Daf’ Ihām al-Idtirāb ‘an Āyāt al-Kitāb
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب - ط مكتبة ابن تيمية
Daabacaha
مكتبة ابن تيمية - القاهرة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
١٤١٧ هـ - ١٩٩٦ م
Goobta Daabacaadda
توزيع
Noocyada
لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [١٦ ١٢٦]، وَقَوْلُهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [٤ \ ١٤٨]، فَأَذِنَ فِي الِانْتِقَامِ بِقَوْلِهِ: «إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» .
ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى الْعَفْوِ بِقَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [٤ ١٤٩] .
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الِانْتِقَامَ لَهُ مَوْضِعٌ يَحْسُنُ فِيهِ، وَالْعَفْوُ لَهُ مَوْضِعٌ كَذَلِكَ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ مِنَ الْمَظَالِمِ مَا يَكُونُ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ انْتِهَاكُ حُرْمَةِ اللَّهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غُصِبَتْ مِنْهُ جَارِيَتُهُ مَثَلًا إِذَا كَانَ الْغَاصِبُ يَزْنِي بِهَا فَسُكُوتُهُ وَعَفْوُهُ عَنْ هَذِهِ الْمَظْلَمَةِ قَبِيحٌ وَضَعْفٌ وَخَوْرٌ تُنْتَهَكُ بِهِ حُرُمَاتُ اللَّهِ، فَالِانْتِقَامُ فِي مِثْلِ هَذَا وَاجِبٌ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَاعْتَدُوا الْآيَةَ.
أَيْ كَمَا إِذَا بَدَأَ الْكُفَّارُ بِالْقِتَالِ فَقِتَالُهُمْ وَاجِبٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ بَعْضُ إِخْوَانِهِ الْمُسْلِمِينَ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَعَفْوُهُ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي:
إِذَا قِيلَ حِلْمٌ فَلِلْحِلْمِ مَوْضِعٌ ... وَحِلْمُ الْفَتَى فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ جَهْلُ
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُحْبِطُ الْعَمَلَ إِلَّا بِقَيْدِ الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُحْبِطُ الْعَمَلَ مُطْلَقًا، وَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَكُلُّ مَا عَمِلَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَحْبَطَتْهُ الرِّدَّةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ الْآيَةَ [٥ ٥] .
وَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الْآيَةَ [٣٩ \ ٦٥] .
وَقَوْلِهِ: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [٦ \ ٨٨] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذِهِ مِنْ مَسَائِلِ تَعَارُضِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، فَتُقَيَّدُ الْآيَاتُ الْمُطْلَقَةُ بِالْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَهَذَا
1 / 33