Dadaism iyo Surrealism: Hordhac kooban
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
شكل 4-1: جيه إيه بويفارد، «قناع الكرنفال»، صورة فوتوغرافية مستنسخة في دورية «وثائق»، العدد الثاني (باريس، 1930).
في عام 1929، كان هناك صدام مباشر بين بريتون وباتاي؛ إذ استند بريتون إلى أحدث جنود السريالية، وهو سلفادور دالي، كي يمنع باتاي من إعادة استنساخ لوحته الرئيسية ذاك العام «لعبة الحداد» إلى جانب تأويل لها كتبه باتاي لصالح دورية «وثائق». كان على باتاي أن يرضى برسم تخطيطي للصورة، لكن تعليقه - الذي انصب على مخاوف الاستمناء والإخصاء المميزة لرسوم دالي - يكشف كم كان دالي، بمواطن هوسه المعلنة بالاستمناء والبراز والتعفن، فنانا باتاييا مثاليا. ويبدو أن بريتون تغافل عن الجوانب «المضطربة» حقا لأعمال دالي، ولو أنه لم يتوان، إبان تلك الفترة تقريبا، عن الاعتراض على الطبيعة الخسيسة لسريالية أنطونين آرتو . وعلى الرغم من أن باتاي ربما زعم، عن حق، انتساب دالي إليه، فإن الأخير ظل إلى حين ضمن معسكر بريتون. قرر فنانون آخرون أن يهجروا معسكر بريتون بشكل حاسم بصورة أو أخرى، ومن بين هؤلاء أندريه ماسون الذي كان نزوعه تجاه فكر نيتشه والصور المجازية العنيفة، في أعمال مثل رسوم «المذبحة» عام 1933 التي صورت رجالا ينحرون نساء، أكثر مما يتحمله بريتون.
ربما بدا أن نقد باتاي اللاإنساني لبريتون له صدى في نقد الدادائية ل «بابا» السريالية، لكن موقف باتاي لم يكن متطابقا مع الدادائية؛ ففي سنواته اللاحقة، بدا أن باتاي في واقع الأمر أقرب بكثير إلى السريالية مما كان عليه خلال فترة العشرينيات التي اتسمت بالاندفاع والطيش، لا سيما أنه ناصر مفهومهم الكلي القائل بأن جزءا من معضلة الإنسان المعاصر يتمثل في غياب الأسطورة، أو ما أسماه «المقدس»، للتعامل مع النزعات اللاسلطوية الأكثر سوداوية للطبيعة البشرية. وعندما أمكن، مع اندلاع الحرب عام 1939، النظر إلى الدادائية والسريالية بأثر رجعي على أنهما توسطتا حربين عالميتين، أمست الحاجة إلى تفكيك فكرة الإنسان «الإنساني» أكثر إلحاحا بكثير للورثة الفكريين للحركتين، وورث إرث باتاي أشخاص مثل المفكر الفرنسي ما بعد السريالي ميشيل فوكو. لكن لا إنسانية باتاي الخاصة بالكاد قدمت «حلا»، بل لقد كانت هناك فترة في الثلاثينيات جنحت فيها تلك النزعة أكثر إلى الفاشية. وثمة طريقة حاولت بها كل من الدادائية والسريالية على حد سواء تجاوز القيم الإنسانية وازدواجية العقل والجسد، وذلك عبر الفكر الصوفي أو المستغلق.
الفكر الصوفي والمستغلق «حامت الدادائية فوق سطح المياه قبل أن يخلق الرب العالم، وعندما قال: فليكن هناك نور! لم يكن هناك نور، بل دادائية.» يعكس هذا التصريح المشترك لأعضاء جماعة دادائية برلين الموقف التهكمي للدادائية تجاه الأديان التقليدية. لقد ناقشنا بالفعل أمثلة للمناوأة الشديدة للكاثوليكية من جانب السرياليين؛ إن ما مقته السرياليون، شأنهم شأن الدادائيين، كان تحديدا الفصل اليهودي-المسيحي بين الروح والجسد. وعلى الرغم من أن دوشامب وبيكابيا، كما رأينا من قبل، استخدما لغة الازدواجية للسخرية من النزعة التكنولوجية للإنسان الحديث، فقد استدعى الدادائيون تحديدا مبادئ فلسفية ما قبل سقراطية أو غير غربية يحتفظ فيها الروحاني والمادي بتوازن عظيم، وكان هذا جزءا من نقد أكبر للنفس الحديثة.
كانت المصادر التي اعتمد عليها الدادائيون في هذا الصدد متنوعة جدا؛ فقد كان هوجو بال في زيوريخ تحديدا منجذبا إلى المفكر الإغريقي السابق لسقراط هرقليطس، الذي شدد على أن كل شيء في حالة تقلب دائم، بينما كان هانز آرب منجذبا إلى الصوفيين المسيحيين أمثال الكاتب الألماني ياكوب بوهيمي بالقرن السابع عشر، والفلاسفة الطاويين الصينيين أمثال لاوتزه. إننا نعلم أن آرب قرأ على الملأ فقرات من بوهيمي في واحدة من «الأمسيات الدادائية» في زيوريخ عام 1917؛ حيث انتقى بشكل بارز أقساما تؤكد على أهمية الحفاظ على التوازن في خضم التقلبات. وفي سياق التأثير الصيني، من المحتمل أنه نقل مبادئ مصدر وحي التغيير السابق للطاوية، «كتاب التغيرات»، بغية إنتاج رسوم الكولاج خاصته، التي رتب فيها المستطيلات «بحسب قوانين المصادفة» (شكل
3-1 ). وباعتباره أثرا محوريا في الطاوية، انشغل «كتاب التغيرات» بالتنبؤ بأنماط التغير السارية في الطبيعة، ومن ثم في العالم البشري. وعندما يرجع المحاور إلى هذا الكتاب، فإنه يسلم نفسه إلى المصادفة بإلقاء أعواد نبتة الألفية (أو عملات معدنية في أيامنا هذه) لإنتاج سلسلة من «الرسوم السداسية» التجريدية التي كانت تناظر آنذاك واحدا من البيانات التنبئية للكتاب. وإذ أسقط آرب مستطيلاته الورقية، فقد كان بالمثل يقبل على قوانين الطبيعة لا قوانين الإنسان، على الرغم من أنه كان من الواضح عدم وجود بعد تنبئي.
في برلين، بدا أن راءول هاوسمن أيضا كان يطالع لاوتزه حوالي عام 1918، ولكنه علاوة على ذلك قد كان منجذبا إلى فكر البيولوجي الدارويني الألماني إرنست هيكل الذي اعتبر مبدأ وحيدا، وهو «قانون المواد»، موحدا للروح والمادة؛ وكل ذلك يدعم إيمان المؤرخ ريتشارد شيبارد بأن لا عقلانية الدادائيين وتحطيمهم التقاليد بطريقة مناوئة للفن كانا مرتبطين أساسا ببحث فلسفي عميق. كان أحد أعمدة الدادائية، وخصيصى في زيوريخ، يعنى بالتفاعل بين نماذج الطبيعة باعتبارها فوضوية، ونماذجها باعتبارها نمطية في جوهرها، ولو أن ذلك يمتد إلى البرلينيين غير الشيوعيين أمثال هاوسمن. وكان العمود الآخر - الممثل في دوشامب وبيكابيا في نيويورك وباريس، أو جورج جروتس وفالتر سيرنر في برلين - وجوديا جوهريا بقدر أكبر ونزاعا تجاه العدمية؛ يناظر ذلك بالتأكيد الحكمة التقليدية التي بموجبها تكون الدادائية في زيوريخ أكثر «استدلالية» في جوهرها من دادائية نيويورك أو دادائية باريس.
وبالرجوع إلى السريالية، نجد القليل من الطبيعة الصوفية لدى آرب أو هاوسمن، لا سيما أن التعبيرية، التي حوت الحافز الحيوي لاهتماماتهما، كان لها أثر طفيف على الحركة الفرنسية. وبدلا من ذلك، فقد مالت كثيرا النماذج السريالية للفكر المناوئ للازدواجية إلى الاستقاء من التقاليد الغربية المستغلقة فيما بعد العصور الوسطى، وكانت الخيمياء تحديدا موضع اهتمام كبير لدى جميع الكتاب والمنظرين البارزين في الحركة. وتتجلى الخيمياء، ممزوجة بإشارات ضمنية للتنجيم والعناصر الأربعة، دوما في السريالية البصرية. كانت الخيمياء أساسا معنية بتحويل العناصر، ومن ثم نراها تثري الصور المجازية المتعددة التكافؤ لأندريه ماسون مثلا؛ ففي لوحته «ميلاد الطيور» (شكل
3-2 )، نجد أن صورة الطائر وهو ينطلق في الأعالي من فرج المرأة، ترتبط بأفكار متداعية مباشرة بصور الطيور الرمزية المحلقة إما لأعلى وإما لأسفل في نقوش الوعاء الخيميائي؛ حيث كانت عمليات تحويل المادة تتم، بينما توظف اللوحة كلها صورا مجازية تحولية لطرح الميلاد كموضوع. ربما كان ماسون أقرب تقريبا إلى صوفية الطبيعة لآرب من غيره من السرياليين، وربما تأثر بعمق بهرقليطس. ولكن، في أعمال ميرو (شكل
3-5 ) يمكننا أن نجد أيضا إشارات ضمنية إلى كون متعدد الأنماط بشكل صوفي، ولكنها تتسق هذه المرة مع فلسفات رامون لول، الصوفي المسيحي الذي عاش في القرن الثالث عشر، والذي شاركه ميرو جذوره الكتالونية.
Bog aan la aqoon