ولم يجب، فواصلت الحديث: كنت قد هددتني أن تقول لأبي، ورجوتك ألا تفعل. أتراك إذا قلت له تكف عن هذه النظرات؟ قل له ... قل له ... فقط كف عن هذه النظرات.
وانخرطت في البكاء، ولم يقل الحاج والي شيئا، وإنما قام وانصرف شأنه دائما.
وفي يوم عرض عليها محمد أن يسافرا إلى القاهرة، وكأنما أنبتت كلمة القاهرة فكرة في نفسها لم تكن تخطر لها.
وفي القطار قالت لمحمد: أنت الآن دكتور معروف في الزقازيق يا محمد.
وأحس محمد الزهو وهو يقول: الحمد لله. - صاحبتي ناهد قالت لي إنها تعرف زبائن من مصر جاءوا إليك في الزقازيق لتعالجهم. - صحيح؟ - ألم تكن تعرف؟ - أنا لا أسأل الزبائن من أين جاءوا. - ناهد قالت لي هذا، وقد ذكرت لي أسماءهم، ولكني نسيتها. - إذن فزوجك رجل مهم. - أنت طيب. محمد ليس فيك إلا عيب واحد. - أعرفه. إنه يسليني يا آمال، يجعلني أنسى كل ما ألاقيه أثناء النهار. - يا ترى يا محمد لو انتقلنا إلى مصر. - ماذا؟ - إن اسمك كبير الآن؛ ستجد زبائن أكثر من زبائن الزقازيق، وقد تجد تسلية أخرى. - أما الزبائن فلا أعلم. مصر واسعة وأخشى أن أضيع فيها وسط الزحام. أما التسلية الأخرى فأشك كثيرا أن أجد شيئا يسليني عن الورق يا آمال. - نجرب. - ألا تخشين أن تكلفنا التجربة زبائن الزقازيق، ولا تعوضنا بزبائن مصر؟ - نحن والحمد لله لا نحتاج للمال؛ أنت وحيد أبيك، وأنا وحيدة أبي، ومرتبك يكفينا. فما الضرر في أن نجرب؟ - على شرط. - قل شروطك كلها. - أن تفقدي الأمل في أن أترك لعب الورق. - لا بأس. يكفي أن أكون في القاهرة وأتنفس.
وأطلقت تنهيدة عميقة، وأحست أنها أخيرا تستطيع فعلا أن تتنفس.
الفصل الرابع والثلاثون
حين أبلغ محمد أباه أنه نقل إلى القاهرة، صمت الأب طويلا حتى اضطر محمد آخر الأمر أن يقول: ماذا يابا؟ أيغضبك هذا؟
وظل الحاج والي صامتا فترة أخرى، ثم قال فجأة وقد عاوده شعور بالخوف أن يرى ابنه الأفكار التي تدور برأسه: وما الداعي لهذا النقل؟ - المجال هناك أوسع. - هنا يعرفك الناس. - وسيعرفني الناس هناك.
ولم يكن الحاج والي يحتاج إلى كثير تفكير ليدرك أن آمال هي التي ألحت لإتمام هذا النقل، ولكنه لم يستطع أن يقول شيئا إلا: مصر واسعة يا محمد. - والناس فيها كثيرون. - أخشى أن تضيع هناك بين الأطباء بعد أن أصبحت هنا معروفا. - لا تثق بي يابا؟!
Bog aan la aqoon