Dhiig iyo Caddaalad
الدم والعدالة: قصة الطبيب الباريسي الذي سطر تاريخ نقل الدم في القرن السابع عشر
Noocyada
في الواقع لم يكن مولد دوللي ذاته في اسكتلندا هو ما استحوذ على اهتمام الإعلام، بل كان نشر بحث عن أصولها ومولدها في المجلة العلمية البارزة «نيتشر» بعدها بسبعة أشهر في 27 فبراير 1997 هو الذي أثار ضجة إعلامية؛ إذ عرف البحث العالم باستنساخ حمل جديد من خلال اتحاد خلية مأخوذة من ضرع نعجة بالغة مع بويضة معالجة طبيا قبل تحفيزها بنبضة كهربية صغيرة. وكان البحث مكتوبا بلغة معقدة وغامضة تماما، ويمكن أن تتغاضى عنه وسائل الإعلام على مستوى العالم. وعلى المنوال نفسه كان نشر خطاب دوني - وليس الحدث ذاته - هو ما أثار رد فعل وأحاديث بين العامة عن نقل الدم في باريس وأكسفورد ولندن في القرن السابع عشر.
لكن ما سبب هذه الجلبة حول دوللي؟ بالرغم من أنها لم تكن أول مستنسخ، فقد كانت خطوة جديدة في مسيرة العلم؛ لأن كل التجارب التي سبقتها استخدمت خلايا من أجنة، بينما هذا الحمل الصغير جاء إلى الحياة وهو خلية مأخوذة من حيوان بالغ. كان من الممكن أن ينظر لذلك باعتباره مجرد تطور فني آخر، لكن إمكانية استخدام الخلايا البالغة باعتبارها خلايا جينية مانحة لحيوان مستنسخ كانت لها تداعيات كثيرة. كما أن دوللي كانت نعجة، والنعجة من الثدييات. وكان هذا يعني أنها من الناحية البيولوجية شبيهة نسبيا بالإنسان العاقل. وبالإضافة لما سبق، فقد أثار هذا شبح احتمال استنساخ البشر لأنفسهم. مرة أخرى كانت خطوة دوني بتطبيق نقل الدم على البشر هو ما أثار الجدل. فحينما كان نقل الدم مقصورا على تجارب الحيوانات، لم يكن كثيرون من الناس يهتمون بها.
وما إن انصب اهتمام الإعلام على النعجة الاسكتلندية الصغيرة، حتى كان الإحساس المتنامي بعدم الارتياح يعني أن الجدل لن ينتهي. كان معظم الجدل عن غير دراية كافية وكان انفعاليا جدا. نشرت الصحف مقالات تناقش خطر وجود نسخ متعددة من الطغاة، وتحدث الباحثون في الأخلاقيات عن الامتهان المحتمل للكرامة الإنسانية. واتخذ بعض العلماء موقفا دفاعيا قائلين إنهم لم يروا أن دوللي حيوان مستنسخ على الإطلاق؛ بينما قال آخرون إنها حتى إن كانت مستنسخة فهم ليس لديهم النية في استعمال هذه التكنولوجيا. واتخذ الساسة ردود أفعال بلا تفكير تطالب بحظر هذه التكنولوجيا، دون النظر إلى إمكانية تطبيقها عمليا أو ما إذا كانت مفيدة للعلم أو ضرورية لحماية البشرية. لقد بدا أن المزاج العام معارض لهذه التكنولوجيا، وكان من السهل السباحة مع التيار وإعطاء الانطباعات بتولي زمام القيادة.
وبينما تتكشف لنا قصة دوني ومحاولاته لنقل الدم ، نكتشف نمطا مماثلا من رد الفعل الهيستيري والجدل بغير دراية والتسرع في اتخاذ القرار. من الممكن القول إن القرارات المتخذة كانت القرارات الصحيحة، لكن المنطق وراءها يبدو مثيرا للشكوك في أحسن الأحوال.
عملية نقل الدم الثالثة
لو كان دوني قد أعاد موروا إلى منزله ولم يره بعدها، لاختلف الوضع كثيرا. لكن الحال لم يكن كذلك؛ كان دوني حريصا على متابعة موروا لأطول مدة ممكنة لمعرفة الآثار المحتملة لنقل الدم وللتعلم من التجربة. لكن زوجة موروا كان لها رأي آخر على ما يبدو؛ فقد - كانت حسبما ذكر دوني - تتوق إلى استئناف علاقتهما الزوجية والاستمتاع برفقة زوجها. وعندما روى دوني الفصل التالي في هذه القصة، زعم أنها دخلت إلى المسكن الذي أعده لموروا، وفي مخالفة لرأيه اصطحبت زوجها إلى منزله. وفي ذلك الوقت كان قد تلقى جرعتي دم وبدا أنه استعاد اتزانه العقلي. لكن بعودته إلى المنزل، ورغم اعتراضات الأطباء، أخذت هذه المرأة العنيدة تطعمه البيض والحساء، وهو مزيج من المواد الغذائية كان دوني على يقين من أنه سيرفع حرارة دمه بالتأكيد، وهو ما يؤدي على الأرجح إلى عودته إلى حالة الجنون. وكأن هذا لم يكن ضررا كافيا، فقد اصطحبته إلى فراشها، ليس مرة ولا اثنتين ولا ثلاثا؛ بل أربع مرات على الأقل. وزعم دوني أن زوجها كان يمانع المشاركة في ذلك لكنه كان يستسلم لإغرائها وإقناعها. وكان متيقنا كذلك من أن النشاط الجنسي الحميمي يرفع من حرارة دم الإنسان.
لذا لم يفاجأ دوني بأنه خلال أيام ارتفعت درجة حرارة جسد الرجل بشدة، وعاد إلى عاداته القديمة بزيارة الملاهي والانغماس في الخمر والنساء. كانت تلك علامة سيئة. كما روى الجيران أن الزوجين قد بدآ يتشاجران. ورغم مرض موروا، ضربته زوجته عدة مرات. وذات مرة ضربها هو الآخر، مسددا لها لكمة في أذنها. فكان ردها أن صرخت قائلة إن عليه أن يعتذر فورا وإلا فليواجه الموت.
انزعج دوني بشدة من هذا الاستخفاف المتعجرف بالتعليمات الصحية؛ إذ لم يشعر بأن ذلك من شأنه أن يضر المريض وحسب، بل الأهم أنه أضر بسمعته. لقد كان على يقين بأن أفعال زوجة موروا المتهورة ونتائجها الواضحة الجلية تجعل استمرارية أي علاج محل شك. كما أنه كان قلقا من أن مثل هذا السلوك المعربد قد يهدد صحة الدم النقي الجديد الذي يجري في عروق موروا الآن. فقد بذل قصارى جهده في سبيل نقل دم من حيوان لا يمكن أن يتورط في أي أفعال إباحية، والآن صار كل ذلك الحرص في مهب الريح. ورغم الشكوك التي تساوره، لم يكن بيده شيء، فقد انتزع الرجل من رعايته، ورغم اقتناعه هو شخصيا بالفوائد الجمة لنقل الدم فقد بلغت المعارضة لعمله في المدينة درجة جعلت الوقت غير مناسب لملاحقة مريضه.
وبلغت الأمور ذروتها عندما لاقت زوجة موروا دوني في الطريق ذات يوم، وطلبت منه أن يجري عملية نقل دم ثالثة. فرفض دوني. وظهرت مرة أخرى بعد أيام قليلة. فقال دوني إن السبيل الوحيد لأن يجري العملية هو حصولها على إذن بالعملية من النائب العام. وبالنظر إلى الرأي السائد في الدوائر الرسمية في باريس، فقد شعر دوني بأن السلطات في الأغلب لن تمنح هذا الإذن.
كان دوني في مأزق. فمنذ بدأ يشتغل بنقل الدم أصبح مقتنعا حقا بإمكانياته، وكان يتوق لإجراء العملية كلما أمكن كي يستطيع إثبات فائدتها في الطب. فعلى كل حال، اقتضت مهنته أن يستخدم مهاراته في إنقاذ حياة الإنسان وعلاج الأمراض؛ ألم يكن ذلك حتما واجبه؛ أن يقدم العون كلما أمكن؟
Bog aan la aqoon