌ عن العقل.
[إِيجابهم إِرسالَ الرسلِ، وإِيجابُ الرافضةِ نصبَ الأئمة، على الله عقلًا]
ومنها أنّ إِرسال الرسل واجبٌ على الله عقلًا رعايةً للصلاح. وأوجبت الرافضةُ نَصبَ الإِمامِ على الله عقلًا. ووافقهم أبو الحسين البصريّ، على ما حُكِيَ فيه المحصّل. وحكاه ابن بَرهان عن غيره من المعتزلة. وهو قياسُ إِيجابهم إِرسالَ الرسل، لاستوائهما في رعاية المصالح. وقد أبطلنا أصلَ ذلك.
وحُكي عن الأصمّ أنّ العالَم إِذا تناصفوا بينهم، بحيث يُستغنى عن سياسة الإِمام، لم يجب نصبُه. وهو قولٌ صحيحٌ. والجمهور على أنّ نصبَ الإِمامِ من الله تَفضُّلٌ، وهو على الأمّة واجبٌ على الكفاية.
[قول أبي هاشم: "دفع الضرر عن النفس واجبٌ عقلًا، وعن الغير سمعًا"]
ومنها ما حُكي ابن بَرهان عن أبي هاشمٍ، أنّه يجب على العاقل بالعقل دفع الضرر عن نفسه، ولا يجب عن غيره إِلاّ بسمعٍ. قلتُ: الوجوب العقليّ باطلٌ، لما سبق. أمّا الحكم في هذا عند بعض العلماء، فإِنّ الإِنسان يلزمه الدفعُ مع القدرة عن حرمته إِذا أُريدت للزنا، لأنّ الدفع حقُّ الله، دون ماله، لأنّه حقّ نفسه. وفي نفسه قولان، بناءً أُريدت للزنا، لأنّ الدفع حقُّ الله، دون ماله، لأنّه حقّ نفسه. وفي نفسه قولان، بناءً
1 / 105