138

Daqiiqadda Tafsirka

دقائق التفسير

Baare

د. محمد السيد الجليند

Daabacaha

مؤسسة علوم القرآن

Lambarka Daabacaadda

الثانية

Sanadka Daabacaadda

١٤٠٤

Goobta Daabacaadda

دمشق

إِلَّا فِي نَبينَا ﷺ خَاصَّة مِنْهُم من نفى رُؤْيَته بِالْعينِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْهُم من أثبتها وَقد بسطت هَذِه الْأَقْوَال والأدلة من الْجَانِبَيْنِ فِي غير هَذَا الْموضع وَالْمَقْصُود هُنَا نقل إِجْمَاع السّلف على إِثْبَات الرُّؤْيَة بِالْعينِ فِي الْآخِرَة ونفيها فِي الدُّنْيَا إِلَّا الْخلاف فِي النَّبِي ﷺ خَاصَّة وَأما احتجاجه واحتجاج النفاة أَيْضا بقوله تَعَالَى ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ سُورَة الْأَنْعَام ١٠٣ فالآية حجَّة عَلَيْهِم لَا لَهُم لِأَن الْإِدْرَاك إِمَّا أَن يُرَاد بِهِ مُطلق الرُّؤْيَة أَو الرُّؤْيَة الْمقيدَة بالإحاطة وألأول بَاطِل لِأَنَّهُ لَيْسَ كل من رأى شَيْئا يُقَال أَنه أدْركهُ كَمَا لَا يُقَال أحَاط بِهِ كَمَا سُئِلَ ابْن عَبَّاس ﵄ عَن ذَلِك فَقَالَ أَلَسْت ترى السَّمَاء قَالَ بلَى قَالَ أكلهَا ترى قَالَ لَا وَمن رأى جَوَانِب الْجَيْش أَو الْجَبَل أَو الْبُسْتَان أَو الْمَدِينَة لَا يُقَال أَنه أدْركهَا وَإِنَّمَا يُقَال أدْركهَا إِذا أحَاط بهَا رُؤْيَة وَنحن فِي هَذَا الْمقَام لَيْسَ علينا بَيَان ذَلِك وَإِنَّمَا ذكرنَا هَذَا بَيَانا لسند الْمَنْع بل الْمُسْتَدلّ بِالْآيَةِ عَلَيْهِ أَن يبين أَن الْإِدْرَاك فِي لُغَة الْعَرَب مرادف للرؤية وَأَن كل من رأى شَيْئا يُقَال فِي لغتهم أَنه أدْركهُ وَهَذَا لَا سَبِيل إِلَيْهِ كَيفَ وَبَين لفظ الرُّؤْيَة وَلَفظ الْإِدْرَاك عُمُوم وخصوص أَو اشْتِرَاك لَفْظِي فقد تقع رُؤْيَة بِلَا إِدْرَاك وَقد يَقع إِدْرَاك بِلَا رُؤْيَة فَإِن الْإِدْرَاك يسْتَعْمل فِي إِدْرَاك الْعلم وَإِدْرَاك الْقُدْرَة فقد يدْرك الشَّيْء بِالْقُدْرَةِ وَإِن لم يُشَاهد كالأعمى الَّذِي طلب رجلا هَارِبا مِنْهُ فأدركه وَلم يره وَقد قَالَ تَعَالَى ﴿فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا إِن معي رَبِّي سيهدين﴾ سُورَة الشُّعَرَاء ٦١ ٦٢ فنفى مُوسَى الْإِدْرَاك مَعَ إِثْبَات الترائي فَعلم أَنه قد يكون رُؤْيَة بِلَا إِدْرَاك والإدراك هُنَا هُوَ إِدْرَاك الْقُدْرَة أَي ملحقون محاط بِنَا وَإِذا انْتَفَى هَذَا الْإِدْرَاك فقد تَنْتفِي إحاطة الْبَصَر أَيْضا وَمِمَّا يبين ذَلِك أَن الله تَعَالَى ذكر هَذِه الْآيَة يمدح بهَا نَفسه ﷾ وَمَعْلُوم أَن كَون الشَّيْء لَا يرى لَيْسَ صفة مدح لِأَن النَّفْي الْمَحْض لَا يكون مدحا إِن لم يتَضَمَّن أمرا ثبوتيا وَلِأَن الْمَعْدُوم أَيْضا لَا يرى والمعدوم لَا يمدح فَعلم أَن مُجَرّد نفي الرُّؤْيَة لَا مدح فِيهِ وَهَذَا أصل مُسْتَمر وَهُوَ أَن الْعَدَم الْمَحْض الَّذِي لَا يتَضَمَّن ثبوتا لَا مدح فِيهِ وَلَا كَمَال فَلَا يمدح الرب نَفسه بِهِ بل وَلَا يُوصف نَفسه بِهِ وَإِنَّمَا يصفها بِالنَّفْيِ المتضمن معنى ثُبُوت كَقَوْلِه ﴿لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم﴾ وَقَوله ﴿من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ وَقَوله ﴿وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ وَقَوله ﴿وَلَا يؤوده حفظهما وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم﴾ سُورَة الْبَقَرَة ٢٢٥ وَقَوله ﴿لَا يعزب عَنهُ مِثْقَال ذرة فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض﴾ سُورَة سبأ ٣ وَقَوله ﴿وَمَا مسنا من لغوب﴾

2 / 126