باب في اجتهاد الرأي (1)
واعلم أن حد الاجتهاد في الرأي هو استفراغ الوسع في استخراج الحكم .
وقيل هو استفراغ الجهد في استخراج الحق للنازلة بمقتضى الشرع ، وليس هذا القول بصحيح .
والإذن في الاجتهاد من قول الله - عز وجل - : ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) وقوله : ( كان الناس أمة واحدة ) وقد تقدم القول فيه .
وصفة الاجتهاد : أن ينظر في أوصاف النازلة ، وما يليق بها ، ويقرب معناها من أحكام الله تعالى ، وأحكام سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، فيقيس هذا بهذا مجتهدا أن ينال رضى الله تعالى ، والحكم الذي لو شرعه كان حقا عند الله تعالى وعند رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وأما العقل فلا حظ له في جواز الإذن إلا بعد ما ورد به الشرع ، فهي من الجائزات لا يقطع العقل فيه بشيء .
وأما من جهة السنة فقد قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران : أجر اجتهاده وأجر إصابته ، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده )) . وحط الله عنه المأثم .
ولا ينبغي للمجتهد إلا أن ينظر إلى الله تعالى بعين الخشية في أمر قد كلفه الله تعالى وأمره فيه بالاجتهاد ، فإن ضيع عصى ، وإن اجتهد فكتم عصى ، وإن اجتهد فأظهر خلاف ما رأى عصى ، ولا يجعل للشهوة في رأيه نصيبا ، فإن اجتهد ورأى رأيا إن كان يجوز أن ينتقل عنه إلى رأي غيره فتوى وفعلا فلا ما دام مستحسنا لرأيه الأول إلا من وجه واحد : إلا إن كان في رأي غيره حوطة ، فله أن ينتقل إليه فعلا لا فتوى ، مثل رأي من رأى جواز الصلاة في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب لا غير ، إلى رأي من جوز قراءة سورة في الأولين مع فاتحة الكتاب .
ولا يرجع إلى رأي الغير ما دام هو على رأيه ، فإن رأى رأي غيره أقوى دلالة وأقرب في وهمه إلى رضى الله - عز وجل - فسائغ له الرجوع عن رأيه إلى رأي غيره .
Bogga 66