وقد رأيناه يشرح مدى حبه لها، ويكشف عن مبلغ اعتزازه إياها، ولئن عبنا عليه ضعف الإيمان ببراءتها، وسرعة تصديقه لما نسج من الإفك حولها، فلا يزال له العذر، حين رأى ثلاثة شهود كبار يثق بهم يقرون أنها الأثيمة الجانية.
وليس من شك في أن الحفاوة التي لقي بها الأمير وصاحبه تدل على طيب فطرته وكرمه، وبحبوحة نفسه، حتى لا أثر فيها لكبر أو غطرسة أو ازدهاء، فقد راح في معاملته للشرطة والحراس يبدي جانب الرفق، ويصطبر للثرثرة، ويستأني لسماع كلام لا يفهم منه شيئا، كما كان يتقبل نكات «بنيديك» بالروح ذاتها التي كان هذا يرسلها. وهو يلوح لنا في مختلف مشاهد القصة ومواقفها الرجل الهين الذي رققت الرفاهية من خليقته، على النقيض من كلوديو الذي أفسدته صعدته إلى الشهرة والعبث البعيد.
ولم يتردد هذا الشيخ على ضعف بنيته في مجابهة الوشاة في حق ابنته وتحديهم ومغاضبتهم، وإذا لم يكن هذا التحدي قد ظهر في حرارة اللحظة بل بدا فيما بعد، عقب التروي والتفكير؛ فإن ذلك كله شاهد على شجاعته.
أنطونيو:
هو أخوه، وليس له دور كبير في القصة، فلا يبرز على أحسنه إلا في مطلع الفصل الخامس حين يتحدى الأمير وصاحبه؛ ويظهر على تقدمه في السن، شجاعة رائعة، وحماسة متقدة في الدفاع عن شرف ابنة أخيه.
دون جون:
هو شخصية الشرير في القصة، والمسئول عن كل المتاعب التي حلت برب البيت وأهله؛ فحدة المزاج، والكآبة الملازمة، والغيرة الكظيمة، كلها بواعث قوية على ما نرى من نذالته وسوء مسلكه؛ فلا نجد في القصة شيئا يبرئه من الإثم، أو يكفر عن سيئاته، ولعله الحقد الذي كان يأكل قلبه على كلوديو الذي كان يصفه بأنه «محدث النعمة»، وأنه ارتفع على أنقاضه، فلا عجب إذا رأيناه في وسط هذه الطبائع المرحة الفرحة بترفها ونعمائها مناقضا لها على خط مستقيم، فلم يكن ليبتسم يوما للحياة، ولا الحياة ابتسمت يوما له، ولكنه لبث حامضا، كئيبا، ضجرا، متبرما، يجمع من حوله أتباعا على غراره، وخولا من أشباهه؛ وهو أبدا المقل من الكلام، المتحفظ، المبدي ضجره وبرمه وبروده لكل إنسان، حتى ليقول عن نفسه إنه ليؤثر أن يكون مستهدفا للسخرية والامتهان على أن يغتصب من أحد حبا، أو ينتزع من قلب ودا. وقد استمكن الحقد منه على كلوديو فلم يتردد في تدبير أية حيلة للإساءة إليه حتى لقد أجزل العطاء لمن ارتضى أن يتولى ذلك عنه، كأنما قد وكل بأن يدمر سعادة الناس ويخلق لهم المتاعب، ويرنق عيش أصحابه ...
بوراشيو وكونراد:
هما تابعا «دون جون» اللذان أعاناه على تدبير المكيدة، أما الأول فهو الذي اقترحها عليه وتولى التنفيذ، واستغل الوصيفة مرجريت الساذجة في تضليل كلوديو، ولكنه حين أدرك أن فعلته قد انكشفت لم يتردد في الاعتراف، وترك في نفوسنا أثرا حسنا من ناحيته.
وليس لكونراد دور يذكر في الرواية إلا مجرد الشريك السلبي لبوراشيو، والزميل الذي سمع نبأ المكيدة منه، حين كان الحراس يسترقون السمع عليهما.
Bog aan la aqoon