فَإِنَّهُ من نقل بعض الْحِجَازِيِّينَ وَفِيه نظر وَأهل الْعرَاق كَانُوا أعلم بِهَذَا فَإِن الْمَجُوس كَانُوا ببلادهم وَلم يَكُونُوا بِأَرْض الْحجاز
وَيدل على ذَلِك أَن سلمَان الْفَارِسِي كَانَ نَائِب عمر بن الْخطاب على الْمَدَائِن وَكَانَ يَدْعُو الْفرس إِلَى الْإِسْلَام وَقد ثَبت عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن شَيْء من السّمن والجبن وَالْفراء فَقَالَ الْحَلَال مَا حلله الله فِي كِتَابه وَالْحرَام مَا حرم الله فِي كِتَابه وَمَا سكت عَنهُ فَهُوَ مِمَّا عَفا عَنهُ وَقد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي ﷺ وَمَعْلُوم أَنه لم يكن السُّؤَال عَن جبن الْمُسلمين وَأهل الْكتاب فَإِن هَذَا أَمر بَين وَإِنَّمَا كَانَ السُّؤَال عَن جبن الْمَجُوس فَدلَّ ذَلِك على أَن سلمَان كَانَ يُفْتِي بحلها وَإِذا كَانَ ذَلِك رُوِيَ عَن النَّبِي ﷺ انْقَطع النزاع بقول النَّبِي ﷺ
وَأَيْضًا فاللبن والأنفحة لم يموتا وَإِنَّمَا نجسها من نجسها لكَونهَا فِي وعَاء نجس فَتكون مَائِعا فِي وعَاء نجس فالنجس مَبْنِيّ على مقدمتين على أَن الْمَائِع لَاقَى وعَاء نجسا وعَلى أَنه إِذا كَانَ كَذَلِك صَار نجسا فَيُقَال أَولا لَا نسلم أَن الْمَائِع ينجس بملاقاة النَّجَاسَة وَقد تقدم أَن السّنة دلّت على طَهَارَته لَا على نَجَاسَته وَيُقَال ثَانِيًا الملاقاة فِي الْبَاطِن لَا حكم لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿من بَين فرث وَدم لَبَنًا خَالِصا سائغا للشاربين﴾ وَلِهَذَا يجوز حمل الصَّبِي الصَّغِير فِي الصَّلَاة مَعَ مَا فِي بَاطِنه وَالله أعلم
فصل
فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم﴾ سُئِلَ شيخ الْإِسْلَام عَن جمَاعَة من الْمُسلمين اشْتَدَّ نكيرهم على من أكل من ذَبِيحَة يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ مُطلقًا وَلَا يدْرِي مَا حَالهم هَل دخلُوا فِي دينهم قبل نسخه وتحريفه وَقبل مبعث النَّبِي ﷺ أم بعد ذَلِك بل يتناكحون وتقر مناكحتهم عِنْد جَمِيع النَّاس وهم أهل ذمَّة يؤدون الْجِزْيَة وَلَا يعرف من هم وَلَا من هم آباؤهم فَهَل للمنكرين عَلَيْهِم مَنعهم من الذّبْح للْمُسلمين أم لَهُم الْأكل من ذَبَائِحهم كَسَائِر بِلَاد الْمُسلمين
أجَاب ﵁ لَيْسَ لأحد أَن يُنكر على أحد أكل من ذَبِيحَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي هَذَا الزَّمَان وَلَا يحرم ذبحهم للْمُسلمين وَمن أنكر ذَلِك فَهُوَ جَاهِل مخطىء مُخَالف لإِجْمَاع الْمُسلمين فَإِن أصل هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا نزاع مَشْهُور بَين عُلَمَاء الْمُسلمين ومسائل الِاجْتِهَاد لَا يسوغ فِيهَا الْإِنْكَار إِلَّا بِبَيَان الْحجَّة وإيضاح المحجة لَا الْإِنْكَار الْمُجَرّد الْمُسْتَند إِلَى مَحْض التَّقْلِيد فَإِن هَذَا فعل أهل الْجَهْل والأهواء كَيفَ وَالْقَوْل بِتَحْرِيم ذَلِك
2 / 13