Daci Sama
داعي السماء: بلال بن رباح «مؤذن الرسول»
Noocyada
واتفق ذات يوم - والحبشي المسكين يتلظى من ألم ذاك العذاب - أن عبر به رجل نحيف البدن صغير القد جميل الملامح واسع الجبين فشهد فيمن يشهدون ثبات بلال وشدة عذابه.
وكان ذاك الرجل النحيف هو التاجر عبد الله بن عثمان أبي قحافة، ويعرف في التاريخ الإسلامي باسم أبي بكر صديق النبي الحميم وزميله في ذلك الكهف الذي تقول الرواية إن العناكب نسجت على مدخله خيوطها لتخفي اللاجئين إليه عمن يتعقبونهما، ويدعى أبو بكر أيضا بالصديق أي المخلص الوفي، وكان أبا السيدة عائشة التي قدر لها أن تقترن بالنبي وقدر لأبيها أن يخلف النبي على رعاية شأن المسلمين بعد وفاته، وكان إلى ذلك الحين قد أنفق كثيرا من ثروته التي تبلغ أربعين ألف درهم في شراء العبيد الذين سيموا العذاب على أيدي ساداتهم من أجل دخولهم في دين الإسلام، ومعظمهم رجال مهازيل أو نساء، فكان أبو قحافة يؤاخذه؛ لأنه ينفق ماله في إعتاق النساء والضعفاء ويقول له: هلا أنفقته في إعتاق الأقوياء الذين يشدون أزرك ويدرءون عنك عدوك؟ وكان أبو بكر يجيبه: كلا. يا أبت. إنما أريد بهم وجه الله.
ويقول الرواة: إن هذا البذل السخي في سبيل التقوى قد أفقر الرجل حتى لبس الثياب الخشنة من شعر المعز الذي يلفق بالسلا.
فلما شهد بلالا في ذلك العذاب لم يطل صبره على رؤيته بتلك الحال وأخذ لتوه يساوم أمية بن خلف وأبي بن خلف في ثمنه فباعاه بعباءة وعشرة دنانير.
وقليلا ما كان يخطر على بال أحد من شهود تلك الصفقة، أن يوما من الأيام سيأتي على أمية وابنه يسألان فيه الرحمة من عبدهما الذي ضنا عليه بكل رحمة فلا ينالانها. فما انقضت عشر سنين على ذلك اليوم حتى ظفر بلال بصاحبيه وسنحت فرصته بعد وقعة بدر الحامية، فوقعت عليهما عيناه بين أسرى قريش، وشفى قلبه أن ينظر إليهما وهما يذبحان على مشهد منه؛ لأن الإسلام لا يأمر الذين يدينون به أن يجزوا الشر بالخير.
وقد كان بلال في الحقيقة أول عبد قيم أطلقه أبو بكر، فأرسله عتيقا لوجه الله.
وكان بلال رجلا قويا، فلا يفهم وصفه بالهزال في قصيدة الشاعر الفارسي إلا على معنى الهزال الذي توصف به الطبيعة البشرية بالقياس إلى قوة الروح.
ولم يلبث لسان الكذب والوشاية أن قال قولته في السبب الذي بعث أبا بكر إلى شراء الحبشي المعذب، فزعم من زعم أنه توخى الفائدة ولم يتوخ التقوى والصلاح، وكانت هذه الأكذوبة خليقة أن تسري مسراها في البيئة التي عهدت ذلك التاجر الورع زمانا وهو الأريب الخبير بتصريف التجارة، ولكن محمدا كان ينكر ما يلغطون به ويوسع القائلين به تأنيبا وملامة، وفي ذلك يقول الكتاب من سورة الليل:
والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سعيكم لشتى * فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى * وما يغني عنه ماله إذا تردى * إن علينا للهدى * وإن لنا للآخرة والأولى * فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى * وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى * ولسوف يرضى [الليل 1-21].
ومن ثم أصبح بلال خادما أمينا لمحمد «عليه السلام»، وكتب له أن يسهم بنصيب في نشر دعوة الإسلام.
Bog aan la aqoon