Damiir: Hordhac Gaaban oo Aad u Gaaban
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ومن وجهة نظر نيتشه، فإن الضمير يحرض على هذا الاتهام الذاتي، وهكذا فهو يصبح جزءا من المشكلة وليس الحل بالنسبة للجنس البشري. وفي كتابه «أصل الأخلاق وفصلها»، يحاول أن يبرهن أنه بسبب هجمات القيود الدينية والاجتماعية فإن العدوانية الطبيعية التي يتصف بها الجنس البشري والتلذذ بالانتقام قد أعيقا وأجبرا على التوجه للداخل؛ ومن ثم أصبح الإنسان يعادي ذاته وترجم ذلك إلى ممارسات تعذيب الذات بنفس القسوة التي كان يمارسها أسلافنا المتعطشون للدماء. والضمير هو متعهد هذا العقاب الذاتي المغروس لا شعوريا في الذهن، وهو يقول: «إنني أنظر للضمير النادم بوصفه المرض الخطير الذي يصاب به الإنسان لا محالة تحت ضغط أكثر التغييرات التي مر بها جذرية، وهو ذلك التغيير الذي حدث عندما وجد نفسه في نهاية الأمر محاصرا داخل جدران المجتمع والسلام.» ولما كانت الإنسانية مقيدة إلى هذا الحد وتعمل على توجيه إحباطاتها من جراء هذا التقييد للداخل، فقد ينظر إليها كما لو كانت «حيوانا يحك جسمه بقضبان قفصه حتى يلحق بنفسه الأذى». ولما كان الجنس البشري غارقا في شعور بالدين الذي لا يرد والندم غير المحدود، فقد «اخترع الضمير الفاسد كي يؤذي نفسه بعد أن سد المتنفس الطبيعي لرغبته».
وبالطبع فإن أسطورة الأصل الخاصة بنيتشه خاطئة تماما وغير مقنعة على الإطلاق فيما يتعلق بالتاريخ الحقيقي لهذا المفهوم، فهو يتخيل الضمير النادم كما لو كان تطورا حديثا نتج عن حظر القسوة وحظر الاحتفالات بالعقاب التي كانت تلازم نقض العهود وخرق العقود سابقا وتذيل النظام القضائي بأكمله، بينما في حقيقة الأمر فإن الضمير النادم الذي يؤلم صاحبه ويزعجه ويجرحه ويهدده كان موجودا منذ البداية (كما أوضحت سابقا) في القانون وفي القضاء الروماني، ومنذ تبني المسيحية له منذ القدم. ولا يمكن أن تكون تخيلات نيتشه لعصر فردوسي كان فيه البشر يتقبلون عنفهم وقسوتهم ويحتفون بهما وكانت كل الضمائر سليمة تخيلات حقيقية؛ وذلك لأنه منذ ظهور الضمير لأول مرة وهو يستنكر السلوك السيئ ويطالب بالتحول إلى وضع أفضل. وكما أكد تيليك وآخرون، فإن الحالة الشعورية غير المستقرة (ومن ثم شديدة «الندم») هي الوضع الافتراضي للضمير، والضمير «السليم» الذي يشعر بالرضى عن أفعال صاحبه علامة أكيدة على وجود مشكلة أخلاقية.
الضمير: هل هو مثير للمتاعب أم ذات أخرى؟
كانت هوية الضمير بوصفه «ذاتا أخرى» خارقة للطبيعة قد استقرت بالفعل عندما تهجم ضمير أوغسطين عليه لفظيا في نهاية القرن الرابع، وكان ضمير أوغسطين يمثل جزءا منفصلا عنه أو قسما منه أو موضع مراقبة يمكن للمرء منه أن يراقب تصرفاته. وقد علق عالم اللاهوت ويليام بيركنز في كتابه الذي يحمل عنوان «خطاب الضمير» (1596)، بدهاء على ما أطلق عليه تصرفي الفهم قائلا: «يفكر العقل في فكرة، ويتخطى الضمير العقل ويعلم ما يفكر فيه ... وعن طريق هذا التصرف الثاني قد يشهد الضمير حتى على أفكاره.» ويتعرض نظيره الأدبي شبه المعاصر، ريتشارد الثالث - من تأليف شكسبير - لعملية تقسيم لجزأين متناقضين على نحو مشابه، حيث يعترف قائلا «إنني ... أكره نفسي؛ نظرا للأفعال البغيضة التي ارتكبتها نفسي.» وفي القرن الثامن عشر أضفى آدم سميث وإيمانويل كانت شكلا محددا على هذا الانعكاس، وذلك عن طريق نظرياتهما القائلة بوجود متفرج موضوعي يعلم عنا كل شيء ويراقب أفعالنا.
ولما كانت هي النفس والآخر في الوقت ذاته، فإن تلك الذات الأخرى تمزج بين موضوعية الغريب والألفة الشديدة مع أفكارنا، وتقدم لنا تلك «الذات الأخرى» مصدرا قيما للتعقيد الأخلاقي لمعنى منقوص للذات بوصفها كاملة و«صحيحة»، لكن على حساب الانقسام الداخلي. وقد وضع فرويد تلك القدرة في سلسلة تمثل مصدر إزعاج، معلقا في مقاله الذي يحمل عنوان «عن النرجسية» أن الضمير «يمكننا من فهم ما يطلق عليه «أوهام الملاحظة» ... التي تعتبر أعراضا بارزة لأمراض جنون العظمة ». ولا داعي لأن يوصم صاحب الضمير بجنون العظمة، حيث توفر تلك الذات الأخرى مصدرا محتملا للتوازن، لكن الفرد المبتلى بالضمير يعلم بعض الشيء عن تجربة المصاب بجنون العظمة في الانقسام الداخلي.
وعلى الرغم من ذلك فقد توصل نيتشه بالطبع إلى اكتشاف مهم، ويشبه هذا الكشف ما وسوس به الشيطان لإيفان كارامازوف قائلا إن الدخول في حكم الضمير - حتى وإن لم يكن طوعا تماما - فهو على الأقل أمر يجب أن نقوم به بأنفسنا. وسواء أكان موجودا منذ البداية أم، كما يدعي، مفروضا متأخرا، فإن الضمير الباعث على الندم أمر يجب أن نصيب به أنفسنا، أو على الأقل نسمح لأنفسنا بأن تصاب به.
اقترح كل من دوستويفسكي ونيتشه موضوعا أن الإنسان منقسم على ذاته، وأنه في مواجهة مع صوت معاد أو عقابي قد اخترق بالفعل كل المجالات الدفاعية واستقر به المقام في العقل. ويسمع إيفان كارامازوف هذا الصوت كما لو كان صوت الشيطان، على الرغم من أننا ندرك أنه شكل مختلف عنيد لصوته هو. ويؤكد نيتشه أن مثل تلك الأفكار المؤذية للنفس يعبر عنها صوتنا الخاص كما لو كانت أفكارنا نحن، فنحن - كما يقول في مقدمة كتابه «أصل الأخلاق وفصلها» - «غرباء عن أنفسنا»، أي إننا نعزل أنفسنا عن أنفسنا عندما نقدم أفكارا عقابية أو أفكارا تجلد الذات كما لو كانت أقوالا شخصية أو خاصة. وهو يتفهم جيدا - كما سيتفهم فرويد - أن هذا الصوت العقابي قد يقدم نفسه متخفيا في المظهر اللطيف للإصلاح أو التأديب من أجل تحسين حالنا، لكنه في الوقت ذاته مصدر للعذاب اللانهائي.
ويعلق نيتشه على الضمير قائلا: «تغلب عليه!» لكنه لا يتوقع أن نتغلب عليه في وقت قريب، وسواء أكانت الظروف مواتية أم لا (وبالطبع سوف يقول نيتشه إن الظروف غير مواتية)، فمن غير المحتمل أن ننجح في إبعاد هذا الصوت عن رءوسنا أو آذاننا. أما كيفية تسلل هذا الصوت إلينا فهو موضوع تعلم عنه فرويد الكثير من كل من دوستويفسكي ونيتشه، وهو يبني عمله على افتراضاتهما في نظريته الخاصة بالضمير بوصفه صوت الأب المعاقب.
يعتبر إيفان كارامازوف حالة فرويدية نموذجية قبل ظهور فرويد، فعلى الرغم من أنه لم يقتل والده، فإنه يعترف بالاشتراك في الجريمة لأنه تمنى موته، حيث تساءل أثناء محاكمته: «ومن منا لا يتمنى وفاة والده ...؟» هذا إذن هو مولد الضمير، حيث يقوده شعوره بالذنب إلى تخيل نفسه شريكا في جريمة لم يرتكبها. ولا عجب أن فرويد - الذي اعتبر «الإخوة كارامازوف» أروع الروايات التي كتبت على الإطلاق - قد انصب اهتمامه عليها في مقاله الذي يحمل عنوان «دوستويفسكي وجريمة قتل الأب»، حيث وجد في دوستويفسكي نموذجا مرضيا لمن يحمل صوت والده الناهي في الأنا الخاصة به، لكنه لا يتحمل قيود هذا الصوت ومن ثم يصبح مشهورا بقتل والده. وهو يقول عن الرواية: «لا يهم من ارتكب الجريمة حقا، فعلم النفس لا يهتم سوى بمعرفة من رغب شعوريا في وقوعها ومن رحب بوقوعها عندما تمت.» وهو في تلك الحالة ليس الأخ غير الشقيق القاتل سميردياكوف فحسب، بل أيضا ديميتري وإيفان.
ومن المفاهيم الفرويدية الأساسية أن الشعور بالذنب - والضمير بوصفه محرضا له - أكثر حرية في الحركة مما نتخيل، وأن علاقتهما بالفعل الإجرامي تختلف عما يفترضه الناس غالبا. فبدلا من كونه نتيجة للفعل الإجرامي، فإن الشعور بالذنب المتولد عن الضمير يمكن فهمه في النظام الفرويدي بوصفه حافزا للفعل الإجرامي؛ ومن ثم فإن الفاعل الذي يشعر بالذنب نتيجة للعداء المكبوت أو أي نوع آخر من الاستياء يرتكب (أو يتوهم أنه قد ارتكب) جريمة من أجل تقديم معادل موضوعي للشعور بالذنب. وهو ما يلقي الضوء على موضوع معرفة فرويد الوثيقة بكتابات نيتشه وإعجابه به، حتى إنه ينسب إليه (في كتابه «أنواع الشخصيات في التحليل النفسي») مفهوم «سبق الذنب للجريمة». وفي هذا الاتهام، يقل اعتبار الضمير (وربيبه الشعور بالذنب) قادرا على السيطرة على الجريمة أو مبرئا منها، بل يرى بوصفه أمرا متأصلا في الجريمة نفسها أو شعورا لا يهدأ بالاستياء من المرجح أن يؤدي إلى ارتكاب جرائم أكثر مما يؤدي إلى السيطرة عليها أو التكفير عنها.
Bog aan la aqoon